أسفي: جوهرة ساحلية مغربية مدفونة تستحق الاكتشاف

أسفي: جوهرة ساحلية مغربية مدفونة تستحق الاكتشاف

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
751
6

طارق أعراب

إنّ السياحة مرآة كل بلد لتعريف به وبمؤهلاته، ففي كل ركن من أركان العالم تجد مدنًا مدهشة لم تكتشف بعد . وفي هذا المقال، سنخوض رحلة نحو مدينة مغربية ذات مؤهلات سياحية لا زالت مركونة في دواليب الإهمال. لقبت عبر تاريخها المشرق بأنها حاضرة المحيط، لكن في يومنا هذا غاب عنها الحضور وإن بقي اللقب متداولا ، إنها مدينة أسفي.

تتمتع مدينة أسفي الساحلية بتاريخ حافل يرجع لآلاف السنين، حيث اكتشفت في نواحي المدينة أقدم جمجمة للإنسان العاقل في العالم بمغارة إيغود التي تبعد عن المدينة خمسون كيلومترًا . وخلال القرن الثاني عشر، في عهد الدولة الموحدية كانت منفداً بحريًا وتجاريًا مهمًا، شُيدت خلالها قلعة تسمى بدار السلطان، ولازالت الأسوار التي تحيط بالمدينة القديمة شاهدة على تلك الحقبة الزمنية. في نهاية القرن الخامس عشر، سقطت في أيدي البرتغاليين الذين شيدوا في عهدهم حصناً متيناً مطلًا على البحر سمي بالقصر البحر، وكان دوره حماية المدينة من أي هجوم خارجي.


فقط للإشارة إن ما ذكرناه هو جزء بسيط من تاريخ هذه المدينة العريقة الذي يمتد لآلاف السنين ولازال العلماء فيها حائرون في تحديد مدى عمق تاريخ المدينة ، والحقب التاريخية التي مرت عليها .

ما يميز مدينة أسفي أنها على مر الفترات التاريخية المتعاقبة عليها كانت رمزا للتعايش ، فقد عرفت انصهاراً بين مختلف الطوائف الدينية التي عاشت في المدينة ، و ذلك في مشهد قل نظيره ، أسفي هي المدينة المغربية الوحيدة التي لم يكن يوجد فيها “الملاح” بل كان اليهود مندمجون مع إخوانهم المسلمين في جو يملأه السلم والأمان.
تحظى المدينة بموقعٍ جغرافي استثنائي ، يتميز موقعها بتنوع بيئي فريد، حيث تتوفر على شواطئ ذهبية على طول سواحل اقليم المدينة تبهر الناظرين بجمالها و توفرها على غابات خضراء تشكل بُستاناً طبيعياً يضفي جاذبية خاصة على المكان.
منتزه رأس الأفعى يعتبر واحداً من أجمل الأماكن الطبيعية في المدينة الذي تمت اعادة تهيئتها مؤخرا ، إذ يُشبه شكله انحناءات جسد الأفعى مع اطلالة بحرية فريدة من نوعها ، يتدفق منها العديد من الاعين المائية و يبقى اشهرها عين لالة ميرة ذات المياه العذبة و النقية، إن هذه الإمكانات الطبيعية و التاريخية الهائلة يخول لها ان تكون واحدة من أهم وجهات السياحة في المغرب.

تتميز المدينة بتنوع ثقافي وفني رائع، حيث يتجلى ذلك في التراث المعماري الموجود فيها ، و لطالما كانت المدينة مهدًا للحرفيين الماهرين و الموهوبين. على مر التاريخ، أنجبت المدينة اجيالا من الحرفيين الذين يتقنون مختلف الصناعات اليدوية والحرفية. ومن بين هؤلاء يأتي الحرفيون المتميزون في صناعة الخزف التي تُعتبر من أبرز الصناعات التقليدية في المدينة.


تتميز منتجات الخزف في أسفي بأنها تحمل طابعًا فنيًا خاصًا، فالحرفيين المحليين يتقنون فن صناعة الخزف ببراعة ومهارة عالية. تتضمن المنتجات الخزفية المصنوعة في أسفي الأواني المنزلية مثل الأطباق والأكواب و الطواجن بإختلاف احجامها ، وأيضًا الأعمال الفنية مثل التماثيل والمزهريات ذات الجودة العالية ، فكل من زار اسفي لابد ان يشتري منتجات خزفية كاتذكار من المدينة.
يعتبر المطبخ المحلي في مدينة أسفي متنوعًا وشهيًا للغاية، ويشهد على ذلك كل من زارها. تُعد أسفي منطقة ساحلية، وبالتالي يكون السمك من أبرز المكونات في الأطباق المحلية. يُقدم السمك في أسفي طازجًا ولذيذًا، ويتم تحضيره بطرق متنوعة تجعلك تحتار في اختيار وجبتك القادمة.
ومن جانبهن، يتميزن نساء أسفي بمهاراتهن في إعداد الحلويات التقليدية التي تُعد رمزًا من رموز المدينة، مثل الكعك المسفيوي و حلوى المصبان. هذه الحلويات اللذيذة والمميزة تُعد هديةً ممتازة يأخذها الزائرون معهم قبل مغادرة المدينة.
على الرغم من هذا التاريخ الغني والجمال الاستثنائي، فإن مدينة أسفي لم تستغل بشكل كامل بعد في قطاع السياحة، وهو ما يمثل فرصة ذهبية للاستثمار وتطويرها بشكل مستدام. إن استغلال هذه الفرصة سيعزز الاقتصاد المحلي ويدعم فرص العمل للسكان المحليين ويساهم في تعزيز السياحة المستدامة في المنطقة.
مدينة أسفي تحمل الكثير من الجوانب المثيرة والمميزة التي تجعلها واحدة من أروع وجهات السفر في المغرب. إن اكتشاف جمالها الطبيعي، والتاريخ العريق الذي تحمله، وتجربة تناول الأطباق المحلية الشهية ستضيف قيمة للزائرين وتخلق ذكريات لا تُنسى.
لذلك، يجب على الجميع – السلطات المحلية والمستثمرين والزوار – الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة لاكتشاف جوهرة أسفي الساحلية والمساهمة في تطويرها ونشر روعتها حول العالم. والاستثمار فيها سيساهم في إبراز جمال المغرب وتعزيز مكانته كوجهة سياحية رائعة للمسافرين من جميع أنحاء العالم.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

المقاوم الفذ مولاي عبد السلام جبلي يستحضر مراكش زمن الحماية الفرنسية من خلال برنامج دردشة (الجزء الأول)

كلامكم مولاي عبد السلام الجبلي أيقونة فذة من