مهرجان مقامات في دورته ال 14 يعيد النبض والحياة إلى قلب سلا

مهرجان مقامات في دورته ال 14 يعيد النبض والحياة إلى قلب سلا

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
674
6

الرباط: محمد بلال

 

نظمت مؤخرا جمعية أبي رقراق النسخة 14 من مهرجان مقامات، الذي اختارت له هذا العام شعارا محوريا ومهما يتمثل في “الملحون… مسارات ومقاربات جديدة”، كما أهدت فعاليات الدورة الجديدة فقيد الادب المغربي الراحل عباس الجراري.

الدورة الجديدة من المهرجان المنظمة من طرف جمعية أبي رقراق وبشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة-وبتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عمالة سلا، جاءت في سياق مواكبة تصنيف الملحون تراثا إنسانيا لا ماديا، وتوزعت أنشطتها عبر فضاءات أصيلة في سلا العتيقة مثل نسخة العام الماضي، وهي رواق باب فاس، وباب الصناعة البحرية، وساحة ضريح سيدي عبد الله بنحسون، وساحة سوق الغزل، ولأول مرة برج باب سبتة وباب احساين.

فضاءات عتيقة لأنشطة محورية

إلى جانب احتضان الفضاءات العتيقة لأنشطة محورية تتساوق مع شعار المهرجان، هناك فضاءات في سلا الحديثة حيث قررت جمعية أبي رقراق أن تشرك مختلف المناطق الكبرى لجارة العاصمة وساكنتها في مقامات 2024، والحديث هنا عن المركز الثقافي والاجتماعي لقرية أولاد موسى، ومركب التنشيط الثقافي تابريكت، إلى جانب المقر المركزي لجمعية أبي رقراق ببطانة.

ومن خلال النسخة 14 لمقامات، عاد النبض إلى قلب مدينة سلا التي تترقب ساكنتها هذا الحدث في موعده كل عام، وهذه المرة كان عريس الدورة الملحون، كما حضر الفقيد عباس الجراري الذي حمل لقب عميد الادب المغربي عن جدارة واستحقاق، ومن أجل ذلك كان البرنامج الذي سطرته الجمعية حافلا ومكثفا، فيه الكثير من الفرجة الفنية التراثية والاحتفاء بالأسماء الإبداعية الفنية والثقافية والفكرية، من خلال تقديم وتوقيع كتب صادرة حديثة، إلى جانب الحضور النوعي للحكاية والزجل كما كان عليه الأمر في النسخة 13 من المهرجان.

 

وعن الدورة 14 من مقامات قال نور الدين شماعو رئيس جمعية أبي رقراق في كلمة تضمنها كتب المهرجان، إنها “تعزير للشركات من أجل فعل منتظم وفعّال”، وأكد أن الدورات السابقة لهذا الحدث الثقافي والفني منذ تأسيسه سنة 2009، تشكل “محطات سنوية تسعى إلى تعزيز الشراكات مع الجهات العمومية، وتنظيمات المجتمع المدني، في إطار الانفتاح على من يتقاسمون مع الجمعية خصوصيات هذا المهرجان”.

الشعار المحوري للدورة 14 من مهرجان مقامات جسدته جمعية أبي رقراق في برنامج دقيق شدد على السعي للاحتفاء بالملحون من خلال مقاربات جديدة، لذلك كان جاء العمل الدرامي الافتتاحي مستمدا من الثقافة الامازيغية وتمت صياغة قصته وحواراته ببحور شعر الملحون وتمثل في ملحمة العشق “إيسلي وتسليت”.

خطوة أخرى في درب مواكبة تصنيف الملحون تراثا لا ماديا من طرف اليونسكو، تجلت في تسجيل وترويج الدفعة الأولى من الخزانة الصوتية لعيون قصائد شعراء الملحون السلاويين مند القرن 17، وتتكون هذه الدفعة من 10 قصائد تم توزيعها في أقراص مدمجة على متابعي أنشطة المهرجان.

لم يحضر الهاجس الفني والثقافي فقط في مهرجان مقامات، بل تجاوزه كالعادة إلى البعد الاجتماعي من خلال التشغيل المؤقت لأكثر من 350 من المثقفين والأدباء والفنانين الدراميين والموسيقيين والتقنيين والأعوان، وهو ما تحرص عليه إدارة المهرجان في كل دورة حيث يتم اشراك العديد من الفاعلين في مجالات الثقافة والفن والتنشيط ومختلف المجالات ذات الصلة بإنجاز فضاءات مقامات والسهر على سيرها العادي.

بالنسبة ليوم الافتتاح الذي احتضنه مركب التنشيط الفني والثقافي تابركيت، كان عبارة عن حفل مدته 90 دقيقة وتضمنت حصته الأولى تقديم الشريط التلفزيوني لملحمة العشق الأمازيغي “إيسلي وتسليت”، والذي أشرف عليه فكرة وإخراجا الباحث والمبدع عبد المجيد فنيش، وشخصه خيرة من الممثلين البارزين في المشهد الدرامي المغربي.

الحصة الثانية من حفل الافتتاح، هي عرض فني عبارة عن تركيب موسيقي لأربع قصائد تحكي قصة واحدة وصياغات مختلفة لملحمة “إيسلي وتسليت”، وأنشدها توفيق أبرام وعبد الطيف التوير ومصطفى الخليفي وأيوب كليدي، فيما التنسيق الموسيقي أشرف عليه التهامي بلحوات.

الملحون حضر أيضا في ساحة باب أحساين، من خلال أمسية احيتها ثلاث مجموعات، وفي السياق نفسه لأصالة الكلمة المغربية، فتحت ساحة سوق الغزل فضاءها لأمسية الزجل والحكاية شارك فيها 8 شعراء، كما احتضنت حفل توقيع وتقديم كتاب “قريحة اللواعج”.

حفل ملحوني آخر نقل عشاق مقامات إلى المقر المركزي لجمعية أبي رقراق، وتخصص في موضوع المهن الطبية ومهن التربية والتعليم وكرم خلاله البروفيسور الطاهر الأحرش والأستاذ سعيد حيان، إضافة إلى حفل ثان كحصة ثانية في المكان نفسه.

باب الصناعة البحرية حضر أيضا من خلال أمسية لأربع مجموعات شبابية في الفن العيساوي، فيما برج باب سبتة كان على موعد مع لقاء فكري حول “تاريخ أبرز أبراج سلا وأبوابها”، وبمعية الفكر استعاد مقامات الحسين السلاوي من خلال حفل فني تركيبي لبعض أغانيه.

وكعادة مقامات لم يودع عشاقه إلى بحفل ختامي باذخ، اختارت الجمعية لإحيائه ثلة من الفنانين والمنشدين يشاركون في تركيب موسيقي ملحوني لمقتطفات من قصائد الدفعة الأولى لذاكرة الخزانة الصوتية لشعراء الملحون السلاويين.

مركب التنشيط الثقافي والفني تابريكت في موعد الافتتاح والاختتام

رست سفينة مهرجان مقامات في دورته 14 في شاطئ الأصالة مرة أخرى، واختارت الملحون جسرا للعبور إلى موروث مغربي أمازيغي تمثل في ملحمة العشق “إيسلي وتسليت”، والتي خصص لها الحيز الأكبر من حفل قص شريط الدورة الجديدة من مهرجان تحول إلى حدث ثقافي وفني.

قبل حصة الإبحار في يم الموروث، توقف مهرجان مقامات لحظة عرفان تقديرا لعطاء رجل مميز رحل عنا، وهو عميد الأدب المغربي، عباس الجراري، وتسلمت حرمه درع الدورة 14 التي حملت اسمه من يد الوزيرة عواطف حيار، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، التي حضرت حفل الافتتاح إلى جانب الكاتبة العامة لوزارة الثقافة، وعمدة مدينة سلا ورئيس مجلس عمالة سلا ورئيس مقاطعة بطانة.

وامعانا في الاعتداد بالأصالة، كان صوت المقرئ الراحل عبد الرحمن بنموسى حاضرا بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلاه عزف النشيد الوطني، كما هي عادة جمعية أبي رقراق في كل أنشطتها الاشعاعية.

فقرات الحفل الافتتاحي كانت مبتكرة، وجسدت روح التمازج بين مختلف مكونات الثقافة المغربية الأصيلة، فكان الملحون لسانا يحكي قصة حب أسطورية لا زالت تجلياتها إلى يومنا هذا من خلال موسم الخطوبة بإملشيل، الذي هو امتدادا لعشق جارف وملحمة سطرها قلبا “إيسلي وتسليت”، الحصة الأولى حملت توقيع درامي سينمائي توثيقي، عبر شريط قصير تمازج فيه الأداء التشخيصي لممثلين مميزين وهم على التوالي: جمال أولاد بنشيبة، محمد المتوكل، سعيد بلكدار، محمد أبو سيف، طارق البقالي، إلهام بوطازومت، محمد زعر، كوثر بلكدار والطفل سليمان فنيش، والأداء الصوتي الشجي والقوي لكل من فاطمة حداد وسعيد بلمكي.

وخلف هذا الفريق الفني، يقف مهندس اللحظة صاحب الفكرة وتصميم الإخراج، المبدع عبد المجيد فنيش، ويوجد إلى جانبه في المساعدة على الإخراج، أحمد لحبابي، فيما الإنجاز التقني تكلف به داوود أسماخو، وفي المحافظة العامة نجد عمر بلعود، مهدي البكاري وعبد الرؤوف فنيش.

مباشرة بعد حصة الشريط القصير الذي أبدع وأمتع وجال بالحضور بإيجاز في ملحمة العشق الامازيغية بأشعار ملحونية، كان هذا الأخير أي فن الملحون، حاضرا في الحصة الثانية، وعاد إلى سرد قصة واحدة بصياغات مختلفة، من خلال تركيب موسيقي لأربع قصائد أبدعها كل من توفيق أبرام، وأيوب كليدي، ومصطفى الخليفي، وعبد اللطيف التوير، وأنشدتها أصواتهم خلف تنسيق موسيقي للفنان التهامي بلحوات.

اليوم السابع والأخير من دورة فقيد الأدب المغربي وعميده الراحل عباس الجراري، تحول إلى لحظة وداع حزينة نوعا ما، لكنها مشرقة في الوقت نفسه، لأن برنامج الدورة 14 جعل الكل يترقب الدورة 15 وما ستحمله من جديد في الاحتفاء بالأصالة والحداثة معا في مدينة الأسوار والأبواب ونهر أبي رقراق؟

من فوق خشبة مسرح مركب التنشيط الفني والثقافي تابريكت، صدحت أصوات كل من الفنانة المنشدة عائشة الدكالي، والفنان المنشد عبد الهادي بنغانم، والفنان المنشد سعيد بلمكي، الذين تناوبوا على إمتاع الجمهور بتلك القصائد العتيقة في فن الملحون السلاوي.

قبل فيض الملحون، كانت إطلالة بهية للفنان عدنان السفياني، ليسلم مشعل البهاء الأصيل للأصوات القوية السالفة الذكر، وفي الخلف الفرقة الموسيقية ومنسق الحفل موسيقيا الفنان التهامي بلحوات.

فقرات الحفل، تحولت إلى تفاعل مباشر للجمهور الذي غصت به قاعة المسرح، مع كل فنان يقف أمامهم لينشد بعضا من تلك الكنوز الشعرية الملحونية السلاوية، وافتتحت الفنانة عاشة الدكالي الوصال مع أصالة الكلمة، ليليها الفنان سعيد بالمكي، ثم الفنان عبد الهادي بنغانم.

وبالتناوب صال وجال نجوم الحفل الختامي في بقاع الملحون، بمقتطف من قصيدة “فن الملحون”، وصولا قصيدة غيثة، مرورا بسرابة سلا عن المدن وقصيدة التوسل، وقصيدة الصلاة على النبي، ثم ادريسية وسيدي عبد الله بنحسون، وأصل الزين السلاوي واستقلال المغرب والراديو والعشق والهوى وحاجة.

تلك كانت الوجبات التي فاضت على مائدة مهرجان مقامات في دورته 14، والتي تعد بدفعة جديدة تشتغل جمعية أبي رقراق على توثيقها وتسجيلها ضمن مشروع الذاكرة الصوتية لملحون السلاويين والذي ابتكره المبدع عبد المجيد فنيش.

رواق باب فاس يشهد مجددا عرس الكتاب:

طيلة الفترة الممتدة من ثاني إلى سادس يوليوز من يومات مهرجان مقامات، كان رواق باب فاس، وكالعادة لفضاء لعرس الكتاب، الذي تعتبره جمعية أبي رقراق أحد أعمدة البرمجة الأساسية للمهرجان، وكان اللقاء الأول المبرمج في هذا الفضاء العتيق، مع كتاب “شعر الملحون بحاضرة أزمور”، لصاحبه الباحث الدكتور عبد الإله جنان، الذي صال وجال بالحضور في متنه الأكاديمي، أما في الحصة الثانية من الاحتفاء بالكتاب، حضرت الشاعرة والفنانة التشكيلية لبابة لعلج، من خلال مؤلفها الموسوم بـ “ملحون وتشكيل”.

في كرسي التقديم والتسيير، جلس الفنان محمد متوكل، وهو يفتح باب رواق باب فاس بمؤلفات تتساوق مع محور الدورة 14 لمهرجان مقامات والمخصص للملحون مسارات ومقاربات جديدة، وكان للحضور النوعي والغفير أيضا، كلمة عقب التقديمات التي أوجز فيها أصحاب المؤلفات وتركوا أمام عشاق الكلمة الفرصة للتعبير عن شغفهم واهتمامهم بما قدم لهم ضمن هذه المأدبة المعرفية والابداعية.

اليوم الثاني لرواق باب فاس، وهو اليوم الثالث لمهرجان مقامات، شهد تقديم كتاب يتماشى مع محور الدورة 14، ويتعلق الأمر بـ “المدينة المغربية في الزجل والملحون”، لمؤلفه الدكتور الباحث السعيد بنفرحي، الذي يبدو أنه نهل كثيرا من معين العامية المغربية الوازنة في المعنى والمبنى، وأتحف الحضور بإشراقات زجلية وأخرى ملحونية، متوقفا عند التفاصيل الدقيقة لاحتفاء الشعراء الزجالين و”الملاحنية” بلغة أهل الملحون، بالمدينة المغربية خاصة في جانبها العتيق والأصيل، وحتى مسايرة المستجد فيها بما يتطلبه الرصد الإبداعي.

الاشراقة الثانية في حصة احتفاء جمعية أبي رقراق بالكتاب في مهرجانها الناجح، كانت مع “مقامات الرخام” للشاعر أحمد زنيبر، وبدوره أكرم الحضور بما جادت به قريحته الشعرية حين قرأ نصا ممتعا وبليغا، كما جال بجمهور رواق باب فاس في متنه وطبيعته وحمولته الإبداعية التي تحيل على محطات معينة.

زنيبر قارب مقاماته مع مقامات جمعية أبي رقراق، وكان التماهي في صناعة اللحظة المتألقة كل في مجال تخصصه، الشاعر بأشعاره والجمعية بتظاهرتها التي تحولت إلى موعد أساسي في الأجندة الثقافية والفنية الوطنية.

ودائما في رواق باب فاس، كان نصيبه في اليوم الرابع لمقامات من الوزن الثقيل دائما، حين احتضن تقديم وتوقيع كتاب “في مدار الأدب المغربي” لصاحبه الدكتور الباحث محمد حميدة، وفي الحصة الثانية حضر أحد رواد الإبداع الشعري الزجلي، المبدع أحمد لمسيح، من خلال تقديم مجموعته الشعرية الجديدة “وجوه في مراية المتوسط”.

كذلك كان اليوم الخامس والذي هو الرابع بالنسبة لرواق باب فاس، الذي عرف المزيد من الاحتفاء بالكلمة الوازنة والموزونة أيضا، بتوقيع وتقديم كتاب “دراسات في فن الملحون”، لصاحبه الدكتور الباحث عبد الوهاب الفيلالي، الذي أكرم الحضور بإضاءات وافية وشافية حول فن الملحون وتوقف مليا عند تصنيفه من طرف اليونسكو تراثا عالميا لا ماديا، أما الحصة الثانية فقد تمثلت في توقيع وتقديم كتاب آخر عبارة عن مجموعة شعرية عنوانها “القايدة طامو” للشاعرة فاطمة المنصوري، التي فاجأت الجمهور بمقطوعة غنائية من أشعارها، كما ألقى الشاعر مولاي علي السيجلماسي كلمة في حق مؤلفها وصاحبته أيضا.

وشهد الرواق نفسه، آخر لقاء من اللقاءات الفكرية والأدبية الخاصة برواق باب فاس، ومسك الختم كان عبارة عن تقديم كتاب “الأطعمة والأشربة في الصحراء” لمؤلفه الباحث إبراهيم الحيسن، الذي فتح أمام الحضور أبواب التفاصيل اليومية للمعيش في الصحراء المغربية، عبر جولة في المطبخ الصحراوي وأهم أو أبرز وجباته وطرق تحضريها، ليكون كتابا توثيقيا بامتياز، الكتاب الثاني الذي تم تقديمه وتوقيعه هو “ديوان المرايا في شعر الملحون والذكر العيساوي”، لصاحبه الشاعر عبد العزيز عماشي، كتاب من صنف آخر ومن قارة الشعر تحديدا، يغوص في الملحون والذكر العيساوي، بنفس إبداعي.

المديح والسماع يحلق في ساحة ضريح سيدي عبد الله بنحسون:

في الجهة العتيقة من سلا دائما، وغير بعيد عن رواق باب فاس، احتضنت ساحة ضريح سيدي عبد الله بنحسون، أمسية للمديح والسماع في جزئها الأول، وكانت الكلمة الروحانية صادحة في أرجاء تلك البقعة المحبوبة لدى أهل سلا.

وتناوبت على منصة الإنشاد، ثلاث طرق صوفية، تمثلت في الزاوية الحسونية، ثم الزاوية التيجانية، وتواصلت حصة الشدو الروحي مع مجموعة المديح والحضرة للقيدوم عبد المجيد بن الصادق الجعفري، ولم تبخل الفرق على الحضور بمزيد من التحليق في سماء لمديح والسماع بروحانيات تستمد جذورها من أصالة هذا الإنشاد المغربي العتيق.

الجزء الثاني من هذا الملتقى، اكتنزته جمعية أبي رقراق للجمهور العاشق، إلى اليوم ما قبل الأخير لمقامات، وبالضبط في السادس من يوليوز، حيث كانت الكلمة أيضا لفني المديح والسماع، وهذه المرة مع الشدو الروحي لـ 3 فرق صوفية، هي مجموعة الزاوية المباركية، والزاوية القادرية ثم الزاوية الحراثية.

الملحون سيد اللحظة في ساحة باب أحساين:

حظ الجانب العتيق من سلا كان وافرا جدا، والأكثر حظا ساحة باب أحساين التي احتضنت أمسية ملحونية في إطار شعار الدورة 14، حين صدحت تلك الأصوات الملحونية القوية لثلاث مجموعات يقودها كل من الفنان الناصري الشرقاوي، والفنان سامي العياشي، والفنان سعيد بن المكي، وتحولت ساحة باب أحساين إلى فضاء للمتعة الطربية الأصيلة والشعر المغربي العريق، لتشكل هذه الأمسية في فن الملحون إضافة نوعية وكمية لمجموع الأنشطة التي شهدها اليوم الثالث.

ساحة سوق الغزل تعانق الزجل والحكاية:

بالنسبة لساحة سوق الغزل، فقد مثلت جزء من حديقة مقامات في اليوم الرابع، واحتضنت أمسية الزجل والحكاية، وتمازجت فيها الكلمات مع الموسيقى التي عزفها الفنان عبد الإله حرة، وأبدع فيها 8 شعراء، وهم زهرة الزريق، وأبو بكر الفرجي، ونزهة الذهبي، وفاطمة البوزيدي، ومحمد الملوكي، ومحمد لعصايب ثم مصطفى العبريدي، إلى جانب حضور المنشد والشاعر المحلوني توفيق أبرام من خلال تقديم وتوقيع كتاب “قريحة اللواعج”.

الفن العيساوي يصدح في باب الصناعة البحرية:

في اليوم الخامس من مقامات، حج عشاق الفن العيسواي إلى فضاء باب الصناعة البحرية، الذي احتضن أمسية لأربع مجموعات شبابية في هذا الفن الأصيل، ويتعلق الأمر بكل من مجموعة المقدم عبد الهادي بنغانم، ومجموعة المقدم ياسر الري، ومجموعة المقدم محمد الطاباش، ثم مجموعة المقدم أحمد لوسيم.

وكانت الأجواء في باب الصناعة البحرية روحانية خالصة، برفقة إيقاع أصيل أبدعت فيه مجموعات شبابية عيساوية تحافظ على هذا الموروث الموسيقي الذي يدخل في باب الذكر والتقرب إلى الله ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.

الفكر والتاريخ في برج باب سبتة:

اما في اليوم الخامس، فقد استرجع مهرجان مقامات، ببرج باب سبتة، أحد القامات الشامخة في الفن الغنائي بمدينة سلا، ويتعلق الأمر بالفنان الراحل الحسين السلاوي، الذي بصم على حضور مميز، وذلك من خلال حفل فني تركيبي لبعض أغانيه أداها عبد الغني أنور، كما أبحر في موضوع مهم للغاية ويتمثل في “تاريخ أبرز أبراج سلا وأبوابها”، من خلال عرض قيم ألقاه محمد السعديين الذي غاص في عمق التاريخ التليد لمدينة سلا من خلال بعض معالمها الأصيلة وخصص عرضه لأبرز أبوابها وأبراجها، فيما نسق اللقاء الفكري محمد فؤاد قنديل.

المزيد من الملحون في المقر المركزي لجمعية أبي رقراق:

لم تنس جمعية أبي رقراق مقرها المركزي من البرمجة العامة للدورة 14 من مهرجان مقامات، بل خصته بلحظة عرفان ممزوجة بالشدو الملحوني الأصيل، ليصول فيه الملحون ويجول، عبر حفل خصص لموضوع “المهن الطبية ومهن التعليم والتربية”، وكرّم البروفيسور الطاهر الأحرش، والأستاذ سعيد حيان، من خلال ما جادت به قريحة الطبيبة والشاعرة لمياء الجم، فيما صدح صوت المنشدة عائشة الدكالي والمنشد سعيد العياشي الزرهوني ومجموعة الفنان مصطفى الخضراوي، بقصائد محورية في هذا الفن العالمي اللامادي.

المركز الثقافي والاجتماعي قرية أولاد موسى يتحول إلى محج للبراءة:

حوّل مهرجان مقامات في دورته 14، المركز الثقافي والاجتماعي قرية أولاد موسى، إلى محج يومي لأطفال هذا الحي الشعبي، الذين حجوا إليه في كل الصباحات وطيلة أيام المهرجان لحضور الورشات التأطيرية المتعددة الاهتمامات.

وأبدعت الفنانة والحكواتية زهرة الزريق، في تأطيرها لورشة الحكاية الشعبية، التي التأم حولها عدد كبير من الأطفال والشبان الذين انفتحوا على فن القول، فيما فتح الفنان محمد الحوضي، أبواب المسرح على مصراعيه أمام عشاق أبي الفنون من خلال ورشة المسرح، ثالث الورشات كانت تهم المعامل اليدوية والتربوية والتي أطرها الفنان محمد حنيف.

وعبر هذه الورشات التي تواصلت على مدار أيام مقامات من الثاني إلى السابع، أكد المهرجان أنه يستهدف كل سلا وكل سكانها المتعطشين للفرجة والإفادة معا، وهو ما عرفته باقي البرمجة التي خصصت لقرية أولاد موسى، ومنها حصص مسائية منها اللقاء المفتوح مع البروفسور الطبيب المختص في طب الأطفال، الطاهر الأحرش، الذي تمحور حديثه وحواره مع الحضور حول موضوع “من أجل صحة نفسية وجسدية في أوساط الأطفال والشباب”.

وكانت الرسالة واضحة من هذا اللقاء المفتوح، ومفادها الاهتمام بالجوانب الخفية والظاهرة من صحة أطفالنا وشبابنا، وتأتي على رأس القائمة الصحة النفسية التي كانت موضوع تقارير وطنية عدة، لذلك كان تركيز جمعية أبي رقراق على الموضوع كافتتاح للقاءات التواصلية المباشرة، يتماشى مع الرغبة في تحصين الأجيال المقبلة.

نقطة ضوء اخرى في أنشطة المركب الثقافي والاجتماعي لقرية أولاد موسى، تجلت في العرض المسرحي الموجه للأطفال، تحت عنوان “قرقاش في جزيرة الألوان”، الذي أعده وأخرجه الفنان عمر بلعود، كما أبهرت نجمة التمثيل في جهة العيون الساقية الحمراء، الفنانة أبا خادم الله، من خلال عرض مسرحي باللهجة الحسانية للصحراء المغربية حمل عنوان “شوية من بزاف”.

كما احتضن في اليوم الموالي، سهرة مع روائع الموسيقى الغيوانية أحيتها مجموعة “غيوان سلوان”، وأعادت الذاكرة إلى الزمن الجميل لمجموعة ناس الغيوان ومعها جيل المجموعات الغنائية التي أطربت وأمتعت، مثل جيل جيلالة والمشاهب وغيرها.

وزاد مقامات من بهجة الأطفال في اليوم الخامس أبهجه مهرجان مقامات بعرض مسرحي تربوي تحت عنوان “الشجرة المباركة”، الذي أخرجه يوسف بن الشاوي وقدمته فرقة سلا للفنون المسرحية.

المسرح دائما في موعد الفرجة في قرية أولاد موسى، وكان في اليوم السادس، العرض المسرحي الكوميدي الاجتماعي “الرشوة نشوة” لمؤلفه الراحل أحمد الطيب العلج، عبارة عن هدية المبدع عبد المجيد فنيش لجمهور قرية أولاد موسى وعموم السلاويين الذين حجوا لمشاهدة نجوم نادي مسرح أبي رقراق وهم يبدعون في هذا العمل المستلهم من التراث.

وفي اليوم السابع والأخير، خصت جمعية أبي رقراق المركب الثقافي والاجتماعي قرية أولاد موسى، بالحضور ضمن برمجة اليوم الختامي، إضافة إلى الورشات اليومية، حضرت فقرات كوميدية مع الفنانين عثمان هشام في شخصية جميل، والفنان القيدوم البهلوان زينو.

ختام نزاهة مقامات الفنية والثقافية:

مهرجان مقامات المنظم من طرف جمعية أبي رقراق وبشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة-وبتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عمالة سلا، أصر على أن تكون الدورة 14 عبارة عن إبحار أولا مواكبة لتصنيف الملحون تراثا لاماديا إنسانيا من طرف اليونسكو، وثانيا جولة في عمق المواقع الأصيلة لمدينة سلا، وثالثا إشراك لجميع ساكنة سلا بعتيقها وحديثها، في مجمل الأنشطة.

وبذلك تنتهي الأيام التي وصفها الجمهور بـ “النزاهة الفنية والثقافية”، وتختم جمعية أبي رقراق الدورة 14 من مهرجان مقامات بشعاره المحوري والأساسي “الملحون… مسارات ومقاربات جديدة”، الذي تمكنت البرمجة فعلا من مواكبة تصنيف الملحون تراثا إنسانيا لا ماديا، باستشراف الأفق المفتوح على الاجتهاد والتطوير والإبداع، مثلما كان حفل الافتتاح الذي جسد الانصهار الثقافي للأمة المغربية بسرد أسطورة “إسلي وتيسليت” عبر الملحون شعرا وأداء، إضافة إلى الحفل الختامي الذي تحول إلى تحية إكبار وتقدير لموروثنا الغني والثري.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. الاحتجاجات تتصاعد في جماعة حربيل تامنصورت: مهرجان التبوريدة في مواجهة أزمة النظافة

طارق أعراب في مشهد يعكس توترًا اجتماعيًا عميقًا،