اعتماد سلام تكتب: روايات البداية

اعتماد سلام تكتب: روايات البداية

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
640
6

بقلم : اعتماد سلام

كنت بصدد عبور شارع وسط طنجة. هناك ممر للراجلين لكن ليست هناك إشارات ضوئية، ربما لأن من عادة السائقين في الشمال عموما إعطاء الأولوية للراجل. انتظرت مرور سيارتين مسرعتين. سيارة بورش “سوداء لامعة”، تلتها سيارة جاغوار “سوداء لامعة” أيضا، وهذا الوصف كان يتكرر كثيرا في روايات/ قصص أحلام وعبير..

عبرت الشارع وعبرتني ذكريات البورش والجاغوار وأحلام وعبير.. كان البطل غالبا لديه سيارة من أحد هذين النوعين ويسكن في قصر، وكان في الغالب مغرورا وغامضا ولا يكشف عن مشاعره تجاه البطلة إلا مع وصول القصة/الرواية إلى آخر صفحتين.
أنا من جيل قرأ في بداية المراهقة معظم روايات عبير وأحلام وغادة، وأسماء أخرى لا أتذكرها قبل المرور إلى روايات أخرى كان يحضر فيها كذلك طيف الرومانسية، مثل نادية ورد قلبي ليوسف السباعي وغيره، وبعدها روايات نجيب محفوظ التي كانت تتوفر بكثرة في المكتبة المدرسية إلى جانب روايات مغربية قليلة.. إلى أن اتخذت قراءاتنا سبلا ومعايير أخرى وصرنا نضحك كثيرا عندما نتذكر ما فعلته بنا تلك الروايات/القصص، وترددنا باستمرار على سي سعيد، الكتبي الكريم في باب دكالة بمراكش الذي كان يستقبلنا بحبور، ويقبل أن نستبدل الرواية بمقابل أو بدون مقابل أحيانا، فكانت تنتقل عبر قارئات عديدات، كل واحدة تقرأها في ساعتين أو بضع ساعات على الأكثر. كان الأمر لمراهقات مثلنا أشبه بالسحر، أشبه بحلم جميل أو عالم مثالي ينتهي دائما بانتصار الخير واجتماع الحبيبين رغم كل ما حيك ضدهما ورغم كل الفوارق.

في أيامنا تلك، لم تحضر إلى معرض الكتاب واحدة من كاتبات هذه الروايات، ولكنها لو أتت في تلك المرحلة، أكاد أجزم أني كنت وصديقاتي سنفعل ما بوسعنا للقائها أو على الأقل كنت لأتحدث عن واحدة من تلك القصص التي تبدو لي الآن بلا قيمة أدبية ولا علاقة لها بالواقع (وقد تختلف معي قارئات أخريات)، كنت لأتحدث بكل ثقة، لأقول إنها تفتح عوالم الخيال وترسخ القيم وتنتصر للحب ووووو.. مثل تلك الثقة والتمكن اللذين تحدث بهما مئات المراهقين واليافعين أمام الكاميرات عن روايات الكاتب السعودي أسامة المسلم وهم يحجون بالآلاف قبل أيام إلى معرض الكتاب بالرباط للقاء أفضل روائي بالنسبة لهم كما قالت إحدى قارئاته بحماسة شديدة.. وربما تكون رواياته جديرة بهذا التقييم فأذواق القراء تختلف!.

أنا ممن لم يقرأوا لأسامة، بل وممن لم يسمعوا به قبل ما حدث في المعرض. ومثلي مثل باقي الناس المندهشين تساءلت كيف استطاع أن يفعلها ويجعل هذه الفئة تقرأ؟، منذ متى حدث ذلك وكيف؟، وما الذي يوجد في رواياته ولا يتوفر في روايات كتاب مغاربة وعرب آخرين؟، فيما قصّر هؤلاء وفيما أحسن أسامة؟، هل الأمر يتعلق بالتسويق في عصر التكنولوجيا أم أن الرداءة السائدة تنسحب على الذائقة القرائية أيضا؟ وهل هذا الأدب حقيقي أم أنه سحابة عابرة كما عبرت أحلام وعبير وأبطالها الغامضين من أصحاب البورش والجاغوار..؟.

والسؤال الأهم، هل نعرف هذا الجيل؟، جيل كذًب كل الأحكام المسبقة والاتهامات الموجهة له بعدم القراءة وأثبت أنه يقرأ وأنه يحمل كتابا، هو الذي كبر وفي يده هاتف. ذلك الهاتف الذي يعلمه على الأرجح أشياء عديدة نجهلها (أحسب أنها إيجابية)، اكتشفنا منها الآن وصدفة، حبه للقراءة وشغفه بروايات الفانتازيا والخيال العلمي، ولا أدري متى وماذا سنكتشف في مناسبات أخرى.. وبالصدفة أيضا.

ختاما، برأيي أن المهم هو أن يقرأ الشخص بانتظام، والوقت سيتكفل بأخذه في مسارات القراءة الصحيحة والمبدعة وسيصبح قادرا على قراءة الأعمال ذات القيمة الأدبية الرفيعة بالشغف ذاته الذي قرأ به روايات أحلام وعبير أو غيرها من الروايات التي تشبه “وجبات خفيفة جدا”.. ولن أشير في هذا الباب إلى روايات أسامة المسلم لأني كما ذكرت لم أطلع عليها وبالتالي أجهل قيمتها الأدبية.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

شاطئ سيدي موسى في الجديدة إقطاعية للبلطجة المسنودة بالنفوذ السلطوي

من عبد الواحد الطالبي – مراكش   تحول