تحت ظلال أرز إفران* مقابلات مفتوحة مع الحسن الثاني ملك المغرب

تحت ظلال أرز إفران* مقابلات مفتوحة مع الحسن الثاني ملك المغرب

- ‎فيسياسة, في الواجهة
572
6

 

1▪طفولة سعيدة

أفرز إنهاء استعمار أفريقيا مجموعة من القادة على الصعيد السياسي، تربى أحدهم منذ طفولته الناعمة كي يحكم.
وقد صقلت شخصيته، بحب وقسوة، من قبل أب يمتلك تصورا ساميا عن مهنته بصفته ملكا.
ووقع تأثيت ذهنه من لدن معلمين ونخبة من الأساتذة الأفارقة والأوروبيين، في رحاب مدرسة مولوية خاصة، ثم داخل كلية حقوق فرنسية.
كان تلميذا سعيدا في الإعدادي، شغوفا بكرة القدم وكرة المضرب والسباحة؛ لكنه كان قريئا كذلك، يلتهم الكتب. شرع في استكشاف جمال الأدب الفرنسي عبر أستاذ متحمس لباسكال وكورني ولامارتين وبوسويه ولوكونت ده ليزل. كان شاتوبريان كاتبه المفضل، غير أنه أغرم كذلك بكتاب أوروبيين كبار أمثال دانتي وشيليه وشكسبير وغوته.
وحين كان الأمير الشاب يتذوق روائع الأدب الفرنسي، كان مثقفون عرب يعلمونه اللغة الوطنية ويلقنونه القرآن، والشريعة والفقه الإسلاميان. أما الأستاذ الذي كان يدرسه تاريخ الإسلام وتاريخ المغرب، فكان عالما مغربيا مفعما حيوية، موسوعيا من طينة فرانسوا رابليه، شغوفا بعلم النبات وتحقيق المخطوطات القديمة. كان رئيسا لجامعة القرويين في فاس، ورياضيا كبيرا في الوقت نفسه، مولعا بالسباحة. وكان وطنيا مقداما أيضا، ولذلك غالبا ما كانت دروسه تنقطع وتمتنع بسبب اعتقاله وسجنه أو إبعاده نحو إقامة جبرية.

2▪الشروع في العمل الوطني

شرع الشاب في الحراك الوطني الكبير الذي هز بلاده، عن طريق رفاقه وأساتذته المغربة، وعن طريق أبيه الملك. ذلك أن المغرب طالب باستقلاله، بعد أن حارب بإخلاص إلى جانب فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. طرق الشغف السياسي باب المدرسة المولوية. والأمير الشاب المأخوذ في الآن نفسه بالثقافتين الأوروبية والعربية، ألفى نفسه في طليعة الحركة الوطنية، ينسق مع زعماء حزب الاستقلال، في سن يفترض في طالب موسر وبليغ وعاشق للجمال أن ينشغل ذهنه بأمور أقل مأساوية.
اجتاز بألمعية القسم الأول من امتحانات الدكتوراه في القانون بجامعة بوردو، بعد أن حصل على البكالوريا، ثم الإجازة في القانون. غير أن مسيرته الدراسية توقفت بسبب الأحداث السياسية: إذ تم نفيه رفقة أبيه إلى مدغشقر، وعاد منها بعد سنتين، حين عودة محمد الخامس إلى اعتلاء عرشه وسط الحماس المشبوب للشعب المغربي. ولما كان الأمير مولاي الحسن منخرطا في الرسالة الوطنية لأبيه، ومشاركا في بناء مغرب حديث ووفي لتقاليده الوطنية في الوقت نفسه، ومشاركا بكيفية وثيقة في السياسة الداخلية والدولية لمحمد الخامس، فقد استلم بيديه مقاليد السلطة حين وفاة العاهل المحبوب، أثناء عملية جراحية، عن سن يناهز 52 سنة.

3▪ التقليد والحداثة

على هذا النحو، صار الشاب ذو الإثنين والثلاثين عاما ملكا على بلاد غريبة وعجيبة، من أكثر الدول الأفريقية تقليدانية وحداثة؛ إذ تتعايش فيها بنيات مجتمعية تعود لحقبة الشعوب الرعوية مع البنيات الاقتصادية لرأسمالية القرن العشرين الكولونيالية: مقاولات فلاحية شاسعة، ممكننة ومستثمرة بكيفية علمية، صناعات حديثة قسم كبير من أربابها وأطرها العليا من الأوروبيين، في حين تتشكل اليد العاملة من الأهالي المحليين. وهناك بورجوازية مسلمة مغرقة في التقليد، ونخبة حداثية صغيرة تكونت في مدارس اللغة الفرنسية وتنزع نحو تشكل أطر الدولة، التي ما تزال غاصة بالموظفين الفرنسيين. غير أن كل جماعة مجتمعية تعيش في الواقع وجودا مستقلا نسبيا وتنظر إلى كل ما هو غريب عنها نظرة حذرة مشوبة بعدم الثقة.
وعليه، فالبرنامج الذي صاغه الحسن الثاني رفقة أبيه، وتابع وحده إنجازه منذ حادثة 26 فبراير 1961، قوامه تخطي تجاور العناصر المتنافرة نحو هيئة منسجمة وموحدة، وإنعاش البلاد بنفس مدني ورفع مستوى معيشة الجماهير الشعبية وتحويل المغرب إلى دولة رائدة لأفريقيا نحو الاستقلال.
ومنذ نهاية الحرب العالمية إلى المطالبة باستقلال المغرب، ومنذ 1945 إلى 1955، تمحورت الإرادات المغربية حول المطالبة بالاستقلال والنضال ضد السلطة الأجنبية.
ومنذ عودة محمد الخامس المظفرة إلى المغرب، نزعت المسائل العالقة إلى إذكاء الوحدة الوطنية وتوكيدها؛ إذ تعددت المصالح على الصعيدين الاقتصادي والمجتمعي؛ وفي أفق تلافي الصراعات الحزبية وفرض حلول متوائمة مع المصلحة العامة، تحتاج البلاد إلى سلطة مركزية موضوعية، حكيمة وقوية. وعلى هذا النحو، وجب التدبير الحازم والبارع لتطور البنيات التقليدية والمغربة المتصاعدة للمقاولات الأجنبية وتكوين الأطر السياسية.

4▪ مقابلات مع الحسن الثاني

لقد كان لي شرف مقابلة الملك الحسن الثاني بشأن هذه الأمور والمسائل، في رحاب القصر الملكي بالرباط أولا، ثم -بكيفية مطولة- ضمن أجواء إفران الهادئة: إفران محطة جميلة في الأطلس المتوسط تخيم عليها غابات الأرز الرائعة. وبعد ذلك، توالت مقابلاتنا في فيلا بضواحي الرباط، كان محمد الخامس قد وهبها لابنه البكر مكافأة على نجاحاته في امتحانات القانون. وفي رحاب هذه الفيلا، كان الحسن الثاني، في غضون أكتوبر 1961، يترأس كل إثنين الجلسات الماراطونية التي تعقدها اللجنة المنظمة للتنمية الوطنية. ولقد حضرت إحدى هذه الجلسات، وكان أشد ما استرعى انتباهي الحيوية والحزم اللدان يدير بهما الأمير الشاب الخوغر، مرحبا ب/ أو رافضا لمقترحات ما يقرب من أربعين إطارا ساميا، ضمنهم وزراء، ومستخلصا النتائج العملية من الدراسات المنجزة، ومحددا آجالا قصيرة جدا لإنجاز المشاريع.
المسائل المطروحة على المغرب تواجهها جميع بلدان أفريقيا وآسيا السائرة في طريق إنهاء الاستعمار. غير أنها مطروحة في المغرب بوضوح متميز ويأمل الجميع في حلها ضمن أجواء من العدالة وحسن النية.
وعبر الدراسة الموضوعية لطفولة الحسن الثاني وشبابه، ستتوفر على معطيات تهم شخصية العاهل الشاب وأفكاره؛ وتسمح باستشراف منجزاته على مستوى بلاده، وعلى صعيد أفريقيا والسباحة الدولية.
وسنستكمل هذا التقرير عن المقابلات مع الحسن الثاني في إفران بحوار مع الأميرة للا عائشة وببعض الوثائق التاريخية الهامة. وبخصوص الإشارت البيوغرافية، فهي ترتبط بالحسن الثاني، كما تهم محمد الخامس الذي كان ابنه متفانيا في حبه، لدرجة أن منجزات الابن تبدو استمرارا لمنجزات الأب. وهكذا تتيح معرفة حياة الأب الإحاطة بمسار خلفه.

ترجمة د.عبد الجليل بن محمد الأزدي

(*) يشكل هذا المنشور مدخل كتاب:
George Vaucher, Sous les cédres d’Ifran -Libres entretients avec Hassan il, roi du Maroc, Julliard, Paris, 1962.
وهو الكتاب الذي شارف الدكتور الآزدي على الانتهاء من ترجمته.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

المقاوم الفذ مولاي عبد السلام جبلي يستحضر مراكش زمن الحماية الفرنسية من خلال برنامج دردشة (الجزء الأول)

كلامكم مولاي عبد السلام الجبلي أيقونة فذة من