تحت ظلال أرز إفران* مقابلات مفتوحة مع الحسن الثاني ملك المغرب.. الفصل الأول: الزواج والحفلات في القصر الملكي

تحت ظلال أرز إفران* مقابلات مفتوحة مع الحسن الثاني ملك المغرب.. الفصل الأول: الزواج والحفلات في القصر الملكي

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
1229
التعليقات على تحت ظلال أرز إفران* مقابلات مفتوحة مع الحسن الثاني ملك المغرب.. الفصل الأول: الزواج والحفلات في القصر الملكي مغلقة

 

حين وصلت الرباط، في غشت 1961، أخبرت بلطف أني سأحظى بشرف استقبال جلالة الملك الحسن الثاني لي. غير أنه تم نصحي بالسفر أولا عبر ربوع المغرب، في أفق امتلاك معرفة ملموسة بالبلاد، تجعل مقابلاتي مع عاهل البلاد مثمرة أكثر.
وعلاوة على ذلك، كان الحسن الثاني منشغلا جدا، خلال شهر غشت هذا، بتحضير الملفات التي سيذهب بها إلى مؤتمر دول عدم الانحياز الذي سينعقد في بلغراد، كما كان منشغلا بزواج ثلاثة من أخواته: للا عائشة وللا مليكة وللا فاطمة الزهراء. وخلال زواج الأميرات، سيعقد قران خمسين زوجا شابا من أصول متوةضعة، ممن شملهم عطف الملك.
يجري حفل الزواج وفق البروتوكول التقليدي. ووحدهن النساء، المسلمات والأجنبيات، تستدعين إلى الحفل الذي تظهر فيه بنات محمد الخامس الثلاث، تتبعهن خمسون زوجة جديدة. ترتدي الأميرات ومرافقاتهن فساتين من الحرير الاحتفالي وأحجبة من الموصلين طويلة ومنسدلة إلى الأرض. وقد كن متجملات بكيفية غريبة: إذ فوق الخدود دائرة وردية فاقعة مرقطة بالأبيض. ووسط الجبهة زهرة وردية كذلك.
تجلس الأميرات تحت مظلة، مستقرات على هيئة ملكية، وبين الفينة والأخرى ترسلن ابتسامات صوب المدعوات. أما الزوجات الشابات الخمسون، فمصطفات فوق أريكة طويلة، تراعين هن الأخريات صمتا متواضعا. وبين إثنتين من أخواتها، الأميرة الصغيرة آمنة، مدللة محمد الخامس التي ولدت في مدغشقر خلال سنوات المنفى، تضحك وتتثاءب.
يوزع الخدم بعض المرطبات: الأشربة، حليب اللوز وحلويات متنوعة. وفرقتان موسيقيتان شرقيتان تتناوبان نغمات هذا الجو الاحتفالي.

وضمن هذا الاحتفال، كان الملك الشاب الشخص الوحيد المفعم حيوية واسترخاء. كان يرتدي سترة سوداء أنيقة، يستقبل المدعوات ويوجههن نحو قاعة تجد فيها كل سيدة مقعدا باسمها فوق جزءه الخلفي.
سرعان ما يصير المشهد أكثر حيوية وانتعاشا؛ إذ تدخل الفرقة الموسيقية لنساء القصر: مغربيات سمراوات وبيض وخادمات سود تنحدرن من العبيد القدامى وترتبطن في جميع الأوقات بخدمة الأسرة الملكية. وبرفقتهن، تأتي فتيات سود بفساتين ذات ألوان زاهية، تحمن حول الملك وتتمسكن به وتحاولن تسلق كتفيه. وحين يتسارع إيقاع الموسيقى ويتعالى، تخطو الفتيات الصغيرات واليافعات بضع خطوات وتشرعن في رقصة شرقية حقيقية، وهن مفعمات بغريزة الأسلاف.
وتحت غطاء هذه الرقصة، تقوم المدعوات وتنحنين انحناءة تحية جميلة، ثم تنسحبن بتكتم.
كان الملك الشاب يضحك بسعادة غامرة. وبرغم سنواته الإثنين والثلاثين، كان أبا لمجموع هذه العائلة التقليدية والطفولية الكبيرة، لكنه كان مستعدا كليا لخدمة العرش. ويحكى أن بين العرائس الخمسين عدد من الفتيات الجميلات اللواتي أهداهن رؤساء القبائل للقصر الملكي بمناسبة اعتلاء الحسن الثاني عرش أسلافه الميامين؛ إذ إعادتهن إلى دواويرهن إهانة، ومن التحقير كذلك إهمالهن. أما تزويجهن رفقة الأميرات الثلاث، فذلك حل دبلوماسي لوضعية محرجة. وعلى هذا النحو، فحداثة طالب القانون سابقا في جامعة بوردو لم تجعله يفقد الإحساس بما يوائم إنجازه وما يمكن تركه في أفريقيا القبائل والعشائر.
لقد قطفت وصف هذا الحفل النسائي من لسان سفيرة مدعوة. وقد كان حفلا نسائيا فعلا،حضره الملك فقط، مع بعض الخدم الذكور الذين لا أهمية لهم. وحضرت شخصيا الحفل الذكوري المنظم في حديقة القصر حيث موكب السلك الدبلوماسي وجماعة من الأعيان يمثل بين يدي الملك ويبايعه، للجلوس بعد ذلك أمام مائدة طويلة قصد احتساء الأشربة وتناول كعك اللوز على نغمات جوق الحرس الملكي.
كان إطار الحفل بيها جدا: إذ كانت هندسة القصر الموريسكية الجديدة أخاذة، بساحاتها الفسيحة وصهاريجها وحدائقها، وبأقواسها المحمولة فوق أعمدة دقيقة، وبفسيفساءها وأسطحها ذات القرميد الأخضر الفاتح. وكم كان عظيما منظر الرماحين العظام من الحرس الأسود وهم ينهضون بمهمة التحوط على الأدراج، تصفيفة شعرهم مرفوعة وأحزمتهم برتقالية، يلفهم ثوب أزرق ينسدل من فوق أكتافهم. يتواءم السلهام البرتقالي بكيفية زاهية مع السترة ذات البياض الناصع، والتي يتوسطها حزام أخضر.
لم يفتقر المدعوون أنفسهم إلى ما يخلب الأنظار: شخصيات مسلمة بجلاليب بيضاء ناعمة، ضباط بزيهم الكامل وأعيان أوروبيون في أناقتهم الشاملة.
لكن، يستحيل خلال مثل هذا الحفل الاقتراب من شخص الملك. ومع ذلك، أمكنني ملاحظة أن العاهل، ضمن هذا الديكور الشرقي،يرتدي بذلة أوروبية، في حين يحافظ محيطه على الزي التقليدي. لا تكلف ولا إكراه في هذا الاختيار؛ إذ بعد بضعة أيام، سأرى الحسن الثاني في الجلباب، يعتلي جوادا مسرجا بعناية، تقيه المظلة الشريفة، متجها نحو المسجد لأداء صلاة الجمعة. وفي أفق أداء وظائفه بصفته إماما، أي بصفته أميرا للمؤمنين، يرتدي الملك الشاب الزي الوطني بكيفية طبيعية. وعلى القدر نفسه من اليسر والليونة، يستقبل ضيوفه مرتديا سترة، أي بذلة تبناها المغاربة المحدثون ولم تعد تبدو في منظورهم موضة أجنبية.
ويوم 20 غشت 1961، ظهر الملك مجددا مرتديا بذلة أوروبية ضمن حفل وطني مهيب يحضره لأول مرة بعد غياب المغفور له محمد الخامس؛ إذ منذ عام 1957، كان العاهل يتوجه في مثل هذا اليوم نحو المسجد القائم وسط المشور، الساحة الفسيحة التي تتقدم القصور الملكية، لتخليد ذلك اليوم الحزين من سنة 1953، اليوم الذي تم فيه اختطاف السلطان وأبناءه من العاصمة والتطويح بهم في المنفى.
يوم 20غشت 1961، اصطف حشد كثيف من الناس، نساءه أضعاف رجاله، بين القصر الملكي والمسجد. وقد تم احتواء هذا الحشد فوق الرصيف الشاسع بشريط من الجنود ورجال الشرطة المتباعدين على نطاق واسع. وفجاة، خرج من بوابة القصر المزخرفة المهيبة رجل شاب وسط تصفيقات الحشود وزغاريد النساء. كان يتقدم بتؤدة وتأهب وطلاقة، يلقي التحية بتأدب على الشعب الذي يهتف باسم جلالته. ارتقى المنبر المنصوب على أحد أعمدة المسجد، في الموقع الذي شهد يوم الجمعة 11 شتنبر 1953، اغتيال الوطني الشاب علال بن عبد الله الذي حاول أن يطعن بسكين الغاصب محمد بن عرفة. وبعد الخطبة التي ألقاها باللغة العربية، والتي تخللتها الهتافات، نزل العاهل الشاب من على المنبر، وتوجه رجالا نحو القصر، يحفه الحشد المحتدم والمتحمس الذي تخطى جميع الحواجز.
على مسافة بضع خطوات من الملك، خادم يحمل فوق رأسه الكرسي الذي مثل العرش فوق منصة المنبر، وامرأة تقبل هذا الكرسي لأنها لم تستطع الاقتراب من الملك وفق أمانيها؛ إذ لا مجال للريب في أن الأثاث يسهم في “البركة” الملكية.

ترجمة د.عبد الجليل بن محمد الأزدي

(*) يشكل هذا المنشور الفصل الأول من كتاب:
Georges Vaucher, Sous les cèdres d’Ifran – Libres entretiens avec Hassan II, roi du Maroc, JULLIARD, Paris, 1962.

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. مرشدو السياحة ” فو كيد” بمراكش ينظمون وقفة احتجاجية للمطالبة بتسوية أوضاعهم

حكيم شيبوب/ تصوير: ف. طرومبتي شهدت مدينة مراكش