د- محند الركيك
1- معايير استمارة لحليمي المثيرة للجدل
يبدو أن مقاربة أحمد لحليمي، التي اعتمدها في إحصاء 2024، قد يتقلص-بسببها- الأمازيغ إلى أقلية سكانية لن تتجاوز-من خلال المؤشرات الأولية- 20 في المائة. لقد تبين أن أحمد لحليمي – الشيخ الذي تربع على عرش المندوبية السامية للتخيط، المتجاوز 85 سنة والمنتمي إلى حزب معروف بتحامله على الأمازيغية – اعتمد نفس معايير الإحصاء السابق. معايير تفقتد إلى الاحترافية والموضوعية وهي تقريبا طبق الأصل لما اعتمد في إحصاء 2014 الذي ادعى فيه أن نسبة الأمازيغ لا تتجاوز 28 في المائة. والراجح أن أحمد لحليمي، الذي متح إيدلوجيته مما سمي ب “الحركة الوطنية” المعروفة بمناهضتها للأمازيغية، يسعى جاهدا إلى تقليص مجال تداول الأمازيغية ضاربا عرض الحائط ما حققه مشروع إدراج الأمازيغية في مجال التعليم وتدريسها في مناطق ناطقة بالدارجة المغربية.
إن مجرد إلقاء نظرة سريعة على نوعية الأسئلة المتضمنة في استمارة المندوبية السامية للتخطيط، يؤكد على أن أحمد لحليمي لا يزال أسير الإيديولوجية القومجية المهترئة التي تعود إلى سنوات الستينات من القرن الماضي. المندوبية السامية للتخطيط التي عمّر على رأسها الحليمي لم تستوعب بعد التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية والأوراش الكبرى التي انخرطت فيها الدولة العميقة، وفي مقدمتها المصالحة مع الذات والاعتراف الرسمي بالأمازيغية التي شكلت عنوانا كبيرا للعهد الجديد.
2-مخطط من أجل تحويل الأمازيغ إلى أقلية
المندوب السامي يتجاهل وجود الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية أقرها دستور 2011. والدليل على ذلك خلو أنشطة المندوب السامي وندوات من الامازيغية. وهذه نية مبيتة ورسالة واضحة لمن يهمه الأمر، متجاهلا ظهير أجدير والخطب الملكية والدستور المغربي…
استمارة إقصائية وضعت بمكر وعلى مقاس لتلقيص عدد الأمازيغ. نختزل مراميها في الآتي:
-تقزيم مجال تداول نسبة الناطقين بالأمازيغية؛
-اعتبار المدن المغربية مجالا لناطقين بالعربية فقط؛
-اعتبار كل الناطقين بالعامية المغربية عربا؛
-تجاهل المندوب السامي أن البنية الديموغرافية التي تشكلت منها المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، والتي تتشكل أساسا من إ الهجرات الجماعية الكبرى من المناطق الامازيغية؛
-تجاهل الاستمارة لمعطيات التاريخ الاجتماعي المغربي الذي يشهد على الأصل الامازيغي؛
-تناغم المندوب السامي مع مخطط النظام التعليمي القائم على مخطط التعريب الشامل.
3 -الأمازيغية بين المؤسسة الملكية وفلول ما سمي بالحركة الوطنية السلفية
لا شك أن المتتبع لتاريخ الحركة الأمازيغية سيلاحظ أن المواجهة العنيفة والشرسة، التي قوبلت بها مطالب هذه الحركة الثقافية والسلمية، كانت من قبل الأحزاب السياسية وبعض المثقفين التابعين لها. إذا استثنيا حزب الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية فكل روافد ما يسمى بالحركة الوطنية تصدت بكل عنف للحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية.
وعلى النقيض من الأحزاب التقليدية، لم تسجل الحركة الأمازيغية أي موقف سلبي من قبل المؤسسة الملكية. نكاد نجزم أن ملف الأمازيغية ما كان ليجد طريقه للتسوية، لو لم يتدخل القصر الملكي. أول إشارة إيجابية، تندرج في هذا السياق، هو الخطاب الملكي للمرحوم الحسن الثاني بمناسبة ثورة الملك والشعب 20 غشت 1994.
تدرك المؤسسة الملكية أن الأمازيغية ركيزة من ركائز المجتمع المغربي، لذلك كان موقفها أكثر تقدما من كل التيارات والأحزاب السياسية المعروفة بعدائها الشديد للحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية. يعزى سبب تحامل هذه الأحزاب، ومن يدور في فلكها من ملحقات حقوقية وثقافية (اتحاد كتاب المغرب)، إلى كونها متحت أيديولوجيتها من القومية العربية التي أسستها شرذمة من العرب المسيحين، بإيعاز من بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا تسعيان للسيطرة على تركة ما كانت تسميه، خلال نهاية القرن التاسع عشر، بالرجل الأوربي المريض، في إشارة إلى تركيا التي كانت الدول الأوربية تسعى إلى إضعافها من خلال تشجيع الحركات الانفصالية.
من حسنات المؤسسة الملكية بالمغرب أنها بنت نسقها السياسي وقناعتها الإيدلوجية من الخصوصية المغربية ومن تعاليم الدين السمحاء. ولم تسقط في فخ القومية العروبية التوتاليتارية على غرار نظام بومديان والأسد والقذافي وحسين صدام. و هو أمر طبيعي بالنسبة لنظام ملكي سياسي ينسجم مع ذهنية الأمازيغ الذين عرفوا الملكية منذ فجر التاريخ واختاروا «تاݣلديت” “(الملكية)Tagldit نظاما سياسيا موحدا للبلاد منذ 30 قرنا.
بعد سنوات من نضال الحركة الأمازيغية ورفعها مطالبها اللغوية والثقافية إلى اغلب الحكومات المتعاقبة التي تجاهلتها، ستتدخل المؤسسة الملكية لإعادة الاعتبار للقضية الأمازيغية وإنصافها. وقد اتضح هذا التعاطي الملكي الإيجابي مع هذا الملف من خلال الأسس المرجعية الآتية:
الخطاب الملكي لـ 30 يوليوز 2001 : إدراج الأمازيغية لأول مرة بالنسبة لتاريخ المغرب في المنظومة التعليمية المغربية ؛
الخطاب الملكي في أجدير يوم 17 أكتوبر 2000: الإعلان عن الظهير الشريف المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛
الخطب الملكية السامية التي اعتبرها فيها الأمازيغية ملكا وإرثا لجميع المغاربة؛
تأكيد صاحب الجلالة، في أكثر من مناسبة، على تطبيق مبدأ العدالة المجالية؛
الاعتراف الرسمي بالأمازيغية لغة دستورية ورسمية للبلاد؛
الاعتراف الملكي بالسنة أو التقويم الأمازيغي
• على سبيل الختم:
بالنظر إلى أهمية المندوبية السامية للتخطيط، يبدو أن الوقت قد حان لتعيين مندوب سام مستقل على رأس هذه المؤسسة الحيوية. مندوب يتوافر فيه شرط الحياد لا تفوح منه رائحة أن لون سياسوي أو إيديولوجي. من المعلوم أن المندوب السامي الحالي متشبع بإيديولوجية حزبه المعروف بموقفها السلبي من الأمازيغية. كما أن الرجل وصل من العمر عتيا. وقد حان وقت إعفائه وخلوده للراحة رحمة بها ورأفة بسنه. ولابد من إصلاح ما يمكن إصلاحه، وتنقية هذه المندوبية من أي هوى أيديولوجي وسياسوي.
لذلك نلتمس من الجهات العليا تعيين شخصية مستقلة ومحايدة وتكنوقراطية لا علاقة لها بأي طيف سياسي. وبما أن المندوبية السامية للتخطيط مؤسسة مستقلة، وعلى أساس الأرقام والإحصاءات الذي تقدمها، توضع البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تهم البلاد على المدى القريب والبعيد …ونظرا لأهميتها وحيويتها وحساسيتها فمن المطلوب أن تترأسها شخصية مستقلة تتخذ مسافة من الأهواء السياسوية والإيدلوجية.
أستاذ باحث جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس
حريق يفتك بـ 25 رأسًا من الماشية في أولاد حسون نواحي مراكش
حكيم شيبوب اندلع مساء اليوم حريق مهول في