لماذا يكره التلاميذ المدرسة..؟

لماذا يكره التلاميذ المدرسة..؟

محمد تكناوي.

وعيت أن فكرة الأفضلية المطلقة لقراءة كتاب ، وجدت مكاناً في معاييري الشخصية. لذلك أجد في مرونة المعايير وتنوُّع المقاييس مندوحة عن الحدية في الآراء. وبناءً على ذلك، لكل مرحلة كتاب، وكتاب المرحلة بالنسبة لي بحكم اشتغالي وانشغالي بالمجال التربوي ، هو كتاب أثار الكثير من السجال والنقاش وهو مؤلف “العقل غير المدرسي” ، لهاورد غاردنر أستاذ علم المعرفة والتربية في كلية الدراسات العليا بجامعة هارفرد .
أول ما يثير الإغراء للابحار في هذا العمل هو شخصية مؤلفه فهاورد غاردنر هو من الباحثين الامريكيين الذين امكنهم الجمع بين رفعة التحصيل الأكاديمي ، والبحث العلمي شديدة الثراء
و له كتاب نال ايضا حظا وافرا من الانتشار ” اطر العقل ” الذي تناول نظرية الذكاءات المتعددة.
ولأن “الكتب الجيدة لا تتخلى عن أسرارها دفعة واحدة” كما يقول الكاتب الأمريكي Stephen King: فقد اعدت قراءة هذا الكتاب مرتين ، دون ان يتعدى الفاصل بين القراءة الأولى والقراءة الثانية أيام قليلة، و تقتضي الإشارة ان اختياري هذا الكتاب يعود ايضا الى رواسب قراءتي السابقة للكاتب الأمريكي ويلينجهام
خاصة مؤلفه الشهير ” لماذا لا يحب التلاميذ المدرسة”.
دوافع الاختيار و منهج المقارنة بين الكتابين ولو انها ليست ضمن أولوية هذه المقالة ،هو ما يشتركان فيه من منطلقات أساسية ومواطنَ الإشكالِ التي يشير إليها فكرُهُما في علم المعرفة والتربية و علم النفس والعلوم العصبية هاذين المجالين الحيويين يَمنحُان القارىء مدخلاً شيقاً ورصيناً إلى مُفكريَن اتّسم انتاجُهما بالصُعوبةِ والأهميةِ الفائقةو جهودهما البحثية على دراسة الأساس البيولوجى والمعرفى للتعلم، وهما معا صاحبا فهم عميق للتحديات اليومية التى يواجهها الاساتذة و التلاميذ على السواء.
و بالعودة الى كتاب هاورد غاردنر “العقل غير المدرسي” فهو
يستهدف في عمقه تقدّيم حلول واقعية لإصلاح التعليم المدرسي، حيث يعتبر غاردنر ان التلاميذ او المتمدرسين يتمتعون بالفهم الأصيل لمجالات المعرفة، وما ينقص المدارس هو سياقات تكون فيها ممارسات المهارات معقولة.
كتمهين التعليم وجعله سياقيًا اي إمكانية تحقيق تعليم المهارات المختلفة ، و اعتماد التكنولوجيا لما توفّره من فرصً للمشاركة والمحاكاة وتسهل على التلميذ الرؤية العلمية للأشياء.
ويعتقد غاردنر ان الأطفال يقطعون شوطًا طويلًا للتمكن من عدد كبير من الكفايات قبل دخولهم المدرسة دون أي تعليم رسمي، وبذلك يتشكّل العقل غير المدرسي، هؤلاء الأطفال أتقنوا بسرعة نظمًا متعددة وطوّروا نظريات معقدة عن العالم والعقل خاصة بهم، هؤلاء التلاميذ هم ذاتهم من يعانون صعوبات عدة عندما يدخلون المدرسة.
و اغلب فصول الكتاب تدور حول هذه المفارقة، لماذا يواجه الأطفال الذين من الواضح أنهم قادرون على التعلم الذاتي منذ ولادتهم صعوبة في التعليم المدرسي؟
من خلال الاستفهامات التي وضعها غاردنر يقرر أن التعلّم الذي يجري في البيت أو البيئة المباشرة خلال السنوات الأولى من الحياة ينتمي إلى مستوى مختلف تمامًا عن التعلّم المدرسي!
بل ان غاردنر يذهب الى أبعد من ذلك فهو يؤكد انه حتى عندما تنجح المدرسة في استثارة مناحي الأداء التي أسست من أجلها، فإنها تفشل تمامًا في تحقيق أهم مهماتها، ومنها تحقيق الفهم الحقيقي لما تعلمه التلاميذ وتطبيقه في سياقات أخرى.
ليستخلص غاردنر ان المدرس تقف امامه ثلاثة تحديات يوجزها في تقديم الأفكار التي ترغبها المدرسة للتلاميذ، وهي غالبًا ما تكون صعبة ومناقضة للحدس، و التأكد من ملاءمة الأفكار الجديدة مع السابقة و إحلال المحتويات المجالية الجديدة محل المحتويات والأنماط السابقة المعارضة لها.
ورغم رغبة الاساتذة في التعامل مع هذه التحديات، إلا أنهم يواجهون تحديات أخرى أصعب فمعظم المدارس ترزح تحت عبء الفصول المكتظة والمستلزمات المرهقة، و المراقبة الإدارية والمحاسباتية المزعجة، مما يجعل التربية من أجل الفهم تتأخر كأولوية من أولويات المدرسة.
فلا الاستاذ ولا التلاميذ يرغبون في المخاطرة من أجل الفهم وبذلك فهم يقنعون بتسوية الإجابات الصحيحة الأكثر أمنًا، ويعتبر المتمدرسون و حتى الأساتذة أن التربية الناجحة هي إذا تمكّن التلاميذ من تقديم إجابات تم التوافق على أنّها صحيحة.
هذا الأداء الشكلي او كما يسميه الطقوسي الأصمّ أصبح تقليدًا في معظم المدارس.
تبعا لذلك اضحت المدرسة ترمز الى مؤسسة رسمية منزوعة من سياق الحياة على نحو مقصود، هذا في تصوري الشخصي تجلي للقول الشائع أنّ المدرسة تحتجز او تحتفظ بالتلاميذ أكثر مما تربيهم!
و هذا الكتاب الشيق في اعتقادي هو قريب في مقاربته لإشكالية العقل غير المدرسي من كتاب دانيال تي ويلينجهام الذي نشر سنة 2017, الموسوم ب ” لماذا يكره التلاميذ المدرسة” وهو العنوان الذي اقترحته لهذه المقالة، بصيغة معاكسة وهذا الكتاب بدوره يرصد طريقة عمل العقل البشري وتأثيرها على الأداء الدراسي، حيث يعتبر ان الأطفال فضوليون بطبيعتهم، لكنْ عندما يتعلَّق الأمر بالمدرسة، يبدون وكأنَّ عقولهم قد توقَّفت. و يتساءل لماذا يمكنهم تذكُّر أدق تفاصيل أفلام الرسوم المتحركة المفضَّلة لديهم، ولا يتذكرون إجاباتِ أوضحِ الأسئلة في الاختبارات المدرسية؟

وحول سؤال “لماذا لا يحب التلاميذ المدْرَسة”، او بالأحرى اسباب كراهية التلاميذ للمدرسة، يجيب”ويلينجهام انه على عكس ما هو شائع، المخ غير مصمَّم من أجل التفكير، وإنما لينقذك من الاضطرار إلى التفكير”، فالمخ يقوم بعدة وظائف أخرى للإنسان وليست مقتصر على التفكير فقط، حيث يقول “يقوم المخ بالعديد من الوظائف، والتفكير ليس أفضل وظيفة يقوم بها؛ فهو يدعم أيضًا القدرة على الإبصار والحركة؛ على سبيل المثال: هاتان الوظيفتان تعملان على نحوٍ أكثر كفاءة من القدرة على التفكير، وليست مصادفة أن معظم مناطق المخ مخصَّصة لمثل هذه الأنشطة.
كما يورد الكاتب انه من ضمن الأسباب الاخرى التى تجعل التلاميذ لا يشعرون بالسعادة وحب المدرسة وينسون المقررات الدراسية أسباب تعود لصعوبة المواد وطريقة أسلوب المعلمين بصورة تصل بالتلاميذ للملل وكره المقررات الدراسية، ورأى الكتاب الحل فى تغيير تلك الأنماط التى يستخدمها المعلمون، وقدم عددا من الحلول لهم كى يقوموا بها، ومنها القيام بتلخيص الموضوعات فى نقاط بسيطة تحتوى على تشبيهات واقعية، وأخرى باستخدام التأثير القصصى والحكى فى شرح المقررات، وكذلك طريقة تثير انتباهم لمعرفة السر وراء الشىء الذى أثار دهشتهم أو خوفهم.
ويتضح من خلال رصد أهم افكار الكتابين أنهما يقدمان عدد من المقترحات و الحلول العملية لاصلاح وتطوير التعليم المدرسي.
بقي ان أشير أن الكتابين خليقين بالقراءة الفاحصة والمتانية فالغاية من كتابة هذه المقالة أن تكون دافعاو حافزا لقراءتهما.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

المقاوم الفذ مولاي عبد السلام جبلي يستحضر مراكش زمن الحماية الفرنسية من خلال برنامج دردشة (الجزء الأول)

كلامكم مولاي عبد السلام الجبلي أيقونة فذة من