بقلم: نورالدين بازين
في عالم السياسة الحديثة، لم تعد الأيديولوجيات الصارمة أو الانتماءات الحزبية هي الأساس الذي يبنى عليه اتخاذ القرارات الكبرى، بل باتت النتائج العملية هي التي تقود الساحة السياسية. “لا يهمني لون القط، كان أصفراً أو أحمراً، المهم لدي هو أن يقبض على الفأر”، هذه العبارة الشهيرة للزعيم الصيني دنغ شياو بينغ، تلخص بوضوح النهج البراغماتي الذي أصبح متزايداً في السياسة المعاصرة، سواء على مستوى العالم أو في المغرب.
شهد المغرب، على غرار العديد من الدول، تحولات سياسية عميقة خلال العقود الأخيرة. فلم يعد الاهتمام بالمبادئ الأيديولوجية الصارمة أو الولاءات السياسية هو العامل الرئيسي في توجيه القرارات الكبرى. عوضاً عن ذلك، نجد أن البراغماتية – بمعناها العملي – تسيطر على القرارات الاستراتيجية. السياسيون اليوم يسعون لتحقيق نتائج ملموسة في مجالات مثل الاقتصاد، التعليم، والرعاية الصحية، بغض النظر عن الخلفيات الحزبية أو الانتماءات الفكرية.
تحالفات غير تقليدية
أحد أبرز مظاهر البراغماتية في السياسة المغربية هو التحالفات غير المتوقعة التي تجمع بين أحزاب تحمل أفكاراً متباينة. على سبيل المثال، شهدت السنوات الأخيرة تشكيل حكومات تضم أحزاباً يسارية وأخرى ليبرالية أو حتى محافظة، وهو أمر لم يكن متوقعاً قبل عقود. هذه التحالفات تعكس عدم الاهتمام بالتوافق الأيديولوجي الكامل، بل التركيز على تحقيق أهداف محددة ومشتركة تصب في مصلحة المواطن.
وإذا نظرنا إلى واقع السياسة المغربية، نجد أن بعض القرارات التي أثارت جدلاً واسعاً قد تم اتخاذها بعيداً عن الانتماءات الحزبية التقليدية. فالأحزاب التي كانت تُعرف بمواقفها الصارمة تجاه قضايا معينة، أصبحت أكثر مرونة في سبيل تحقيق مكاسب على أرض الواقع. في هذا السياق، يمكن أن نشير إلى بعض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تم تنفيذها برغم المعارضة الأيديولوجية داخل الحكومة أو المجتمع. الهدف الرئيسي كان وما زال تحقيق نتائج على المدى الطويل، سواء عبر تحسين البنية التحتية، تقليص البطالة، أو تحسين مستوى الخدمات الصحية.
على المستوى الدولي، يظهر النهج البراغماتي بشكل جلي في السياسة الخارجية المغربية. فقد تبنت المملكة سياسات تقوم على المصالح المشتركة والبراغماتية أكثر من الأيديولوجيا. المغرب، الذي لطالما اعتُبر حليفاً تقليدياً لبعض القوى الغربية، لا يتردد الآن في إقامة علاقات مع دول ذات توجهات مغايرة، بشرط أن تساهم تلك العلاقات في تحقيق مصالحه الاستراتيجية. هذا التحرك يعكس إيماناً بأن الألوان السياسية ليست بأهمية النتائج المحققة على الأرض.
المواطن.. الحكم النهائي
في النهاية، يبقى المواطن هو الحكم النهائي على نجاح أي سياسة أو تحالف سياسي. رغم الانتقادات التي قد تُوجه للأحزاب أو الحكومات بسبب تخلّيها عن بعض المبادئ الأيديولوجية، إلا أن الأهم بالنسبة للمواطن العادي هو تحقيق تقدم ملموس في حياته اليومية. تحسين مستوى المعيشة، خلق فرص العمل، وتوفير الخدمات العامة بكفاءة، كلها نتائج تجعل من النهج البراغماتي الخيار الأفضل في عيون الكثيرين.
تظل الأيديولوجيا جزءاً من نسيج السياسة، لكن في نهاية المطاف، الهدف الحقيقي لأي حكومة أو حزب سياسي هو تحقيق النتائج التي تفيد المجتمع. وكما قال دنغ شياو بينغ، “لا يهمني لون القط.. المهم هو أن يقبض على الفأر”. هذه العبارة قد تكون شعار السياسة المعاصرة، ليس فقط في المغرب بل في العالم بأسره، حيث يصبح التركيز على النتائج الفعالة بديلاً عن الجدال الأيديولوجي الذي لا طائل منه.