إقطاعيو الدولة الجدد: كيف يُشرعن رئيس المؤسسات الشبه عمومية نهب المواطن؟

إقطاعيو الدولة الجدد: كيف يُشرعن رئيس المؤسسات الشبه عمومية نهب المواطن؟

- ‎فيرأي
1152
التعليقات على إقطاعيو الدولة الجدد: كيف يُشرعن رئيس المؤسسات الشبه عمومية نهب المواطن؟ مغلقة

بقلم : عبدالقادر العفسي

هذا المقال ليس موضوعياً! ولا يستهدف أحداً بعينه، أي تشابه بين ما يرد فيه وبين الواقع هو مجرد مصادفة بحتة! وأي استنتاج قد تصل إليه هو مسؤوليتك وحدك، لا نناقش هنا أشخاصاً! بل ظواهر؛ لا نحاكم أفراداً! بل نحلل بنىً اقتصادية وإدارية تفرض نفسها بطرق معقدة، قد يكون كل ما ستقرأ هنا خيالاً مبالغاً فيه، وقد يكون الحقيقة التي تعيشها دون أن تنتبه !القرار لك، لكن قبل أن تحكم، اسأل نفسك: من الذي يتحكم في المال العام، وإلى أين تذهب ثروات المؤسسات الشبه عمومية؟


رئيس المجالس الإدارية للمؤسسات الشبه عمومية ليس مجرد منصب إداري، بل هو تجسيد لتحولات عميقة في بنية السلطة والاقتصاد داخل الدولة ،هذا الموقع: الذي يُفترض أن يكون حلقة وصل بين المصالح العامة والتدبير الرشيد، يتحول بفعل غياب الرقابة والمحاسبة إلى مركز استنزاف ممنهج للموارد، حيث تتماهى السلطة المالية والإدارية في يد فرد واحد، فيُصبح أقرب إلى “إقطاعي حديث”، يفرض إيقاعه الخاص على حركة المال والقرار .

نعم ، تحولت هذه المؤسسات الشبه عمومية من أدوات لخدمة المواطنين إلى كيانات تحتكر السلطة المالية والإدارية، في ظل رئيس مجالسها الإدارية الذي يمتلك نفوذاً غير محدود، يضع القوانين بما يخدم مصالحه ويستغل الثغرات لتمرير الامتيازات لنفسه ولشبكته الضيقة ويحمها و لها صلاحيات ضخمة من متابعة أي رافض لهذه المسلكيات بأموال المواطنين و هم مرغمين ، من فرض الغرامات والضرائب بأساليب غير شفافة، حيث تُستخلص دون رقابة فعلية، وتمتص جيوب المواطنين بآليات معقدة تجعل من الاعتراض أو المحاسبة شبه مستحيل ، إلى ما يتم جمعه لا يصب في مصلحة الخدمات العامة بل يتبخر في الحسابات المعقدة لرئيس المؤسسة وشبكته ، بمعنى آخر يتم تذويب الإيرادات في أرقام حسابات متشابكة، ليحصل رئيس المجلس الإداري على نسبة غير مشروعة من العوائد العامة، بينما تبقى الخدمات متدهورة والمواطن غارقاً في دوامة الجباية دون مقابل ملموس ، كل هذا نتيجة الحصانة المطلقة التي يحظى بها رئيس هذه المؤسسات ، حيث يختلط النفوذ المالي بالتواطؤ السياسي، مما يجعل محاسبته أمراً شبه مستحيل، بل ويستمر في منصبه حتى مع افتضاح فساده، وكأن النظام الإداري مصمم لحمايته لا لمساءلته !

الفساد في هذا المستوى ليس حالة عرضية، بل هو جزء من نظام محكم، حيث يتم تصميم اللوائح والقوانين بطريقة تتيح لرئيس المجلس الإداري الاستفادة القصوى دون أن يكون ملزماً بتقديم مقابل فعلي للمجتمع، لا توجد سرقة مباشرة، بل هندسة دقيقة للعوائد المالية بحيث تتسرب النسب الكبرى نحو قنوات غامضة، بينما يتحمل المواطن عبء الضرائب والغرامات دون أن يرى انعكاساً حقيقياً لها في مستوى الخدمات، الدولة هنا ليست مجرد راعٍ للفوضى، بل شريك غير مباشر، حيث يتم التسامح مع هذه الممارسات طالما أنها لا تهدد التوازنات الكبرى، وطالما أنها تُبقي النظام الاقتصادي قائماً على منطق الامتصاص المستمر لقدرة المواطن الشرائية، دون تمكينه من أدوات المساءلة الحقيقية .

في ظل هذا الوضع، يصبح رئيس المجالس الإدارية أشبه بحاكم موازٍ، يتمتع بمزيج من الامتيازات التي تجعله في منأى عن المساءلة، حيث تتداخل المصالح بين السياسي والاقتصادي، ليصبح الفساد هنا ليس مجرد ممارسة، بل فلسفة قائمة على إعادة إنتاج الامتيازات بطرق غير مباشرة ، الضرائب والغرامات ليست سوى أدوات في لعبة أكبر، تُصمم لإبقاء التدفق المالي في اتجاه معين، دون السماح بتحقيق أي توازن بين ما يدفعه المواطن وما يحصل عليه من الدولة .

هذا الشكل من الفساد ليس مجرد انحراف أخلاقي، بل هو آلية هيكلية، تجعل من المؤسسات الشبه عمومية مساحات لاستنزاف الثروة بدل إنتاجها، ليس غريباً إذن أن تظل هذه المؤسسات عاجزة عن التطوير، وأن تتحول إدارتها إلى مجرد سلسلة من التحالفات بين المنتفعين، حيث يصبح الوصول إلى رأس الهرم الإداري هدفاً بحد ذاته، لا لخدمة المرفق العام، بل لضمان الاستفادة القصوى من تدفقاته المالية .

أخطر ما في الأمر أن هذه المنظومة تعيد إنتاج ذاتها باستمرار، حيث يتم تدوير نفس الوجوه داخل المؤسسات، ويتم خلق شبكات مصالح تجعل من اختراق هذه البنية أمراً شبه مستحيل، حتى عندما تظهر دعوات للإصلاح، فإنها غالباً ما تكون مجرد تحركات شكلية، تهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي دون المساس بجوهر المنظومة، الإصلاح الحقيقي هنا ليس مجرد تغيير في الوجوه، بل تفكيك جذري للمنطق الذي تقوم عليه هذه المؤسسات، وهو تفكيك يتطلب إرادة سياسية تتجاوز مجرد الشعارات، وتتجه نحو إعادة هيكلة العلاقة بين المواطن والدولة، بحيث لا يكون رئيس المجلس الإداري سلطة فوقية، بل جزأ من منظومة تخضع للمساءلة الفعلية ، و يكون المواطن فيها شريكا حقيقيا لا مجرد هدف للجباية و الاستنزاف .

لكن هل هذا ممكن ؟أم أن هذه المؤسسات الشبه عمومية قد نجحت في فرض واقع لا يمكن تجاوزه ؟ يبدو أن اللعبة أعقد مما نتصور ، فحين يتمكن المسؤول من تطويع القانون ليصبح درعا يحمي مصالحه ، و حين تتحول المحاسبة إلى إجراء صوري ، يكون السؤال الحقيقي ليس عن وجود الفساد ، بل عن مدى عمقه و تجدره في بنية الدولة نفسها .

ربما لم يعد الأمر مجرد ” انحرافات فردية ” ، بل أصبح نظاما قائما بذاته ، حيث يتم توزيع الامتيازات وفقا لمنطق الولاء لا الكفاءة ، ويتم التعامل مع المواطن كمصدر تمويل وجمع “المكوس ” و “الخراج “لا كشريك في التنمية ، في النهاية لن يتغير شيء ما لم يدرك الناس أن هذه المؤسسات لم توجد لخدمتهم ، بل لامتصاصهم ، و أن السلطة الادراية و المالية حين تترك دون رقابة حقيقية ، فإنها تتحول إلى وحش لا يشبع ، يستنزف دون توقف و يعيد إنتاج ذاته كلما ظننا أننا اقتربنا من تغييره .

يمكنك ايضا ان تقرأ

ساكنة عرصة البردعي القديمة تناشد والي أمن مراكش لمحاربة تفشي المخدرات

حكيم شيبوب يواجه سكان حي عرصة البردعي القديمة