حكيم شيبوب
في خطوة غير محسوبة العواقب، أقدمت الحكومة المغربية على صياغة مشروع القانون 23-54، الذي يهدف إلى تغيير وتتميم القانون 00-65 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وإحالته على الأمانة العامة للحكومة دون أدنى تشاور مع النقابات المهنية. هذا القرار الأحادي الذي اتخذته كل من وزارة المالية ووزارة الصحة أثار استياءً واسعًا، خصوصًا داخل أوساط الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، الذي أصدر بلاغًا ناريًا يدين فيه بشدة هذا التصرف الحكومي.
مشروع القانون 23-54: إنهاء مهام CNOPS بعد أكثر من 70 عامًا
ينص مشروع القانون على إنهاء مهام الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS)، الذي يدبر التغطية الصحية لأكثر من 3.1 ملايين مستفيد، من بينهم 1.4 مليون مؤمّن و1.7 مليون من ذوي الحقوق. يعتبر الصندوق، الذي تأسس منذ أكثر من 70 عامًا، مؤسسة راسخة في النظام الصحي للقطاع العام المغربي. إلا أن مشروع القانون الجديد يسعى إلى إلغائه دون تقديم بدائل واضحة أو ضمانات تحافظ على حقوق المؤمنين والمستفيدين من هذا النظام.
في هذا السياق، أعرب الاتحاد المغربي للشغل عن استيائه العميق من النهج الذي اعتمدته الحكومة، معتبرًا أن هذا القرار يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تفرض المقاربة التشاركية في صياغة السياسات العمومية. في حين أن النقابات كانت تنتظر من الحكومة تعزيز الحوار الاجتماعي في ملف حيوي كالتغطية الصحية، جاء القرار الحكومي بطريقة أحادية، مما أثار تساؤلات حول جدية الحكومة في التعامل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمس شريحة كبيرة من المواطنين.
البلاغ الصادر عن UMT وصف المشروع بأنه تم “طبخه في جنح الظلام”، حيث تم تهميش الحركة النقابية التي لعبت دورًا كبيرًا في مراحل سابقة في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية. وأكد الاتحاد أن هذا المشروع يمثل تهديدًا لمصالح ومكتسبات مئات الآلاف من المؤمنين، إضافة إلى المستخدمين والأطر العاملين في CNOPS.
مخاوف بشأن مصير التغطية الصحية والموظفين
يشمل المشروع الحكومي تأثيرات سلبية مباشرة على أكثر من 1.4 مليون مؤمّن ومنخرط بالصندوق، بالإضافة إلى 1.7 مليون من ذوي الحقوق الذين يعتمدون على خدمات التغطية الصحية. المخاوف لا تقتصر على فقدان التغطية الصحية فحسب، بل تمتد إلى مستقبل مئات الموظفين الذين يعملون في الصندوق، حيث لا يقدم المشروع أي ضمانات حول مصيرهم المهني – يقول بلاغ النقابة-.
ويبدو أن المشروع الحكومي يهدف إلى تسريع تغييرات جذرية في النظام الصحي دون أن يتم التوصل إلى توافق أو تقديم بدائل كافية لضمان حقوق المنخرطين والمستفيدين. هذا الوضع يثير الشكوك حول نوايا الحكومة في المضي قدمًا بمشاريع من هذا النوع دون مراعاة توازنات اجتماعية حساسة.
لم يقف الاتحاد المغربي للشغل مكتوف الأيدي أمام هذا المشروع الذي يراه بمثابة تهديد لمصالح الطبقة العاملة. البلاغ الصادر عن الاتحاد دعا جميع المنخرطين في CNOPS إلى التعبئة والاستعداد لخوض جميع الأشكال النضالية الضرورية للدفاع عن حقوقهم. كما طالب الحكومة بسحب المشروع بشكل فوري وفتح حوار عاجل داخل مؤسسة الحوار الاجتماعي، لإيجاد حلول توافقية تضمن الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية التي حققتها النقابات على مدى عقود.
نحو مستقبل مجهول للتغطية الصحية
يظل مشروع القانون 23-54 واحدًا من أكثر الملفات إثارة للجدل في الوقت الحالي، حيث يهدد نظامًا صحيًا يعتمد عليه ملايين المواطنين، بالإضافة إلى تجاهله لمبادئ الشراكة والتشاور. هذه الخطوة التي قامت بها الحكومة دون إشراك النقابات في النقاش تطرح تساؤلات جدية حول مستقبل التغطية الصحية في المغرب، ومدى التزام الحكومة بمبادئ الحوار الاجتماعي التي تعتبر أساسية في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وضمان حقوق العاملين والمواطنين على حد سواء.
إن تداعيات مشروع القانون 23-54 لن تتوقف عند النقاشات السياسية، بل ستنعكس على حياة ملايين المواطنين الذين يعتمدون على CNOPS في تأمين خدماتهم الصحية. إن تجاهل الحكومة للحوار الاجتماعي وقراراتها الأحادية تُنذر بصراع جديد بين النقابات والحكومة، قد يؤدي إلى حراك اجتماعي في قادم الأيام. لذا، فإن الحل الأمثل هو فتح باب الحوار وتقديم ضمانات كافية تحمي حقوق جميع الأطراف المعنية.