استقالة مقاولات البناء والعقار في جهة مراكش آسفي: غياب الوطنية أم جشع يهدد المصالح العامة؟”

استقالة مقاولات البناء والعقار في جهة مراكش آسفي: غياب الوطنية أم جشع يهدد المصالح العامة؟”

- ‎فيإقتصاد, في الواجهة
2365
6

نورالدين بازين

في وقت يواجه فيه إقليم الحوز تحديات كبيرة تتطلب تدخل جميع القوى الاقتصادية والبشرية، تشهد جهة مراكش آسفي استقالة ملحوظة من جانب المقاولات الكبرى في قطاع البناء والعقار، رغم أن العديد منها استفاد من صفقات عمومية كبرى على مر السنوات. هذا التراجع الواضح في تقديم الدعم والبناء يعكس غياب الوطنية لدى هذه الشركات وجشعها المستمر في استغلال الأموال العامة دون المساهمة الفعالة في وقت الأزمات.

الخلفية الاقتصادية لهذه المقاولات

شهدت جهة مراكش آسفي تطورًا ملحوظًا في مجال العقار والبنية التحتية خلال السنوات الأخيرة، بفضل العديد من المشاريع الضخمة التي حصلت عليها مجموعة من المقاولات الكبرى. هذه الشركات استفادت بشكل كبير من الصفقات العمومية، ما مكنها من تحقيق أرباح هائلة على مدار السنين. لم تقتصر مساهمتها على تنمية القطاع العقاري في الجهة فقط، بل امتدت إلى مختلف أنحاء المغرب، وحتى إلى الساحة الإفريقية، خاصة في دول مثل السنغال، حيث لعبت دورًا محوريًا في تطوير البنية التحتية وتعزيز التعاون بين المغرب والدول الإفريقية.

تلك المقاولات، التي أصبحت أسماء معروفة في عالم المقاولات والعقار، استطاعت استغلال الفرص الاستثمارية التي توفرها الحكومة المغربية ضمن برامج التنمية المستدامة، وبنت لنفسها سمعة دولية. في السنغال، مثلاً، قامت هذه الشركات بتطوير مشاريع إسكانية وتجارية كبيرة، مما ساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، كما رسخت وجودها في سوق البناء والعقار الإفريقي.

لكن على الرغم من هذا النجاح الكبير، فإن هذه المقاولات تواجه الآن انتقادات واسعة بسبب تراجعها عن أداء دورها الوطني في دعم المناطق المتضررة مثل إقليم الحوز.

الاستقالة في وقت الحاجة

رغم المكاسب الكبيرة التي حققتها هذه الشركات عبر السنوات، فإن غيابها عن الساحة في وقت الحاجة الملحّة، وخاصة في تقديم الدعم لإقليم الحوز بعد الأزمات الأخيرة، يكشف بوضوح عن نقص في المسؤولية الوطنية. هذه الشركات التي استفادت من أموال الصفقات العمومية وقامت ببناء مشاريع ضخمة، كانت مطالبة بالمساهمة الفعالة في إعادة إعمار المناطق المتضررة.

إقليم الحوز، الذي يعاني من أضرار جسيمة جراء الكوارث الطبيعية، كان بحاجة ماسة إلى دعم مباشر وسريع من قطاع البناء والعقار. إلا أن هذه المقاولات، التي لديها الإمكانيات والخبرات اللازمة، فضلت الابتعاد عن تقديم المساعدة. هذا السلوك يبرز أن الدافع الرئيسي لهذه الشركات هو تحقيق الأرباح على حساب القيم الوطنية، متجاهلة واجبها الاجتماعي ودورها في دعم الوطن خلال الأزمات.

وكان من المتوقع أن تكون هذه الشركات في طليعة المتدخلين لتقديم يد العون، سواء من خلال الموارد المادية أو الخبرات اللوجستية التي تمتلكها، لكن استقالتها من أداء هذا الدور يثير تساؤلات حول مدى التزامها تجاه الوطن والشعب.

جشع المقاولات وامتصاص الأموال العمومية

هذه المقاولات التي لم تتردد يومًا في الاستفادة من الصفقات العمومية المخصصة للبناء والعقار، وجنت أرباحًا طائلة من مشاريع تنموية كبرى، تراجعت بشكل لافت عن تقديم خدماتها عندما احتاج الوطن إليها في أوقات الأزمة. ورغم أنها اكتسبت ثروات طائلة بفضل الأموال العامة الموجهة لتطوير البنية التحتية والقطاع العقاري، إلا أن غيابها عن دعم المناطق المتضررة، مثل إقليم الحوز، يعكس موقفًا متناقضًا بين مصالحها الاقتصادية والتزاماتها الوطنية.

هذا السلوك يثير تساؤلات جدية حول مدى التزام هذه المقاولات بقيم المواطنة الحقيقية والمسؤولية الاجتماعية. ففي وقت كانت البلاد تتطلب تعاونًا جماعيًا واستجابة فورية، أظهرت هذه الشركات تفضيلها الواضح لتحقيق أرباح مادية على حساب تلبية الاحتياجات العاجلة للمجتمع.

إن عدم المشاركة في الجهود الوطنية لإعادة البناء بعد الكوارث يبرز جشع هذه الشركات واستغلالها للموارد العامة دون تقديم أي مساهمة فعلية عند الأزمات. إنه مشهد يعكس غياب الحس الوطني والرغبة في المساهمة الحقيقية في بناء الوطن، لتبقى هذه المقاولات منشغلة بمصالحها الذاتية على حساب المصلحة العامة.

 تداعيات غياب المقاولات على المناطق المتضررة

تسبب غياب المقاولات الكبرى في زيادة العبء على السلطات المحلية والمجتمع المدني، حيث وجدوا أنفسهم في مواجهة أزمات البنية التحتية بمفردهم. في ظل غياب الدعم الضروري من هذه الشركات، اضطرت الجهات المحلية والمنظمات المجتمعية إلى التصدي لتحديات إعادة الإعمار وسط محدودية الموارد والإمكانيات. المناطق المتضررة في إقليم الحوز كانت بحاجة ماسة إلى خبرات وتقنيات تلك المقاولات التي لديها المعدات والقدرات اللازمة للتدخل الفوري وإعادة البناء بسرعة، إلا أن غيابها أدى إلى تأخير كبير في عمليات إعادة الإعمار.

هذا التأخير لم يسهم فقط في تعطيل الحياة اليومية لسكان المناطق المتضررة، بل أدى أيضًا إلى تفاقم الوضع بشكل عام، حيث تضررت العديد من البنية التحتية الأساسية، مثل الطرق والمرافق العامة، التي كان من الضروري إصلاحها بسرعة لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها. إن هذا الغياب يعكس نقصًا في الالتزام الوطني والمسؤولية الاجتماعية لتلك المقاولات، التي فضلت التراجع عن دورها الحاسم في هذه الأزمة، مما أدى إلى ترك المجتمع المحلي يتحمل أعباءً أكبر ويعاني من عواقب طويلة الأمد.

الدعوات لإعادة النظر في منح الصفقات العمومية

في ظل هذا الوضع، يتصاعد النقاش بشكل متزايد حول ضرورة مراجعة شروط منح الصفقات العمومية لهذه المقاولات الكبرى، والتي أصبحت تستفيد من أموال الدولة دون تقديم التزامات ملموسة تجاه المجتمع في أوقات الأزمات. يشير العديد من المحللين والمراقبين إلى أن العقود العمومية يجب أن تتضمن بنودًا أكثر وضوحًا تربط بين المكاسب الاقتصادية التي تحققها هذه الشركات ومسؤولياتها الاجتماعية والوطنية.

ومن الضروري أن تشمل شروط الصفقات العمومية التزامات تلزم المقاولات الكبرى بالتدخل الفوري والمباشر في أوقات الأزمات الوطنية، سواء عبر تقديم دعم لوجستي أو تقني أو مادي. هذا التدخل يجب أن يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من المسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات تجاه المجتمع الذي تستفيد منه. وبدون هذه الالتزامات، سيستمر استغلال هذه المقاولات للأموال العامة دون أن تقدم مقابلًا حقيقيًا أو دورًا فعّالًا في دعم البلاد خلال الأوقات الحرجة.

فتطبيق هذه الشروط سيساهم في تحقيق توازن بين الفوائد الاقتصادية التي تحققها الشركات والدور الاجتماعي الذي يجب أن تلعبه في أوقات الأزمات. كما سيعزز من روح المواطنة والمسؤولية لدى هذه المقاولات، وسيضمن أن تبقى المصالح العامة والوطنية في صلب اهتماماتها وليس فقط المكاسب المادية.

إن غياب المقاولات الكبرى في جهة مراكش آسفي عن دعم الحوز في وقت الحاجة يعكس تحديات كبيرة في مفهوم المسؤولية الوطنية. هذه الاستقالة تسلط الضوء على ضرورة إعادة النظر في علاقة الدولة مع هذه الشركات، وضمان أن تكون الوطنية والالتزام بخدمة المجتمع جزءًا لا يتجزأ من أي صفقة عمومية يتم إبرامها مستقبلاً.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. طريق أكفاي تغرق في الفوضى ومشروع تحويل المياه ينتظر التنفيذ

طارق أعراب تشهد منطقة أكفاي، وتحديدًا طريق 212