صباح الخير. عرقلة الاستثمار وتفريغ روح الوطنية: مسؤولون يضعون مصالحهم الشخصية فوق مصلحة الوطن

صباح الخير. عرقلة الاستثمار وتفريغ روح الوطنية: مسؤولون يضعون مصالحهم الشخصية فوق مصلحة الوطن

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
251
6

نورالدين بازين

في الوقت الذي يُعتبر فيه تشجيع الاستثمار أحد العوامل الرئيسية لتحقيق التنمية الاقتصادية، تعاني بعض الدول من عقبات متعلقة بالفساد الإداري والممارسات غير القانونية، والتي تعرقل جهود المستثمرين وتُثنيهم عن المساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني. في المغرب، تبرز هذه الظاهرة في سلوكيات بعض المسؤولين الذين يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة، مما يثير تساؤلات حول الالتزام الفعلي بمبادئ الوطنية.

الإشكالية: مسؤولون يعرقلون الاستثمار لتحقيق مكاسب شخصية

من بين أكبر التحديات التي تواجه الاستثمار في المغرب اليوم، يتمثل في وجود بعض المسؤولين الذين لا يترددون في استغلال مواقعهم لتحقيق مصالح ضيقة، متجاهلين بشكل واضح الأهداف الوطنية الكبرى. يتجلى هذا السلوك من خلال ممارسات عدة، من بينها إنشاء شركات بأسماء أقاربهم أو شركاء مقربين، ليصبح التعامل مع هذه الشركات شرطًا ضمنيًا للمستثمرين الراغبين في تنفيذ مشاريعهم.

بذلك، يجد المستثمر نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالتعامل مع شركات المسؤولين، بما يتضمنه ذلك من تكاليف إضافية وتعقيدات إدارية، أو مواجهة عراقيل لا تنتهي. هذه الأساليب تنم عن جهل تام بمعنى الوطنية الحقيقية، وتساهم بشكل مباشر في تثبيط المستثمرين وإجهاض فرص التنمية.

أمثلة افتراضية..

 

 

انعكاسات هذه السلوكيات على مناخ الاستثمار

إن الممارسات المذكورة لا تقتصر آثارها السلبية على المستثمرين فحسب، بل تطال الاقتصاد الوطني ككل. ومن أبرز الانعكاسات السلبية:

  1. تثبيط المستثمرين الجادين: عندما يجد المستثمر نفسه مجبرًا على التعامل مع شركات معينة كشرط ضمني، يُصبح الخيار الأنسب له هو البحث عن بيئات استثمارية أخرى أكثر شفافية وأقل تعقيدًا. يؤدي هذا إلى فقدان فرص استثمارية كبيرة كان من الممكن أن تساهم في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد.
  2. إضعاف الثقة في النظام الإداري: يؤدي انتشار الفساد والمحسوبية إلى فقدان الثقة في المؤسسات الحكومية والإجراءات الإدارية، مما يجعل مناخ الاستثمار غير جاذب للمستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء. إذ يصبح من الصعب توقع نتائج إيجابية في ظل وجود عراقيل إدارية وضغوط لتحقيق مكاسب شخصية للمسؤولين.
  3. تقويض مبادرات الشباب ورواد الأعمال: تخلق هذه السلوكيات حاجزًا أمام الكفاءات الوطنية التي تسعى لإطلاق مشاريع جديدة. بدلاً من الحصول على الدعم والتوجيه، يواجه رواد الأعمال صعوبات إضافية تتعلق بالتعامل مع المتنفذين والمسؤولين الفاسدين، مما يؤدي إلى إحباطهم وتثبيطهم عن الابتكار والمساهمة في الاقتصاد.
  4. تشويه سمعة المغرب كمركز استثماري: تتطلب المنافسة العالمية في جذب الاستثمارات وجود بيئة تتمتع بالشفافية وحسن الإدارة. وعندما تنتشر أخبار الممارسات غير القانونية والمحسوبية في المغرب، فإنها تؤدي إلى تآكل سمعة البلاد على الصعيد الدولي وتحد من قدرتها على جذب رؤوس الأموال الأجنبية.

مسؤولون يتسترون وراء أسماء الشركات العائلية

من أبرز الحيل التي يلجأ إليها هؤلاء المسؤولون هي تأسيس شركات بأسماء أقاربهم، بحيث تصبح هذه الشركات واجهة لأنشطتهم غير المشروعة. يُشترط على المستثمرين أن يتعاملوا مع هذه الشركات للحصول على خدمات أو مواد معينة، ما يمثل نوعًا من الاحتكار المقنع الذي يتنافى مع مبادئ المنافسة الحرة.

هذا الوضع يؤدي إلى رفع التكاليف على المستثمرين، ويؤثر سلباً على جودة المشاريع التي يتم تنفيذها، حيث أن الهدف الأساسي يصبح تحقيق أكبر قدر من الأرباح للمسؤول وشركائه، دون الاهتمام بمصلحة المشروع أو جودة الخدمات المقدمة.

تداعيات الفساد على الاقتصاد الوطني

الفساد الإداري والمحسوبية ليسا مجرد مشاكل إدارية؛ بل إنهما يُعتبران عائقين حقيقيين أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فعندما يتوقف النمو بسبب تلك السلوكيات، تنعكس التداعيات على مختلف جوانب الحياة، من زيادة في معدلات البطالة والفقر، إلى تراجع جودة الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة. كما يتسبب الفساد في تآكل الإيرادات الحكومية التي يمكن استخدامها لتنفيذ مشاريع تنموية كبرى، مثل البنية التحتية والنقل.

أهمية تدخل الجهات الرقابية وتطبيق القانون

في ضوء هذه الممارسات، يصبح تدخل الجهات الرقابية أمرًا ضروريًا لكبح جماح المسؤولين الفاسدين الذين يسيئون استخدام مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية. يجب تعزيز الرقابة على الأنشطة الاستثمارية وتفعيل القوانين المرتبطة بمكافحة الفساد، مع تطبيق العقوبات الرادعة على كل من يثبت تورطه في مثل هذه الأنشطة.

كما يجب على الحكومة توفير وسائل لحماية المستثمرين وتشجيعهم على الإبلاغ عن أي ضغوط أو ممارسات غير قانونية يتعرضون لها، مع ضمان سرية المعلومات وحمايتهم من الانتقام. تعزيز الشفافية من خلال تطبيق معايير صارمة في التعاقدات وإجراءات الترخيص يمكن أن يساعد في تقليل هذه الظاهرة وإعادة بناء الثقة في المناخ الاستثماري.

للتصدي لهذه المشكلة، يمكن تقديم بعض الحلول والتوصيات الفعّالة:

  1. تشديد الرقابة المالية والإدارية على المسؤولين والتأكد من عدم وجود تضارب في المصالح.
  2. إنشاء آلية مستقلة تتيح للمستثمرين تقديم شكاوى حول العراقيل التي يتعرضون لها، مع ضمان التعامل الجدي مع هذه الشكاوى.
  3. تشجيع الشفافية في الصفقات الحكومية وتطبيق معايير دقيقة لاختيار المتعاقدين.
  4. إطلاق حملات توعوية تحث على أهمية الاستثمار ودور الحكومة في تسهيل الإجراءات وجذب رؤوس الأموال.
  5. تعديل القوانين المتعلقة بالفساد لجعلها أكثر صرامة، مع التركيز على تعزيز حماية المبلغين والشهود.

لا يمكن أن يتحقق أي تقدم اقتصادي حقيقي في ظل وجود مسؤولين لا يضعون مصلحة الوطن في صدارة أولوياتهم. إن استمرار الفساد الإداري والممارسات غير النزيهة من شأنه أن يعوق جهود التنمية، مما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذه التحديات، وتفعيل القوانين ضد كل من يثبت تورطه في عرقلة الاستثمار.

يلزم استعادة روح الوطنية لدى المسؤولين وتذكيرهم بأن مناصبهم ليست وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية، بل أمانة تستوجب خدمة البلاد وتعزيز تنميتها.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

حصري. غياب عامل إقليم الرحامنة عن اليوم الوطني للصناعة بسبب عملية جراحية

نورالدين بازين خضع عامل إقليم الرحامنة، عزيز بوينيان،