دولة بلا مسؤولين.. شعب بلا أمل: كيف تصنع الدولة وهم السياسة قبل الانفجار؟

دولة بلا مسؤولين.. شعب بلا أمل: كيف تصنع الدولة وهم السياسة قبل الانفجار؟

- ‎فيرأي
2099
التعليقات على دولة بلا مسؤولين.. شعب بلا أمل: كيف تصنع الدولة وهم السياسة قبل الانفجار؟ مغلقة

بقلم : عبدالقادر العفسي

إن المتتبع تصريحات وزراء حكومة التلفزة ! يتفاجأ في مدى الجبن السياسي الذي أصاب أعضاءها ليخرجوا فُردا و زُرافات كل من موقعه السياسي ليتبرؤوا من العمل الحكومي و يستنكرونه و يدْعون لها بالهداية ! و هو سلوك في المنطق السياسي يعتبر ليس فقط جبنا بل هو طريقة خسيسة لاستلاب الشعب و إظهار الأمر على وجود حكومات أخرى موازية أو إلقاء المسؤولية على مؤسسات أخرى خارج الحكومة !. 

فلا يعقل أن يتم التغني بالمسؤولية و المحاسبة ثم نسمع تصريحات مسؤولة تعلن فشل مجموعة من الإجراءات و المخططات الحكومية بالملايير و كأنه مال سائب، يثخن فيه أصحاب الفهم و الحلب و التبذير ، و هو ما يفتح سؤال عريض عن دور هؤلاء الوزراء المستنكرين داخل الحكومة الرسمية ، و هل لهم من الجرأة ما يدفعهم لترك المفاتيح و تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية ، فبدون مثل هذه المسلكيات نبقى بعيدين جدا عن الفعل السياسي الحقيقي و مسؤولية القرار و إعادة الاعتبار للفاعل السياسي أمام الشعب الذي كفر بالعملية السياسية و الديمقراطية ن و لا يراها إلا مهرجان فلكلوري لا يرقى حتى إلى تنسيق المواويل .

 

وهنا نطرح معضلة جوهرية تتجاوز مجرد “الجبن السياسي” لوزراء الحكومة المغربية ، إلى أزمة أعمق تتعلق بفقدان الشرعية السياسية للدولة الحديثة، ففي الفلسفة السياسية للدولة الحديثة تقوم على مبدأ المسؤولية والمحاسبة، حيث لا يمكن للحاكم أن يتنصل من قراراته، وإلا فهو يعلن ضمنيًا تفكك الدولة وانهيار مبدأ “السيادة”، عندما يتبرأ الوزراء من قراراتهم، فهم يعلنون ضمنيًا وجود مراكز قوى موازية تحكم فعليًا، مما يؤدي إلى تفريغ العملية الديمقراطية من مضمونها .

 

من منظور سوسيولوجي، هذا السلوك يعكس دينامية “الدولة العميقة”، حيث يتم تقاسم السلطة بين جهات غير منتخبة وجهات ظاهرية تمثل الحكومة، هذا يخلق تضخمًا بيروقراطيًا يقود إلى وضع كارثي: المسؤولية موزعة بين جهات متعددة، مما يجعل المحاسبة شبه مستحيلة، والنتيجة؟ دولة بلا مسؤولين فعليين، بل موظفون حكوميون يلعبون دور “الكومبارس السياسي ” .

هذا النفاق السياسي هو ما سماه الفيلسوف الفرنسي “بيير بورديو” ب “العنف الرمزي”، حيث يتم التحكم في الجماهير عبر خطاب سياسي مضلل يوهمهم بأن الدولة تعمل لصالحهم، بينما هي في الحقيقة تدير شبكة معقدة من المصالح الخاصة، في هذا السياق، يصبح الوزير مجرد موظف علاقات عامة يبرر فشل السلطة، بدل أن يكون صانع قرار .

إن صناعة الغباء السياسي إلى تجهيل الشعب يبرز من خلال تبرؤ الوزراء من قراراتهم التي هي ليس مجرد جبن، بل هو إستراتيجية سلطوية لتبليد الوعي الشعبي، فمن منظور “ميشيل فوكو” السلطة الحديثة لم تعد تعتمد على القمع المباشر فقط، بل على إنتاج خطاب مشوّه يصنع وعياً زائفاً عند الجماهير،إن تصريحات الوزراء التي توحي بأن الحكومة غير قادرة على التحكم في قراراتها، هي في الحقيقة تكريس لخطاب الغموض والفوضى، مما يدفع المواطن إلى العزوف عن السياسة وإدراك أنها مجرد مسرحية عبثية .

 

هذه الإستراتيجية تعكس ما يسميه “نعوم تشومسكي” بـ “صناعة الجهل”، حيث يتم التلاعب بالمواطن عبر جرعات من المعلومات المضللة والمتناقضة، مما يؤدي إلى شلل في الفهم السياسي العام، فبدل أن يسأل المواطن “لماذا يحدث هذا؟ ومن المسؤول؟”، يتم دفعه إلى تبني نظريات المؤامرة أو الخضوع للأمر الواقع، مما يحافظ على استقرار النظام القائم .

 

ثم إن ربط مستقبل الدولة برهان رياضي غير مضمون، وجعل المالية العامة مرتهنة للمؤسسات المالية الدولية، هو شكل من أشكال “الليبرالية القهرية”، حيث يتم التضحية بالفئات الهشة من أجل صناعة وهم الإنجاز الوطني، فعلم الاجتماع يُعرف هذا النوع من الخطابات بـ “السياسة الاستعراضية”، حيث يتم تحويل الاقتصاد إلى أداة لتلميع صورة الدولة بدل أن يكون وسيلة لتحسين حياة المواطنين.

 

تاريخيًا، الدول التي راهنت على مشاريع ضخمة دون إصلاحات اقتصادية واجتماعية حقيقية، انتهت بأزمات خانقة، مثل الأرجنتين خلال تنظيمها لكأس العالم 1978، والبرازيل في مونديال 2014، حيث تم استنزاف المالية العامة دون أي مكاسب حقيقية، الأخطر من ذلك أن استمرار استنزاف مالية الدولة في ظل الفساد يجعل المونديال قنبلة موقوتة، لأن الشعب عندما يشعر أنه يدفع فاتورة مشاريع لا يستفيد منها، يتحول إحباطه إلى حراك اجتماعي قد يأخذ أشكالاً غير متوقعة .

إنّ الاختناق النفسي والاقتصادي الذي يعاني منه  80% من الشعب تقريبا ، هذا الوضع، في علم الاجتماع السياسي، هو مقدمة لانفجار اجتماعي غير محسوب العواقب ، وهو ما لا نريده لوطننا و لشعبه خاصة في ظل تزايد مكان الخطر بالجوار الإقليمي ! فكما أشار  “كارل ماركس” : “عندما يدرك المضطهدون طبيعة اضطهادهم، يتحول وعيهم إلى ثورة ” ، بالتالي المعادلة واضحة :

 

  • ارتفاع مستوى الإحباط = بحث عن الخلاص بأي وسيلة .
  • انسداد الأفق السياسي = تآكل شرعية الدولة .
  • تفاقم الفجوة الاجتماعية = تهديد السلم الاجتماعي .

 

إن أخطر ما يمكن أن تواجهه أي دولة هو انفصال الجماهير عن الخطاب الرسمي، لأن ذلك يعني أن شرعيتها أصبحت مجرد وهم، في هذه الحالة هناك سيناريوهان لا ثالث لهما : أولا : إصلاح حقيقي يوقف النزيف ، و ثانيا : أو انفجار اجتماعي قد يكون عنيفًا وغير متوقع ! في ظل هذه الظروف، لا يمكن اعتبار الأزمة الحالية مجرد أزمة حكومة أو اقتصاد، بل هي أزمة وجودية للدولة نفسها، إما أن تعيد إنتاج شرعيتها عبر محاسبة الفاسدين وتحقيق العدالة الاجتماعية، أو أنها تسير نحو “النهاية البطيئة” كما حدث في عدة دول شهدت انهيارات داخلية قبل سقوطها المدوي .

الخاتمة: رؤية نحو المستقبل أو نحو الهاوية؟

 

ما يحدث اليوم ليس مجرد “أزمة حكومة”، بل هو مؤشر على فشل نموذج الحكم برمته ، دولة بلا مساءلة، اقتصاد مرهون، شعب مختنق، وسلطة عاجزة، كلها عوامل تجعل المستقبل مفتوحًا على كل الاحتمالات، والسؤال الجوهري الذي يجب أن يطرحه النظام السياسي على نفسه ليس فقط “كيف نخرج من الأزمة؟”، بل “هل ما زال لدينا الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ .

يمكنك ايضا ان تقرأ

خاص. أزمة تصدير الغنم الصردي بعد إلغاء شعيرة الأضحية: هل يتحرك المغرب لحماية موروثه؟

بقلم: نورالدين بازين بعد الإعلان الملكي عن إلغاء