نورالدين بازين
تواجه جماعة واحة سيدي إبراهيم واقعاً مريراً؛ فقد تحوّلت هذه المنطقة التي كانت رمزاً للطبيعة الخلابة وأشجار النخيل إلى ميدان لاستثمارات عقارية، يقودها ما أصبح يعرف بـ”تجار العقار”. بعد استحواذهم على أراضٍ واسعة بجماعات تسلطانت، حيث تم تشييد مشاريع عقارية ضخمة بهدف تجاري بحت، امتدت أيادي هذه المافيا الآن نحو واحة سيدي إبراهيم، لتستمر في تحويل مساحات خضراء كانت تشكل جزءاً من هوية المنطقة إلى مبانٍ إسمنتية تُسابق الزمن في الارتفاع .
بداية التحوّل من النخيل إلى الإسمنت
واحة سيدي إبراهيم كانت منذ زمن بعيد محطّ أنظار الزوار والسكان بفضل طابعها البيئي المتميز الذي ينعكس في وفرة أشجار النخيل وجمال مساحاتها الخضراء. لكن، مع ازدياد ضغط المافيات العقارية، بدأت هذه الصورة تتلاشى تدريجياً. ويشير متابعون محليون إلى أن عمليات الاستحواذ على الأراضي تتم بطرق ملتوية وبمساعدة بعض الأيادي التي تسهّل لهذه الشبكات العقارية إتمام مشاريعها، بعيداً عن رقابة الجهات المعنية، مما يطرح تساؤلات حول دور السلطات المحلية في مراقبة هذه العمليات.
تسهيل عمليات استحواذ الأراضي
يقول شهود عيان من سكان المنطقة إن هناك من ييسر لهؤلاء تجار العقار سبل الوصول إلى الأراضي التي تُعتبر شريان الحياة البيئية للمنطقة. ويتم ذلك في ظل تراجع دور السلطة في فرض احترام القانون الذي يضمن الحفاظ على الطبيعة، مما يشجّع هذه الجهات على تكثيف أنشطتها. ويتساءل الكثيرون عن الصفقات التي يتم التفاوض عليها خلف الكواليس وعن الجهات التي تستفيد من هذا التوسع العشوائي للبناء الإسمنتي على حساب الواحات.
انعكاسات الإسمنت على الحياة الاجتماعية والبيئية
إن الآثار السلبية لهذه العمليات لا تتوقف عند تحويل المساحات الخضراء إلى أبنية، بل تمتد إلى تهديد التنوع البيئي وتغيير طابع المنطقة بالكامل. فقد أصبح منظر النخيل المتناثر مهدداً بزحف أبنية عشوائية تشوّه الهوية المحلية. فضلاً عن التأثيرات السلبية على مستوى العيش في المنطقة، إذ باتت الحياة اليومية للسكان المحليين أكثر صعوبة، في ظل غياب التخطيط الحضري المدروس الذي يراعي توازن البيئة واحتياجات السكان.
المطالبة بالتدخل الفوري للجهات المسؤولة
في مواجهة هذا الوضع، يطالب نشطاء بيئيون وسكان محليون بتدخل فوري من السلطات المختصة لوقف زحف “مافيا العقار” على واحة سيدي إبراهيم. ويؤكدون على ضرورة سنّ قوانين صارمة لحماية المناطق الخضراء، وتحميل المسؤولية للمتورطين في تسهيل هذه العمليات. كما يقترح بعض المختصين تفعيل الرقابة الدائمة على المشاريع العقارية في المنطقة وفرض غرامات على الجهات التي تخالف المعايير البيئية.
إن واحة سيدي إبراهيم تقف اليوم على مفترق طرق بين الحفاظ على هويتها الطبيعية وإرثها البيئي، وبين انزلاقها نحو مستقبل مملوء بأبنية إسمنتية تهدد وجودها كواحة نخيل. فما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، قد نشهد نهايةً لهذا الإرث الذي كان يمثل جزءاً من موروثنا البيئي والثقافي، ليبقى لنا “واحة إسمنتية” تروي قصة تسلط عقاري على حساب الجمال الطبيعي للمنطقة.
يتبع..