بقلم: نورالدين بازين
تتجه الأوضاع في مدينة العيون نحو تصعيد خطير في العلاقة بين عائلتي ميارة وولد الرشيد، بعدما شهدت الساحة السياسية إزاحة النعم ميارة من رئاسة مجلس المستشارين لصالح محمد ولد الرشيد. هذه الخطوة لم تُعتبر مجرد تغيير سياسي بل كانت بمثابة طعنة في الظهر لعائلة ميارة من طرف أبناء العمومة، مما عمّق الجروح القديمة وأعاد إلى السطح تنافساً تقليدياً بين العائلتين ذاتي النفوذ في الصحراء المغربية.
جذور الصراع: ما وراء الإزاحة
لطالما شكلت العلاقات العائلية والتحالفات القبلية عنصراً مهماً في تحديد المسار السياسي بالصحراء. وعائلتا ميارة وولد الرشيد تعدان من أبرز الأسر ذات التأثير في المنطقة. كانت رئاسة النعم ميارة لمجلس المستشارين تمثل رمزاً لقوة عائلته في الأوساط السياسية المغربية، مما جعل قرار إزاحته وتعيين نجل ولد الرشيد بديلاً عنه ليس مجرد تغيير إداري بل انقلاباً في موازين النفوذ داخل القبائل الصحراوية المغربية.
هذا القرار عكس تحولاً في استراتيجية السلطة المركزية، التي ربما تسعى لتحقيق توازنات جديدة في الصحراء المغربية. فالرهان على عائلة ولد الرشيد في هذا الظرف يمكن تفسيره على أنه محاولة لضبط التوترات القبلية وتوجيهها لصالح استقرار المنطقة. لكن بالمقابل، جاء القرار ليثير مشاعر الاستياء ويؤجج الخلاف بين العائلتين، خاصة أن لعائلة ميارة تاريخاً طويلاً في العمل السياسي وتعتبر الإزاحة بمثابة انتقاص من مكانتها.
تبعات على الساحة الانتخابية المقبلة
المشهد الراهن ينذر بتحولات قد تنعكس بشكل كبير على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث من المتوقع أن تشهد الانتخابات منافسة شرسة بين العائلتين اللتين تسعيان لتعزيز نفوذهما وسط القاعدة الشعبية. هذه التغيرات قد تدفع عائلة ميارة إلى تعزيز تحالفاتها مع جهات أخرى، وعلى رأسها عائلة الدخيل المتجدرة داخل دواليب السلطة، التي تُعرف بعلاقاتها المتوترة مع عائلة ولد الرشيد.
التحالف المحتمل بين آهل ميارة وآهل الدخيل يحمل في طياته إمكانية قلب الطاولة على الرشيد، خاصة إذا نجح في استقطاب دعمٍ إضافي من الفصائل غير الراضية عن النفوذ الحالي لعائلة ولد الرشيد. كما أن تصاعد التوترات قد يفتح المجال أمام فاعلين سياسيين آخرين للدخول على الخط، مما يزيد من تعقيد المعادلة السياسية في المنطقة.
تأثيرات أوسع: السياسة المركزية والعلاقات القبلية
إنّ الصراع بين عائلتي ميارة وولد الرشيد لا يقتصر على مدينة العيون أو الانتخابات المحلية المقبلة؛ بل له أبعاد تتعلق بعلاقة السلطة المركزية مع القبائل في الصحراء المغربية. فالتحكم في النفوذ السياسي للأسر ذات السلطة التقليدية هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تأمين ولاءات سياسية قادرة على تحقيق الاستقرار في منطقة تعد محورية في السياسات المغربية الداخلية والدولية.
على هذا النحو، يمكن تفسير خطوة إزاحة ميارة على أنها مؤشر على إعادة توزيع السلطة بين العائلات، وربما رسالة مفادها أن التحالفات القديمة لم تعد كافية لضمان السيطرة. إذا لم يتم احتواء الأزمة بشكل فاعل، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف التحالفات التقليدية وإعادة صياغة خريطة الولاءات القبلية والسياسية في الجنوب المغربي.
تحديات المرحلة المقبلة
التحولات الجارية تضع النخبة السياسية في العيون أمام تحديات جدية؛ فمن جهة، يجب الحفاظ على التماسك الاجتماعي والحد من تصاعد التوترات العائلية، ومن جهة أخرى، تتطلب المرحلة إعادة ترتيب التحالفات لضمان مكانة سياسية قوية. يتطلب ذلك إدراكاً عميقاً لتعقيدات العلاقات القبلية ودورها في الساحة السياسية المغربية، فضلاً عن انتهاج مقاربات مرنة تضمن موازنة المصالح بين مختلف الفاعلين المحليين.
إلى أين يتجه الصراع؟
الصراع بين عائلتي ميارة وولد الرشيد يتجاوز كونه نزاعاً على منصب سياسي، ليصبح رمزية لتغييرات أعمق في بنية السلطة بالأقاليم الصحراوية المغربية. مع اقتراب موعد الانتخابات، يتوقع أن تتصاعد وتيرة المنافسة، وقد تنشأ تحالفات غير متوقعة تسهم في تغيير قواعد اللعبة. في هذا السياق، ستكون السلطة المركزية مدعوة إلى لعب دور الوسيط الحريص على تحقيق التوازن، تفادياً لانزلاق المنطقة نحو صراعات قد تُضعف مكاسبها السياسية والأمنية.
تظل الأسئلة الكبرى مطروحة: هل يمكن أن تساهم التطورات الأخيرة في تقوية نفوذ جهة على حساب الأخرى؟ أم ستستطيع العائلات المتناحرة تجاوز خلافاتها من أجل مصلحة عامة تضمن الاستقرار في الصحراء المغربية؟