البناء الطيني.. من تراث عمراني إلى هندسة مقاومة للكوارث

البناء الطيني.. من تراث عمراني إلى هندسة مقاومة للكوارث

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
444
0

طارق أعراب

يعود الطين، بصفته أحد أقدم مواد البناء في العالم، ليأخذ مكانه في طليعة الحلول الهندسية الحديثة. وبينما يتجه المغرب نحو إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز، تتجه الأنظار إلى تعاون استثنائي بين المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش ومؤسسات ألمانية مرموقة، بهدف تطوير تقنيات بناء طينية مقاومة للزلازل. هذه الشراكة لا تسعى فقط إلى تعزيز الصمود المعماري، بل تمتد أيضًا إلى الحفاظ على هوية معمارية ضاربة في عمق التاريخ، مع انفتاح مدروس على الابتكار الهندسي.

وفي إطار تعزيز التقنيات التقليدية بمقاربات هندسية متطورة، انعقد يوم 21 فبراير 2025 اجتماع رفيع المستوى بأكاديمية التكوين المستمر في جامعة باوهاوس بألمانيا، حيث جمعت الطاولة خبراء مغاربة وألمان لمناقشة سبل إدماج الطين ضمن معايير البناء الحديث، دون المساس بأصالته.

وقد حضر الاجتماع نخبة من المختصين، يتقدمهم الدكتورة أوفرة فاطمة الزهراء، منسقة المشروع بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش، والبروفيسور يورغن شنايدر، مدير أكاديمية باوهاوس، إلى جانب شخصيات بارزة مثل ستيفان يورشل، الأمين العام لاتحاد البناء الطيني الألماني، والفنان مانفريد فاهنرت، الذي ينسق الجهود في المغرب، وباربرا تاتيانا، المسؤولة عن التواصل بالفريق المغربي-الألماني.

وقد خلصت المباحثات إلى ضرورة تسريع عمليات إعادة الإعمار وفق معايير تضمن الجودة والمتانة، مع التركيز على دمج التقنيات الألمانية المتقدمة، مثل التعزيز بالأخشاب والألياف الطبيعية، لرفع مقاومة المباني الطينية للزلازل.

ويستند هذا المشروع الطموح إلى ثلاث ركائز أساسية: إحداث منصة للتكوين المستمر داخل المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش، حيث ستخصص هذه المنصة للمهندسين المعماريين، والصناع التقليديين، والمهندسين المدنيين، من أجل تزويدهم بالمهارات اللازمة في تقنيات البناء الطيني المعزز،نقل التكنولوجيا الألمانية المتطورة، إذ سيتم إدخال أساليب حديثة تعزز متانة المباني الطينية، مما يسمح بمقاومة أكبر للزلازل دون فقدان الخصوصية المعمارية المحلية، وتنفيذ مشاريع تجريبية وورشات عمل مشتركة في المناطق المتضررة، مع إنشاء لجنة متابعة مغربية-ألمانية لضمان استدامة هذا التعاون، وتقييم نتائجه على المدى الطويل.

ومن المنتظر أن تنطلق أولى الدورات التكوينية في شتنبر 2025، مع تحديد ثلاث قرى نموذجية لاختبار التقنيات الجديدة، مما سيسمح بتقييم مدى فاعليتها قبل تعميمها على نطاق أوسع.

لم يقتصر هذا التعاون على الجوانب التقنية فقط، بل شدد المشاركون على أهمية البعد الثقافي والاجتماعي في مشاريع إعادة الإعمار. فالبناء الطيني ليس مجرد تقنية، بل هو جزء من الهوية المغربية، خاصة في مناطق مثل الحوز، وورزازات، وتافيلالت، حيث تتجذر هذه الثقافة المعمارية في التقاليد المحلية.

وتأتي هذه المبادرة في سياق الجهود الوطنية لإعادة إعمار القرى المتضررة من زلزال الحوز (شتنبر 2024)، حيث تلعب المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش دورًا محوريًا في هذه العملية، بصفتها عضوًا في شبكة كرسي اليونسكو “العمارة الطينية، الثقافات البنائية والتنمية المستدامة”.

لا شك أن هذا التعاون يمثل نقلة نوعية في تعامل المغرب مع التراث المعماري الطيني، حيث لا يتم النظر إليه كخيار تقليدي فحسب، بل كـبديل بيئي مستدام، قادر على التكيف مع التحديات المناخية والجيوتقنية.

ومن خلال هذه المبادرات، يسعى المغرب إلى تحويل الطين إلى عنصر أساسي في استراتيجيته لإعادة الإعمار، ليس فقط كحل هندسي فعال، ولكن أيضًا كرمز لهوية معمارية متجذرة ومنفتحة على الابتكار.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

برامج رمضان على القناة الأمازيغية فرجة متنوعة بلمسة الفانتازيا

كلامكم: الرباط-محمد بلال كعادتها بادرت مديرية التواصل بالشركة