العمل الاجتماعي كدعامة أساسية في بناء الحماية الاجتماعية: وترسيغ الدولة الاجتماعية في إطار النموذج التنموي الجديد.

العمل الاجتماعي كدعامة أساسية في بناء الحماية الاجتماعية: وترسيغ الدولة الاجتماعية في إطار النموذج التنموي الجديد.

- ‎فيرأي
324
2

عبد الجليل لفغاني*

شهد المغرب تحولات كبرى في مساره نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، مستندًا إلى رؤية ملكية واضحة تجعل المواطن محور السياسات الاجتماعية. وهذه الرؤية تعزز مفهوم الدولة الاجتماعية كإطار لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما أكد عليه الملك محمد السادس في عدة مناسبات، ولا سيما في خطاب العرش وخطاب افتتاح السنة التشريعية 2021. وقد شدد جلالته على أهمية تجديد النموذج التنموي الوطني، وتطوير السياسات الاجتماعية لضمان الإدماج والتماسك المجتمعي. ويعد مشروع تعميم الحماية الاجتماعية أحد أبرز الأوراش الوطنية، إذ يستهدف تحسين مستوى عيش المواطنين، من خلال تعميم التغطية الصحية، توسيع الاستفادة من أنظمة التقاعد، توفير الحماية ضد فقدان الشغل، وضمان ولوج الفئات الهشة إلى الخدمات الأساسية. و يجسد هذا المشروع التزام الدولة الراسخ بتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، عبر تبني مقاربة تدريجية تضمن استفادة عادلة ومستدامة لجميع الفئات. وفي هذا السياق، يحتل العمل الاجتماعي مكانة أساسية في هذا التوجه، لما له من دور في ترسيخ قيم التضامن والتكافل، وتعزيز الروابط الاجتماعية. كما يسهم في دعم الفئات الأكثر هشاشة، من نساء، وأطفال، وشباب، وأشخاص في وضعية إعاقة، بهدف تمكينهم من الاندماج الاقتصادي والمهني. ومن هذا المنطلق، يبرز دعم المبادرات التعاونية والاقتصاد الاجتماعي كخيار استراتيجي لتعزيز التنمية المحلية، ومساعدة الأفراد على تحقيق الاستقلالية و الرفاهية.
وشكل النموذج التنموي الجديد إطارًا مرجعيًا للتحول الذي يشهده المغرب، حيث يهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية. ويرتكز هذا النموذج على مجموعة من الأولويات، من بينها: إصلاح المنظومة التربوية، دعم تنافسية الاقتصاد، تعزيز الحماية الاجتماعية، تمكين الشباب اقتصاديًا، تعزيز الاستدامة البيئية، وإرساء حكامة جيدة تقوم على إشراك مختلف الفاعلين في التنمية. ولبلوغ هذه الأهداف، يظل التنسيق بين الدولة، القطاع الخاص، المجتمع المدني، والهيئات المنتخبة، عنصرًا أساسيًا لضمان تنفيذ الإصلاحات بشكل فعال ومستدام.
ويرتبط نجاح هذه الأوراش الكبرى بمدى القدرة على تعبئة الموارد المالية، تحسين الحكامة، تعزيز الشفافية، وتفعيل آليات التقييم والتتبع، بما يضمن تحقيق النتائج المرجوة. وتظل الرؤية الملكية الرامية إلى تعميم الحماية الاجتماعية وإرساء أسس الدولة الاجتماعية، خطوة استراتيجية تهدف إلى بناء مجتمع يقوم على التضامن والتماسك، حيث يشكل المواطن محور العملية التنموية. وفي هذا الإطار، تمثل هذه الندوة الوطنية فرصة لفتح نقاش جماعي، والتفكير المشترك في السبل الكفيلة بتنزيل هذه الرؤية الطموحة على أرض الواقع، من أجل بناء مستقبل أكثر عدالة وازدهارًا للجميع.”
إن الدولة الاجتماعية، في مفهومها الحديث، تقوم على ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجميع المواطنين، من خلال توفير الولوج العادل إلى التعليم، والصحة، والسكن، وفرص الشغل، بما يسهم في تكريس تكافؤ الفرص، والتقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية. ويتماشى هذا التوجه مع الالتزامات الدستورية والدولية للمغرب في مجالي حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
وإن “مفهوم الدولة الاجتماعية” لم يكن مصطلحًا رسميًا يُطلق على المغرب في تاريخ معين، لكنه أصبح متداولًا بشكل واضح بعد إطلاق ورش الحماية الاجتماعية الشاملة سنة 2021، في سياق تنزيل النموذج التنموي الجديد مع السيد شكيب بنموسى وأعضائه المكونين للنموذج وفق رؤية ملكية سامية.
وهذا التعبير أصبح أكثر بروزًا في الخطابات الرسمية، خاصة في خطب الملك محمد السادس، في خطاب العرش (31 يوليوز 2021)، حيث “أكد الملك على ضرورة بناء دولة اجتماعية، ترتكز على التضامن، تقليص الفوارق الاجتماعية، والعدالة الاجتماعية”. والذي افتتح في الدورة التشريعية (8 أكتوبر 2021)، شدد الملك على أن تعميم الحماية الاجتماعية هو المدخل الأساسي لتحقيق الدولة الاجتماعية. ومنه يمكن طرح سؤال توضحي للقارئ. ما معنى الدولة الاجتماعية؟ / ماهي الدولة الاجتماعية؟
يعتبر مفهوم الدولة الاجتماعية من المفاهيم الحديثة نسبيا، وذلك لارتباطه بمفهوم الدولة المتدخلة الذي ظهر مع بدايات القرن الماضي. ويقصد بالدولة الاجتماعية عموما الدولة التي إلى جانب وظائفها السيادية والاقتصادية، يكون لها وظائف اجتماعية؛ حيث تتكفل بواسطة وسائلها ومن خلال سياساتها ومرافقها العامة، بالتنظيم والإشراف على قطاعات وخدمات اجتماعية، وهي الدولة التي تضع العدالة الاجتماعية وكرامة المواطن في صلب سياساتها، والتي تعمل على:
ضمان الحقوق الأساسية (الصحة، التعليم، السكن، الشغل، التقاعد)، حماية الفئات الهشة وتقليص الفوارق الاجتماعية ضمان تكافؤ الفرص والارتقاء الاجتماعي. ومفهوم الدولة الاجتماعية أخدتها الدولة المغربية من عند فرنسا بعتبرها دولة اجتماعية بامتياز في اروبا وما جاءت به مشاريع وتقسيمات حكومية لإنجاح مشروعها الحماية الاجتماعية لشعبها.
“ظهر مفهوم الدولة الاجتماعية في الخطاب السياسي خلال القرن التاسع عشر، في سياق تاريخي متميز. فقد ارتبط هذا المفهوم بإجراءات المستشار الألماني أوتو فون بسمارك، الذي أسس نظام الحماية الاجتماعية بهدف الحد من النفوذ السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي المحظور آنذاك، والعمل على استيعاب الحركة العمالية الألمانية داخل المنظومة السياسية”.
وأما علاقة النموذج التنموي بالرؤية الملكية هي في اساس بناء الدولة الاجتماعية مبنية على الحماية الاجتماعية لكل الفئات المجتمع بدون استثناء الا الاغنياء لأن لهم مقدار كافي للعيش والتمتع الرفاه. اذن يمكن طرح سؤال توضيحي: ماهو النموذج التنموي الجديد؟
يُعد النموذج التنموي الجديد في المغرب خارطة طريق استراتيجية تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة بحلول عام 2035. ويرتكز هذا النموذج على أربعة محاور رئيسية:
1/اقتصاد متنوع وتنافسي:
تعزيز التنوع الاقتصادي: تطوير قطاعات متعددة لخلق نسيج اقتصادي متنوع وقادر على الابتكار.
تحفيز الاستثمار والابتكار: تشجيع الاستثمارات وتعزيز ثقافة الابتكار لزيادة التنافسية.
دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة: توفير الدعم والتمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لتعزيز دورها في الاقتصاد.
2/رأسمال بشري معزز ومستعد للمستقبل:
تعليم ذو جودة للجميع: ضمان تعليم شامل وذي جودة، مع التركيز على تكوين وتحفيز المدرسين وتحديث المناهج التعليمية.
تطوير التعليم العالي والتكوين المهني: تحسين أداء الجامعات ومؤسسات التكوين المهني، وتعزيز البحث العلمي.
نظام صحي فعال: تعميم الولوج إلى التغطية الصحية، والاستثمار في الموارد البشرية الصحية لضمان خدمات ذات جودة.

3/إدماج الجميع وضمان تكافؤ الفرص:
تعزيز الحماية الاجتماعية: توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتشمل جميع الفئات، وتقليص الفوارق الاجتماعية.
تمكين المرأة والشباب: رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 45%، وتمكين الشباب من الولوج إلى الفرص الاقتصادية.
محاربة الإقصاء الاجتماعي: تنفيذ سياسات تهدف إلى دمج الفئات المهمشة وضمان تكافؤ الفرص للجميع.
4/مجالات ترابية مستدامة:
تعزيز الجهوية المتقدمة: منح الجهات صلاحيات أوسع لتحديد وتنفيذ سياساتها التنموية بما يتناسب مع احتياجاتها.
تقليص الفوارق المجالية: تطوير البنية التحتية والخدمات في المناطق القروية والنائية لتقليل الفوارق بين المناطق.
التنمية المستدامة: تشجيع المشاريع الصديقة للبيئة وتعزيز الاقتصاد الأخضر لضمان استدامة الموارد.
لضمان تنفيذ هذه المحاور، يقترح النموذج التنموي الجديد خمس رافعات أساسية:
1/التحول الرقمي: استغلال التكنولوجيا الرقمية لتسريع التنمية وتحسين الخدمات.
2/إدارة فعالة: تطوير جهاز إداري مؤهل وفعال قادر على تنفيذ السياسات بكفاءة.
3/تمويل مستدام: تأمين الموارد المالية الضرورية لتمويل المشاريع التنموية.
4/مشاركة مغاربة العالم: الاستفادة من خبرات وكفاءات المغاربة المقيمين بالخارج.
5/تعزيز التعاون الدولي: تعبئة علاقات التعاون مع الشركاء الأجانب على أساس مبدأ الربح المتبادل.
ويهدف هذا النموذج إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام للفرد، وضمان امتلاك 90% من التلاميذ للتعليمات الأساسية، وتقليص نسبة الشغل في القطاع غير المهيكل إلى 20%، ورفع نسبة رضا المواطنين عن الإدارة والخدمات العمومية إلى أكثر من 80% بحلول عام 2035.
ويُعتبر هذا النموذج بمثابة ميثاق وطني للتنمية، يتطلب التزامًا جماعيًا من جميع الفاعلين في المجتمع المغربي لتحقيق الأهداف المنشودة.
وهنا يأتي العمل الاجتماعي كدعامة اساسية في بناء الحماية الاجتماعية في اطار النموذج النموي الجديد. فالعمل الاجتماعي هو مجال شاسع وفق المقاربات والحاجيات والميادين وأيضا نظم التدخل التي يستعين بها. العمل الاجتماعي رؤية وتخطيط مسبق يوازي حجم التنمية المطلوبة في كل مجتمع وبلد، العمل الاجتماعي لا يستهدف مساعدة ودعم وإدماج الأفراد كما يستهدف فهم تمثلاتهم وتصوراتهم ومعتقداتهم، وهو اتصال مباشر مع حركيات المجتمع وجس نبض تقليته وتبدلاته، العمل الاجتماعي يستند على المعرفة العلمية ويتبنى الخطوات البحثية في تشخيص مشكلات عمله أفرادا وجماعة ومجتمع. اذن فالعمل الاجتماعي يمكن أن يكون دعامة أساسية في الحماية الاجتماعية في إطار النموذج التنموي الجديد من خلال الأدوار التالية:
1/تعزيز التكافل الاجتماعي:
العمل الاجتماعي يسهم في ترسيخ قيم التضامن والتآزر بين أفراد المجتمع، مما يدعم برامج الحماية الاجتماعية. يساهم أيضا في خلق شبكات دعم مجتمعي تساعد الفئات الهشة على مواجهة المخاطر الاجتماعية.

2/تحديد الحاجيات الاجتماعية:
العاملون الاجتماعيون يعملون على تشخيص دقيق لاحتياجات الفئات الهشة (الأسر الفقيرة، الأشخاص في وضعية إعاقة، النساء المعيلات…). وكذلك توفير معطيات ميدانية لأصحاب القرار السياسي أن تساعدهم على توجيه تدخلات الحماية الاجتماعية بشكل أكثر فعالية.
3/التأهيل والإدماج الاجتماعي:
العمل الاجتماعي يلعب دورًا محوريًا في مواكبة الفئات الهشة عبر التكوين والإدماج المهني. وتمكين الأفراد اقتصادياً واجتماعياً للحد من التبعية للمساعدات المباشرة.
4/مواكبة إصلاحات الحماية الاجتماعية:
العمل الاجتماعي يساهم في تتبع تنفيذ ورش تعميم الحماية الاجتماعية (التغطية الصحية، التعويضات العائلية، التقاعد….) وضمان عدم إقصاء أي فئة من هذه البرامج من خلال التتبع الميداني.
5/تعزيز الالتقائية بين الفاعلين:
العمل الاجتماعي يضمن التنسيق بين القطاعات الحكومية، الجماعات الترابية، الجمعيات، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية. وتحقيق تكامل الخدمات الاجتماعية بما يضمن نجاعة وفعالية التدخلات في إطار النموذج التنموي الجديد.
6/محاربة الفقر والهشاشة:
العمل الاجتماعي كآلية مرافقة لإدماج الفئات الفقيرة والهشة عبر برامج الإدماج الاقتصادي والاجتماعي. وكذلك العمل الميداني مع الأسر الفقيرة لرفع مستوى معيشتها وتحسين ظروفها الاقتصادية.
7/دعم الفئات الخاصة:
مرافقة الأشخاص في وضعية إعاقة، الأطفال المتخلى عنهم، المسنين، والنساء ضحايا العنف.و ضمان استفادتهم من خدمات صحية، تعليمية، ومساعدات اجتماعية مناسبة.
خلاصة:
وفي إطار النموذج التنموي الجديد، يشكل العمل الاجتماعي حجر الزاوية لتفعيل ورش الحماية الاجتماعية، من خلال تعزيز التكافل، تشخيص الحاجيات، إدماج الفئات الهشة، التنسيق بين المتدخلين، ودعم الفئات الخاصة. فهو بمثابة القناة الأساسية التي تضمن عدالة التوزيع الاجتماعي وتقليص الفوارق، بما يحقق التنمية المستدامة والعيش الكريم للمواطن
يساهم في خلق شبكات دعم مجتمعي تساعد الفئات الهشة على مواجهة المخاطر الاجتماعية.
ويمكن القول أن هدف الرؤية الملكية وتعميم الحماية الاجتماعية في المغرب، يتمحور على تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وتقليص الفوارق الاجتماعية، وضمان كرامة المواطنين. لسد كل حاجياتهم الاساسية وتوفير تغطية اجتماعية شاملة لجميع المغاربة. و لهذا هذا الورش كخطوة مهمة نحو بناء “دولة اجتماعية”، حيث يكون المواطن في قلب السياسات العمومية، ويُعتمد على آليات الحماية الاجتماعية لضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي

* باحث في علم الاجتماع ومسار التميز العمل الاجتماعي بني ملال

‎تعليق واحد

  1. .

  2. مقال رصين للزميل عبد الحليل لفغاني، يشمل أوجه التدخل الاجتماعي، والتوجه الاجتماعي للدولة من خلال السياسات الملكية المهتمة بمختلف شرائح المجتمع

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

المنصة الصناعية لمراكش: قاطرة جديدة للتحول الاقتصادي بجهة مراكش آسفي

طارق أعراب تمثل المنصة الصناعية لمراكش خطوة استراتيجية