الطنجية والذاكرة الشعبية لمدينة مراكش

الطنجية والذاكرة الشعبية لمدينة مراكش

- ‎فيرأي
801
التعليقات على الطنجية والذاكرة الشعبية لمدينة مراكش مغلقة

بقلم محمد تكناوي .

على مر التاريخ احتفت الامم و الشعوب والحضارات بالطعام باشكاله واصنافه و طرائق إعداده واذواقه وتفاصيله .
فصار ما يصطلح عليه المطبخ وسيلة للتعبير عن الخصوصية التي يتمتع بها شعب ما او ثقافة ما في إعداد وجبات متميزة تنتمي لها ولا يجيدها غيرها، وتحول الموضوع الى ثقافة يعبر عنها بواسطة الكتب والسلوك و الدعاية وغيرها على النحو الذي يستجيب لاهميته ويتناسب مع عمق صلته بالحياة.
ويمكن وصف تجربة الطعام في تاريخ العالم استنادا على عاملين اساسيبن ، فثمة طعام قبل اكتشاف التوابل واستعمالها، وطعام اخر بعد هذا الاكتشاف يمثل مرحلة اخرى تماما لها قوانينها واعرافها و تقاليدها، بل ذهب بعض الباحثين الى وصف الاكتشاف والاول للتوابل في العالم بأنه احد اعظم الاكتشافات المذهلة في التاريخ . والاكيد ان الطعام يعتبر ركن اساس وجوهري وفاعل من اركان الحياة والحضارة وممارستها والإستمتاع بمعطياتها، فاستمرارية الحياة و تدفقها وجمالها مرهونة به، فلا حياة بدونه طعام مهما كانت درجة هذا الطعام وجودته ونوعه .
وبالنسبة لتاريخ الطبخ المغربي فيمكن تجاوزا تقسيمه الى إلى فترتين فترة ما قبل الحماية أو الاستعمار الفرنسي ويطلق عليها بعض الباحثين والمهتمين بفترة المطبخ التراثي وفترة الاستقلال حيث دخلت المواد المصنعة عليه كالزيوت الغذائية التي حلت محل السمن البلدي والأصباغ الكيماوية مكان الزعفران والخل الاصطناعي بدل المصير وغيرها.
وقد اشتهر التراث الغذائي المغربي بالتنوع فهو مزيج من المطبخ الامازيغي والعربي والإفريقي والروماني والوندالي والموريسكي وغيره، ويتميز باستخدام التوابل على نطاق واسع في الأكلات ومن أشهر هذه الأصناف الكسكس والحريرة والطاجين والبسطيلة وقمامة والمحنشة والبريوات والخليع وقد استطاعت هذه الوصفات اقتحام مطابخ أرقى المطاعم في العالم غير أن الطنجية المراكشية أيقونة المطبخ المغربي تظل من بين الأكلات الأكثر تميزا بسبب عراقتها ورمزيتها سواء على مستوى طقوس إعدادها وكيفية طهيها وطريقة تقديمها.
و لعل القارىء الكريم يتذكر حدث تهيئ أكبر طنجية في العالم سنة 2009 والتي دخلت كتاب غينيس للأرقام القياسية العالمية هذه الطنجية التي بلغ طولها 3 أمتار وعرضها متر واحد وتم حشوها بحوالي 300 كلغ من اللحم فضلا عن كيلوغرامين من الثوم ومن الكمون البلدي وخمس لترات من زيت. غيرها من المكونات.
وهذا الحدث الذي أشرف على تنظيمه آنذاك أرباب المطاعم المتنقلة بساحة جامع الفناء تجاوز في خصوصيته وطبيعته تنظيم أضخم قصعة كسكس بمدينة اكادير وأكبر طاجين بأسفي، فقد شكل احتفاء بفنون الحلقة وبالطابع الإبداعي للطبخ وصرخة استغاثة للتراث غير المادي الشفهي المراكشي الذي بدا في التواري مفسحا المجال للمشاريع الإسمنتية التي بدأت بالزحف على المدينة العتيقة على حساب القيم الأصيلة التي بنت عليها حاضرة مراكش أمجادها وشهرتها ووظفت فيها ذاكرتها عبر امتداد عميق في التاريخ جسد قيم التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان، هو كذلك تعبير عن الشوق إلى أيام النزهات والبساتين الفيحاء التي كانت تحيط بالمدينة ، والحنين إلى زمن البساطة والبهجة وزمن مراكش البهية ومتعة التجوال بين حلقات التي تؤثث ساحة جامع الفناء حيث تشخيص لوحات التمثيل وسحر حكايات العنترية وألف ليلة وليلة والحمزاوية وقصص سيف بن ذي يزن والعوالم الخارقة والعجائبية، وقفشات الصاروخ و أنظام مول الحمام والفلكيين والعرافين و…….في هذا الزمن الجميل حيث كانت الطنجية تزهو بلذتها كوجبة تحظر من قبل الرجال في الدكاكين والحارات والأسواق .
وحدث الطنجية العملاقة هو حدث اخلف موعده مع التاريخ فقد كان منتظرا أن يشكل تقليدا سنويا ، يروم التحسيس والتذكير بما فقدته مراكش من خصوصياتها الثقافية والتاريخية ومناسبة لبسط تصورات وحلول وبدائل لوقف التردي والتقهقر الذي تشهده ساحة جامع الفناء منذ عقود والتي تحولت من جرائه إلى مطعم كبير وساحة لاستعراض نسخ فلكلورية مشوهة وعروض ضحلة للقرادين ومروضي الأفاعي والثعابين والشوافات ومخضبات الحناء والمتسولين وأشباه الحكواتيين ، كان المراكشيون ينتظرون ويحبذون أن يشكل هذا الحدث ايجابات عن كيفية صون هوية مدينة مراكش وموروثها الثقافي وسبل عودة الروح لساحة جامع الفناء باعتبارها مرآة عاكسة لغنى وتنوع وعمق الثقافة المغربية، ومدينة مراكش بغير هذه الساحة لا أهمية لها كما قال الكاتب الاسباني المراكشي الراحل خوان غويتوصولو ، وحافز للتفكير الجماعي في كيفية إعادة نكهة ورونق وتميز الطنجية باعتبارها جزءا من الذاكرة الشعبية وصورة عن الاختلاف الحضاري الراقي الذي تمثله مدينة مراكش.

يمكنك ايضا ان تقرأ

بتعليمات سامية من الملك: ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء

كلامكم بتوجيهات سامية من الملك محمد السادس، استقبل