نورالدين بازين
في تسلطانت، حيث تتحول الحكايات الشعبية إلى واقع أغرب من الخيال، عاش الأرنب الديوتي بانتظار دائم للأرنبة التي تجلبها له “سلوقيته” وابنتها، حتى بات يوصف بـ”الأرنب المُترَف” الذي يكتفي بالجلوس تحت شجرة الزيتون، يغني العيوط لعطاويته، بينما النساء يجتهدن في اقتناص الأرانب.
لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، إذ لم تطل فرحة الأرنب، فقد ضجت الدواوير بخبر “طرد الديوتي” شر طردة بعدما انكشف أمره وسقط القناع عن وجهه البريء. فالأرنب لم يكن يكتفي بالأرانب، بل كان يجرب حظه في “الاتجار بالبشر”، حتى أخته لم تسلم من تجارته، حيث حولها إلى “بضاعة قابلة للمساومة”، وكأنها إحدى الأرنبات في قفصه.
وما زاد الطين بلة، أنه بعد فشل “المهمة الأرنبية”، أصبح لزامًا عليه أن يتبع “الغنيمة” التي قُسمت مؤخرًا بحصة بلغت 6 ملايين سنتيم، وفق شهادة الشياع التي لم تترك بابًا إلا وطرقت. لقد تحول “الأرنب الديوتي” إلى سمسار و بركاكٍ، يعرض خدماته للمارة، مستعدًا لبيع ما تبقى من أخباره، على أمل أن يجني ما يسد رمق غروره.
في عالم السلوقي التسلطاني، حيث يُفترض أن يتصف الذكاء والحيلة بالصيد، كان “سلوقي تسلطانت” استثناءً بامتياز، فقد جمع من البلادة نصيبًا لا ينازعه فيه أحد. كان يجري في الاتجاه المعاكس حتى لو كانت الأرنبة أمامه مباشرة، وكأن عينيه تريان العشب كصخرة، والحفرة كطريق سالك. لم يكن يدرك أن الأرانب تُصاد بالمهارة، وليس بالانتظار تحت ظل شجرة لعلّ أحدًا يجلبها له جاهزة. بلغ من غبائه حدًّا جعله يثق بأقصر الطرق للخروج من الفضيحة هو الهروب، ليختبئ في دواوير تسلطانت وكأنه ينطوي على ذكاء خفي سيجنبه مصيره، غير مدرك أن حماقته قد سبقته إلى كل زقاق.
يبدو أن تسلطانت لن تنسى بسهولة قصة الأرنب وسلوقيته، ولا “نصاب الدواوير” الذي صار مثل الغريب الذي يُكشف أمره، فيختفي حينًا ويظهر آخر. فالفضيحة التي تتسع كالنار في الهشيم، لا تستثني أحدًا.
لم يكن “سلوقي تسلطانت” مجرد بليد في صيد الأرانب، بل امتد غباؤه إلى عجزه عن قراءة ما بين السطور، وكأنه أحمق “بوراقو” وُضع في موقع لا يُجيده، واعتمد عليه الأخرون ظنًا منهم أنه يمتلك القدرة على تدبير الأمور. كلما طُلب منه فهم إشارات بسيطة أو تلميحات تدل على خطرٍ قادم أو فرصة سانحة، تجده يحدق ببلادة، وكأن الكلمات أمامه طلاسم تُقرأ بالمقلوب. كان يعتمد على غيره لشرح المعاني، فيتحول من صياد إلى طريدة سهلة لكل من أراد أن يضلله، تاركًا وراءه من وثقوا به يعضون أصابع الندم على وضعهم الثقة في أحمقٍ اعتقدوا أنه يستطيع قيادة القافلة.
يتبع…