خالد مصباح فاعل حقوقي.
يعتبر اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من دجنبر من كل سنة، فرصة للدول والحكومات، وللناشطين و الفاعلين المدنيين في المجال لتقييم اوضاع حقوق الانسان؛ وقياس رضى الشعوب والامم عن منسوب الحقوق والحريات الأساسية، وواقع الممارسة الفعلية لصانعي القرار في إحراز التقدم في مجال احترام حقوق الناس وحرياتهم كما جاءت مسطرة في المواثيق والاتفاقيات ذات الصلة،
كما أن حلول الذكرى السنوية 76 لصدور هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كوثيقة مرجعية هامة، والتي اسست لعدد من الاتفاقيات والعهود الدولية المرجعية بدورها؛ وهو ايضا مناسبة لإحياء ذكرى من أكثر التعهدات العالمية ريادة. وتكرس هذه الوثيقة التاريخية الحقوق غير القابلة للتصرف التي يحق لكل فرد أن يتمتع بها بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الميلاد أو أي صفة أخرى.
هذا وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الإعلان العالمي لحقوق الانسان، في باريس في العاشر من دجنبر 1948، الذي حدد لأول مرة حقوق الإنسان الأساسية التي يجب حمايتها عالميًا، لذا تعتبر هذه الوثيقة الدولية معيارًا مشتركًا للإنجاز لجميع الشعوب وجميع الأمم؛ هو مخطط عالمي للقوانين والسياسات الدولية والوطنية والمحلية وأساس أجندة 2030 للتنمية المستدامة.
وتجدر الإشارة أن هذا الاعلان متاح بـ 577 لغة، من الأبخازية إلى الزولو، مما يجعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الوثيقة الأوسع ترجمة في العالم.
سياق إحياء اليوم العالمي لحقوق الانسان لسنة 2024.
يعتبر موضوع احياء اليوم العالمي لحقوق الانسان لهذا العام 2024 : “حقوقنا، مستقبلنا، فورًا”؛ الذي اتخدته الامم المتحدة لهذا العام كشعار ذا أولوية بالغة؛ يفرض نفسه اكثر من أي وقت مضى في ظل عالم يعرف الكثير من الغيوم الملبدة التي تغطي سماء التمتع بالحقوق والحريات للجميع على السواء، وفي عدد من بقاع العالم، حيث تعيش عدد من الشعوب والامم الكثير من التوثرات والحروب والنزاعات المسلحة في عدد من الدول العربية والعالمية؛ حيث ان هذه القلائل والتوترات تعتبر البيئة الحاضنة لاقبح وابشع انواع الانتهاكات الجسيمة والتجاوزات الخطيرة، التي عاشتها تعيشها البشرية على مدار العقود الأخيرة الماضية و في العقد الحالي ايضا.
وتعتبر الامم المتحدة وهي تخلد هذا العام ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان؛ أن “بإمكان حقوق الإنسان أن تمكّن الأفراد والمجتمعات المحلية من بناء غدٍ أفضل. فمن خلال اعتناق قوة حقوق الإنسان الكاملة والثقة بها باعتبارها السبيل إلى العالم الذي نصبو إليه، ننجح في بناء مجتمعات أكثر سلامًا ومساواة واستدامة”.
وتضيف ان في اليوم العالمي لحقوق الإنسان لهذا العام، نركز على حقوق الإنسان باعتبارها مسارًا إلى الحلول وقوة وقائية وحمائية وتحويلية تؤدّي دورًا حاسمًا من أجل الخير. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، “حقوق الإنسان هي الأساس،نأمل، من خلال حملتنا هذه، أن نلهم الجميع فيعترفوا بأهمية حقوق الإنسان وبمدى ملاءمتها مع عالم اليوم، وأن نغيّير المفاهيم من خلال التصدي للصور النمطية السلبية والمفاهيم الخاطئة وأن نحشد الجهود لإعادة إحياء حركة عالمية لحقوق الإنسان.
ورغم كل ما سلف ذكره من اجل ابراز الموقف الرسمي للمنتظم الدولي ومنظوره لقضايا حقوق الانسان، واعلام نوايا لا نشك في صدقها، فإنه رغم ذلك فالواقع يعاكس كل هذه النوايا والاعلانات مهما كان مصدرها وصدق سريرة اصحابها؛ ذلك اننا عشنا ولا انا نعيش توثرات وحروب داخلية نتجت عنه الكثير من الكوارث والويلات والمٱسي الانسانية من قتل خارج نطاق القانون و اختطاف قسري واعتقالات تعسفية و تعذيب بشع وغيرها الانتهاكات الجسيمة والخطيرة في عدد من البلدان التي تعيش انفلاتا امنيا او حروب عرقية وطائفية او نزاعات فصائلية مسلحة، لكننا نسجل للاسف انه لم يكن هناك اثرا حقيقيا لكل التدخلات من المنتظم الدولي تضع حدا لكل هذه الانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الانسان؛ وترتب الجزاء لمن يجب في إطار عدم الافلات من العقاب وحتى لا يتكرر ماجرى، ناهيك عن عدوان اسرائيلي خطير واستئصالي في حق الشعب الفلسطيني وما خلفه من مأساة إنسانية بكل المقاييس في حق شعب اعزل لا يريد الا العيش في سلام في ظل دولة مستقلة وٱمنة ومستقرة.
هذا فقط غيض من فيض لواقع حقوق الانسان بعدد كبير من المناطق بدول عالم اليوم؛ مما يجعلنا كناشطين حقوقيبن وفاعلين في المجتمع المدني في مجال حقوق الانسان أساسا؛ نطرح عدد من الاسئلة الجوهرية التي نعتبرها وجيهة في ظل هذا العالم الذي يعيش وضعا معقدا من الناحية الحقوقية كما يلي :
– ما هي أهمية كل المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان إذا لم تحترم وتطبيق وينعم بها الجميع على السواء؟
– كيف يمكن اقناع عدد من شعوب العالم وخاصة التي تعيش اوضاعا حقوقية صعبة بحدوى وجود كل هذه الترسانة في مجال حقوق الانسان وعي غير قادرة على حمايتها وحماية أمنها وٱمانها الشخصي وسلامتها البدنية؟
ـ ما الغاية من انتاج اتفاقيات دولية في مجال من مجالات مختلفة من حقوق الانسان، اذا لم يصل مفعولها واثرها على الشعوب والامم والفئات الأكثر عرضة لانتهاك حقوقها؟
ـ كيف يمكن ان نقنع الاجيال الحالية والجديدة بحدوى خطاب متضخم حول حقوق الانسان؛ وهم يرون الواقع في عدد من بقاع العالم عكس هذا الخطاب تماما؟
ما فائدة الشرعية الدولية وكل المنظمات الدولية والمدنية التي لها صلة بحقوق الانسان، والعالم يعيش في ظل كل هذه الغطرسة والهيمنة والصمت على بعض الاطراف رغم ارتكابهم لانتهاكات جسيمة و خطيرة وجرائم ضد الانسانية ؟
ـ ما الجدوى الفعلية من وجود ٱليات حقوق الإنسان الدولية التي ترصد تنفيذ القانون الدولي لحقوق الإنسان ،وهي نوعان من آليات رصد حقوق الإنسان داخل منظومة الأمم المتحدة سواء الهيئات القائمة على المعاهدات والهيئات القائمة على الميثاق التي تتولى هيئات المعاهدات العشر لحقوق الإنسان، والتي تتألف من لجان من الخبراء المستقلين، من اجل رصد تنفيذ المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان. و المستعملة على الهيئات القائمة على الميثاق، مجلس حقوق الإنسان، والإجراءات الخاصة، والاستعراض الدوري الشامل، والتحقيقات المستقلة، اذا لم يكن لها الأثر الواضح في مراقبة حماية حقوق الانسان الشمولية والكونية وبشكل متساو ومتكافئ في كل البلدان والاقطار؟
هذه الاسئلة وغيرها وهي ليست لوحدها طبعا؛ بل توجد اسئلة اخرى اكثر منها عمقا؛ لكننا ارتأينا تقاسم هذه الاسئلة فقط مع كل الفاعلين والمهوسين بإعمال حقوق الانسان ثقافة وممارسة ـحتى لا يقال عنا اننا حالمين وطوباويين – وإن كان حلمنا بعالم ٱخر غير السائد حاليا خالي من كل مظاهر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وحتى البسيطة منها؛ وهذا هو المبتدأ والخبر ليكون العالم منسجما في القول والعمل والممارسة الفعلية و الميدانية في مجال إعمال المنظومة الدولية لحقوق الانسان دون تمييز او تحيز، وعلى إعتبار ان المسافة الزمنية الطويلة على صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان والتي قاربت القرن لن يعد ممكنا السماح بكل يقع، فكفى انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان بعالم اليوم.