إشكالية السير بمراكش 

إشكالية السير بمراكش 

- ‎فيرأي
487
6

د. أحمد الشهبوني*

تعرف مراكش منذ عشر سنوات نموا سريعا بسبب عوامل كثيرة من بينها:                      

التزايد المضطرد للسكان سواء منهم المحليون أو الأجانب. فمدينة مراكش تضم ما يقارب عشرين ألفا من الفرنسيين يقيمون فيها بصفة دائمة أو مؤقتة التطور السياحي الذي تعرفه المدينة وجهتها، بحيث تمثل الوجهة السياحية الأولى للمغرب باستقبالها لما يقارب خمسة ملايين زائر سنويا، بالإضافة إلى العدد المتزايد من المغاربة الدين أصبحوا يأتون للإقامة بالمدينة، وخصوصا بعد فتح الطريق السيار بين مراكش والدار البيضاء. 

مشاريع التعمير الكبيرة التي باشرها كل من الدولة والخواص والتي ساهمت في التطور الذي عرفته المدينة. 

غير أن ارتفاع عدد السكان وعدد زائري المدينة رافقه تزايد كبير في حركة السير، حركة تضاعفت حدتها بسبب ارتفاع عدد السيارات الفردية. هذه الظاهرة التي ترجع إلى التحسن في مستوى العيش والى التسهيلات في الوصول إلى القروض، والى توفر سيارات بأثمان مختلفة. وفي هذا الإطار توجد بمراكش مائة وعشرون ألف سيارة  (120.000) يضاف إليها سنويا ستة آلاف (6.000) سيارة جديدة تقريبا، وهو ما يمثل زيادة تصل إلى أربعة في المائة سنويا.

هذا التطور الذي تعرفه مدينة مراكش له طبعا سلبياته، فقد ارتفع ثمن الدور والأراضي بنسب كبيرة جعلت الوصول إلى امتلاك سكن أمرا يزداد صعوبة بالنسبة لفئات واسعة من السكان. كما أن المدينة أصبحت تعرف مشاكل متزايدة في تنظيم السير بالمدار الحضري، بحيث يسجل ازدحام كبير في أهم شوارع ومدارات المدينة، ازدحام يزداد حدة في العطل المدرسية والأعياد وخلال فصل الصيف. أما الشوارع الأكثر تأثرا فهي شوارع الزرقطوني، الحسن الثاني، عبد الكريم الخطابي، محمد الخامس، طريق الدار البيضاء، طريق أكادير، طريق آسفي إلى حدود سيدي غانم، طريق تاركة، بالإضافة إلى بعض المدارات مثل مدار شارع آسفي، مدار فندق مراكش، ومدار محمد الخامس.

ويمكن القول إن المشاكل قد ازدادت تفاقما بسبب نموذج التعمير الذي تم اعتماده بالمدينة في العشر سنوات الأخيرة. فقد تم تشييد عمارات كثيرة مكان المساكن الفردية في أغلب الأحياء بوسط المدينة، هذه العمارات التي تضاعف الكثافة السكانية خمس مرات. كما ساهمت الطرق الضيقة وغياب المر آب في قبو العمارات في هذا التفاقم. 

إن مشاكل السير مرشحة للتطور أكثر بالعلاقة مع المشاريع السكنية الكبيرة التي توجد طور الإنجاز بالمدينة و التي تهم طاقة إيوائية جديدة لما يناهز 400 ألف ساكن. 

لقد بدأت جودة الهواء بمدينة مراكش تتأثر وتعاني من هذه الوضعية.
ففي إطار حملة القياس التي تم إنجازها في مايو 2006 برعاية من مؤسسة
محمد السادس لحماية البيئة، تم تسجيل مقادير للمواد السامة
(NO2 /NO/SO2/CO2/SO2/CO/O3 NOX /، مواد عالقة في الهواء) هذه المقادير لا تزال أقل من معايير المنظمة العالمية للصحة. أما بالنسبة للأوزون فان تركيزه CONCENTRATIONS تفوق هذه المعايير وهو ما يفرض درجة عليا من اليقظة في موضوع جودة الهواء.

لقد قامت جمعية علوم الحياة والأرض – وهي جمعية تشتغل في مجال البيئة – بتحليلات لمقادير المعادن الثقيلة على أوراق الأشجار وعلى التربة، وقامت بتسجيل معدلات تتجاوز المعايير.

إن العدد المرتفع للآليات والحالة المتقادمة للعدد الكبير منها، بالإضافة إلى طبيعة المحروقات، ستقود في المدى المنظور ولا شك إلى تردي متزايد لجودة الهواء بمراكش.

إن مدينة مراكش تمثل رمزا للدراجات، حيث يوجد بها ما يقارب 170.000 دراجة نارية و40.000 دراجة عادية، كما يظهر من دراسة مخطط التنقل الحضـري. ولكن غياب ممرات خاصة بالدراجات، يؤدي بأصحابها إلى استعمال نفس الطريق إلى جانب باقي السيارات، مما يؤدي إلى الازدحام، والى ارتفاع خطر الاصطدامات وبالتالي الحوادث. وفعلا، فمدينة مراكش تتوفر على الرقم القياسي في حوادث السير، حيث تم تسجيل 2.800 حادثة سنة 2008، أي حوالي 6 حوادث في اليوم. إن غياب الحس المدني وعدم احترام قوانين السير يساهمان بلا شك في هذه الوضعية.

إن وسائل النقل العمومي – التي عرفت تطورا ملحوظا منذ تفويتها إلى القطاع الخاص- تنقل ما يقارب 150.000 شخص يوميا، وهو رقم لا يمثل سوى ثلث الأشخاص الذين يصلون يوميا إلى المدينة، مما يعني إن استعمال السيارة الفردية لا زال هو الوسيلة المهيمنة في التنقل داخل المدينة. 

ولمواجهة هذه الوضعية، واستجابة للانشغالات المتزايدة لساكنة مراكش بما تمثله إشكالية التنقل بالمدينة من معاناة لا تزداد إلا حدة، فان مركز التنمية لجهة تانسيفت، باعتباره فاعلا في المجتمع المدني، يضع من بين أولوياته و اهتماماته، إثارة نقاشات حول القضايا المهمة والحساسة التي تهم حياة كل الجهة، في أفق المساهمة في تطورها على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي، ينظم هذا اليوم الإخباري لتبادل الآراء حول موضوع السير بمراكش بتنسيق مع المجلس الجهوي لهيئة المهندسين المعماريين بدعم من ولاية جهة مراكش تانسيفت الحوز، ومجلس المجموعة الحضرية. 

هذا اليوم يأتي امتدادا للبحث الذي أجراه  مركز التنمية حول “جودة الحياة بمراكش” والذي هم 1.200 أسرة والذي قمنا بتقديم نتائجه خلال يوم خصص لهذا الغرض بتاريخ 22 مارس 2007.

وفي سياق أنشطته المتعددة، فان مركز التنمية لجهة تانسيفت يعتزم الاستمرار في أبحاثه ودراساته حول مدينة مراكش، وذلك بتنظيم يوم دراسي حول الوصول إلى الخدمات العمومية بالنسبة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك خلال شهر مارس الحالي. بالإضافة إلى تنظيم أسبوع للتنشيط الثقافي خلال نفس الشهر.

إن قضايا السير حاضرة بقوة في اهتمامات المسؤولين بمدينة مراكش. فقد أطلقت المدينة مخططا للتنقل الحضري، وهو ما يمثل مناسبة سانحة لتقديم العناصر الأولية لهذه الدراسة المهمة، والقيام بتشخيص للحالة الراهنة في موضوع السير بالمدينة، ومناقشة الإجراءات المزمع اتخاذها.

واعتبارا لأهمية جودة الهواء، ودوره الرئيسي في جودة الحياة عموما، فما هي الإجراءات التي تعتزم المدينة اتخاذها لمحاربة التلوث؟ وما هي الإجراءات التي ينبغي اتخاذها للتخفيض من حوادث السير، وبالتالي لدفع مختلف مستعملي الطريق إلى التحلي بالروح المدنية؟

وانطلاقا من رؤية تستشرف المستقبل، نظرة نعتبرها ضرورية للتحكم في آفاق تطور المدينة من خلال تحديد وضبط الخطوات الملموسة التي يجب اتخاذها بهدف مرافقة هذا التطور. لذلك فمن المفيد تسليط الضوء على أهمية موضوع السير على المدى البعيد وانعكاسه على حياة السكان والوقوف على طبيعة استعداد المدينة لاستقبال حركة سير ب 200.000 سيارة في حدود 15سنة المقبلة إضافة إلى حركة السير الإضافية التي يمثلها زوار المدينة من الأجانب والمغاربة والتي يتوقع أن يصلوا إلى حدود 10 ملايين شخص سنة 2025.

هل قامت مخططات الإعداد الحضـري للمدينة بإدماج حركة السير بهذا الحجم ضمن تصوراتها؟ ذلك ما سيقوم المجلس الجهوي لهيئة المهندسين المعماريين بإلقاء الضوء عليه.

كيف ستقوم المدينة بإدماج الدراجات النارية والعادية باعتبارها وسيلة التنقل المهيمنة في مراكش ضمن سياسة الإعداد الحضرية للمدينة؟ 

ما هي السياسة التي يتم إعدادها للمستقبل في مجال النقل بمراكش؟ وهل سيتم إعطاء الأسبقية لنظام النقل العمومي أم بالمقابل سيتم تفضيل وسيلة النقل الخاصة  وما هي الأوراش التي تعتزم المدينة فتحها في هذا الاتجاه.

وفي هذا الإطار يمكن القول إن عشر سنوات فترة كافية لتقييم النتائج المترتبة عن تفويت النقل الحضـري العمومي للخواص والنظر في الإمكانيات المتاحة لتحسين وتطوير هذا القطاع فما هي الأهداف المستقبلية التي حددها المسؤولون في مجال  الأعداد المحتمل نقلها بالمدينة بواسطة النقل العمومي ذلك ما سيلقي عليه الضوء ممثل شركة الزا.

علما أن كلفة مثل هذه الاستثمارات هي كلفة  tramwayهل تعتزم المدينة اعتماد وسائل نقل جماعية حديثة مثل باهظة وان هناك عتبة دنيا من المسافرين لا بد من تجاوزها حتى يصبح للمشروع مرودية على المدى البعيد                                                                       

كيف يمكن لمدينة مراكش إن تستفيد من تجارب المدن الأوروبية في مجال تنظيم السير؟ لا شك أن مساهمات مدن برشلونة ومارساي ستكون إيجابية في هذا الإطار.

إضاءة أخرى سيتم تقديمها حول سياسات السير العمومي بمراكش من طرف الأستاذ احمد بن الشيخ الذي قام بدراسة معمقة حول مدينة مراكش بدعم من مدينة مونريال بكندا

 

*رئيس سابق لمركز التنمية لجهة تانسيفت

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

تعزيز العلاقات مع منطقة أمريكا اللاتينية والكراييب: استراتيجية المملكة تدعم الاندماج الإقليمي

كلامكم أكد المستشار البرلماني عبد الرحمان الوفا، ممثل