متون المدينة.. كيف نحتفي بمراكش عاصمة ثقافية للعالم الإسلامي؟ 

متون المدينة.. كيف نحتفي بمراكش عاصمة ثقافية للعالم الإسلامي؟ 

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
1818
التعليقات على متون المدينة.. كيف نحتفي بمراكش عاصمة ثقافية للعالم الإسلامي؟  مغلقة

كتبها:  جعفر الكنسوسي

الجزء الأول 

 

أعلنت منظمة الإيسيسكو بشراكة وزارة الشباب والثقافة والتواصل ومجلس جماعة مراكش عن إقامة احتفاليات مراكش عاصمة ثقافية للعالم الإسلامي طيلة عام 1445ه/2024م.

ومن المفترض أن هذا الحدث التاريخي بالنسبة لمدينة مراكش يحتوي على مجموعة من الاقتراحات الثقافية والفنية والفكرية الكبرى التي تبرز الحضارة العالم الإسلامي. وقد لا تحُل هذه المناسبة بربوع المدينة إلا مرة في القرن!  فهذا تميز يمثل فرصة لإظهار متون مدينة مراكش الغنية وإبراز شأنها الحضاري بين الأمس واليوم من بين حواضر المنطقة المتوسطية. 

تعمل منظمة الإيسيسكو من أجل أهداف سطرتها في برنامج عواصم الثقافة في العالم الإسلامي يتجلى “في تقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع” من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة، مقترنة بحاضرة من الحواضر الإسلامية من مكانة مراكش.

وقد تقرر تعيين مراكش في قائمة المدن المزمع الإحتفاء بشأنها الثقافي والروحي في دجنبر 2001. حيث سبق لمدينة مغربية وحيدة هي فاس أن حَظيت بهذا الإختيار والتشريف عام 2007 من قِبل منظمة الإيسيسكو. 

 تسعى الجهات المنظمة إلى “التعريف بالثقافة الإسلامية وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدن التي تختار كعواصم ثقافية إسلامية ” بالنظر لما قامت به في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية. وتحرص هذه الاحتفاليات على تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها عالمنا اليوم وتؤكد على أن هذه المبادرات “تستدعي من المجتمع الدولي تضافر الجهود جميعاً على شتى المستويات من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر جمة”.

تنفرد مدينة مراكش بين المدن المغربية بذكرين إثنين في سجل التراث العالمي حيث حظيت بهذا التصنيف عامي 1985 و2001. بل وصرح نائب المدير العام لمنظمة اليونسكو سابقا فرانشيسكو باندارين في أكتوبر 2022 أثناء حضوره أعمال الندوة الدولية حاضر المدن العتيقة ومستقبلها في المغرب الكبير والشرق العربي في موسمية سماع مراكش المنظمة من قبل جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، أن مدينة مراكش داخل السور هي الوحيدة التي يميزها هذا التصنيف المزدوج في قائمة التراث العالمي للإنسانية.  وبعد سنوات قليلة تخلد بهجة المدن ذكرى ألف عام على تأسيسها عام 454 ه على يد رجل وامرأة، يوسف وزينب لما نُمعن النظر في المصادر التاريخية. 

شُرِع في إنجاز الورش الملكي التاريخي في المدينة العتيقة منذ يناير 2014. وتعتبر هذه التدخلات الضخمة استثنائية بالنظر إلى تاريخ مراكش منذ قرون. وتشهد على أن ما قدمه جلالة الملك محمد السادس لتراث مراكش المادي والمعنوي فريدا من خلال برنامج مراكش الحاضرة المتجددة وما انضاف إليه من تدابير، حيث لا يجد الخبير العمراني ما يضاهي هذه العناية الملكية من حيث ضخامتُها إلا بالرجوع إلى عصور زاهية خلت منذ قرون.  

يتطلع المجتمع المراكشي فعلا إلى تعيين الإرث الثقافي والروحي للمدينة والحفاظ عليه والعمل على إحيائه وتفهيمه وإعادة اعتباره وإصلاح مبانيه بل وترميمها بحسب المعايير العلمية المتعارف عليها من قبل ذوي الاختصاص. كما يطمح إلى تشجيع الأشخاص والمؤسسات على الانخراط في الدفاع عن هذه القضية الوطنية. وترنو المدينة أيضا إلى تعزيز مراكش بمؤسسات ثقافية رفيعة القدر، ذات مفعولية مستدامة حيث يتأتى لغنى مكونات تراث المغرب أن يتجدد باستمرار وحيوية. ومن جودة الرأي وبمناسبة هذه الاحتفاليات طيلة سنة 2024 أن تُعزَز مراكش العتيقة بمؤسسة لحماية تراثها وإفساح المجال لتنميته. 

 وتتطلع جمعية منية مراكش إلى أن تجعل من هذه الحاضرة مقامة عالية وبرزخا واسطا لحديث الشرق والغرب، وتُرجمانا لفنون المغرب والأندلس. ولهذا تمثل هذه الإحتفالية طيلة السنة المذكورة أعلاه تشريفا من جهة وفرصة استثنائية للعمل من أجل قضية المدينة من جهة أخرى.

ينبغي على المجتمع المدني المؤهل أن يأخذ مكانه ومكانته ويقترح ما عنده من حلول تُحذقها المعارف والخبرات ويتبنى دينامية كهذه التي يتيحها اليوم احتفاليات مراكش عاصمة الثقافة، ويؤكد على أن نجاح الحواضر الكبرى لا يتأتى إلا عبر إشراك المجتمع المدني. فعمل المجتمع المدني القوي بخبرائه وبشخصياته وخبراته وإنجازاته بمثابة الروح من جسد هائل ماثل أمام أعيننا.

هناك أماكن “موسومة”، مطبوعة، توجد في العالم، تتكلم، وتُحدث وقعا بليغا في ضمائر الناس ومن بينها مدينة مراكش العتيقة. فكلما صار العالم أكثر كثافة، فاقد المعنى، كلما توجه نحو مزيد من العولمة، كلما كان احتياجنا كبيرا لشارات موسومة ولأمكنة مطبوعة تكتنز هوية قوية جدا. لأن الناس، كل الناس على اختلاف أجناسهم وتعدد ثقافاتهم يتجمعون حول هذه الهُويات القوية بالذات أكثر فأكثر، ويمتحون منها. فالمدينة العتيقة هي بالأصالة ثقافية وتنتج إنتاجا غزيرا بالفعل غير منقطع.

وبهذه المناسبة نعرض رؤية تقدم اقتراحات نتبنى من خلالها منهجا عمليا بحسب مجالات المدينة إذا ما قسمناها بشقيها العتيق داخل السور والحديث (كحي جليز، الداوديات، النخيل، المحاميد، سيدي يوسف بن علي، الحي الحسني، سيدي غانم…) باعتبار المؤسسات الثقافية والمعاهد السياحية التي توجد في ترابها. 

بشأن المدينة العتيقة، نقترح أن يُعتبر سور مراكش التاريخي بأبراجه المجال الأول ويُنظر في تحوير بعض هذه الأبراج والأبواب التاريخية من وظيفتها الدفاعية سابقا إلى وظائف ثقافية تكشف عن زخم العمل الثقافي بالمدينة. ونعتبرها فرصة سانحة لإحياء تلك التقسيمات الحضرية العتيقة المهملة حاليا داخل السور، ما بين جانب شرقي نزله الأولياء والصالحين قديما وتساكنوا فيه مع الأوساط الشعبية ومحترفات الصنائع، وجانب غربي عمَّره رجال الدولة والأمراء وامتد نحو الجنوب في المدينة الملكية، حي القصبة حاليا. ونميز القلب التاريخي اليوسفي المحتضن قديما للجامعة والمدرسة وسكنى الطلبة بها وبيوتات العلماء من جهة وأسواق المدينة من جهة أخرى كمجال حضري رابع. ونذكر أن من بين هذه المعاهد التاريخية يشخُص إلى جانب حي ابن يوسف، حي الكتبيين، وساحة جامع الفناء كمجالين حضريين جديرين بأن يبرمج فيهما اقتراحات ثقافية قوية واستثنائية تستقبلها المعاهد الثقافية والسياحية الموجودة بكل مجال على حدة. 

أما المدينة الحديثة ومن جهة أخرى نحتسبها بأحيائها المعاصرة ومعاهدها الثقافية كحي جليز وما انضاف إليه. وبها يقترح أن تستقبل معاهدها الثقافية من رواقات للعرض الفني وفنادق سياحية ودور ثقافية ومعاهد موسيقية وطنية وأجنبية. 

وأما حي النخيل (المسمى قديما حي الجنانات) يفترض أن يحتضن اقتراحات ثقافية وفنية كبرى في معاهده الثقافية الرئيسة كمتحف فريد بلكاهية ومتحف النخيل ومرصد واحة النخيل.  وأخيرا نشير إلى الحي الصناعي سيدي غانم بأنشطته الثقافية ذات الصلة بالصنائع الحرفية. 

ويعتمد كذلك في هذه المقاربة إشراك فعاليات وطنية ذات الصيت الدولي في ميدان الثقافة ومجال تدبير الصناعات الثقافية. تُغتنم سنة مراكش هذه لإحداث مؤسسات ثقافية وازنة تعمل في ميدان المتاحف والتدبير الثقافي بكيفية مستدامة نظرا للخصاص الجَلِي بهذا الشأن وتدشن بالمناسبة، وذلك من أجل صون العناصر الثقافية التراثية وفي مقدمتها تلك التي تسلم شهاداتها النائب الأول لرئيسة المجلس الجماعي  من يدي المدير العام لمنظمة الإيسيسكو وبحضور وزير الثقافة بقصر الباهية يوم انطلاقة الإحتفالية. وهذه العناصر التراثية المسجلة أخيرا قد أكسبت لمراكش مكانة متقدمة زادت من مركزها التراثي.

وللتذكير فقد عمِلت جمعيات المجتمع المدني سنينا من أجل تحقيقها وأعني بها التراث غير المادي لساحة جامع الفناء والدقة المراكشية (المهددة بالانقراض والتمييع) وزهرية مراكش مراسم تقطير ماء الزهر، بل وحتى موقع تينمل الأثري الذي تُعوِزه مؤسسة ميراث الموحدين. وهذا بالإضافة إلى إنجاز مؤسسات ثقافية مرتقبة نذكر منها: ديوان الكتبيين ورياض الملحون ودار السماع ودار الحكواتيين وخلاصة ما نسوقه إنشاء دار المدينة العتيقة وهي عبارة عن مؤسسة ثقافية كبرى تعنى بالتعريف المُتحفي العلمي بالجوانب المعمارية والحضرية للمدينة، لقد حان الوقت الآن لنُفرد للمدينة العتيقة مكانا رمزيا يتوسط قلبها التاريخي، ويساعد على تفهيمها وإعادة الاعتبار لكِيانها المعماري والحضري، ويتم إبْلاغ الصغار والكبار من المواطنين والأجانب وأهل مراكش بأن هذا المغناطيس الحضري يجب ألا يظل لغزا غريبا. على العكس من ذلك، ستعمل هذه الدار “الموسومة” على تقديم فهم أفضل، طبقة تلو الأخرى، بفضل العلوم وخاصة التحليل الحضري والهندسة المعمارية التراثية ومعرفة الصنائع الحرفية بما فيها العمل المراكشي في البُنيان. وحاصله أن المدينة العتيقة تبقى ذلك الكائن المجهول الذي لم نوفيه حقه إلى حد اليوم. ونذكر ههنا أن كل هذه المشاريع المهيكلة حقا اقترحها المجتمع المدني في أبريل 2022 لما دُعي لإبداء رأيه وتقديم اقتراحاته خلال ملتقى مخطط التدبير الجماعي المنظم من قبل بلدية مراكش حيث تمت المصادقة عليه في دورته العادية. 

وتؤكد هذه الرؤية كذلك على الجانب السمعي البصري ولربما حان الوقت لتعزيز المدينة بقناة تلفزية رقمية تعنى بالسُّمك الثقافي للمدينة عبر العصور وألا نكتفي بمُقاربة معرفية وفنية تكرس فهما ظاهريا حديثا لا يستنفذ مادة المدينة قديمها وحديثها.  

ونسوق مثالا واحدا في تفاصيله هو موقع الكتبيين. نقترح أن تنكبَّ برمجة المضامين الثقافية على النحو التالي:

 

 المضامين الثقافية 

  ويمكن أن نفتتح هذه الإقتراحات بصحف مراكش الأولى من كتب أُلفت في زمن تأسيس المدينة نذكر من بينها على سبيل المثال كتاب السياسة للمرادي، كتاب التبيان لابن زيري، كتاب محاسن المجالس لابن العريف، كتاب تدبير المتوحد لابن باجة، تفسير القرآن الكريم لابن برجان، كتاب المعجب للمراكشي، قلائد العقيان لإبن خاقان، كتاب التشوف للتادلي…

يقترح أن تُتناول هذه الكتب بتقديمها في ندوات علمية جامعية بالإضافة إلى العمل على طبعها طبعة جديدة بمناسبة هذه الاحتفاليات ونشرها على أوسع نطاق. 

ونسوق ههنا كذلك نموذج موقع الكتبيين وما يمكن أن يبرمج في معلماته التاريخية في مقدمتها جامع الكتبيين المعلمة (المنبر الأثري، الموقع التاريخي الأثري، المطفية، المُنشأة الحضرية العصرية، باحة الكتبيين، روضة شيخ الأشياخ الجيلالي أمتيرد، دار مولاي علي إقامة القنصل الفرنسي حاليا.)

والإقتراحات الثقافية نعد منها مثلا: ديوان الكتبية-معرض الكتبيين: وهو عبارة عن معرض كبير استثنائي يقام في باحة الكتبيين ويبرز الصلات التاريخية القوية بين مراكش عامة وحي الكتبيين خاصة ومهن الكتاب والفنيين العاملين فيه كالخطاطين والنساخين والمنمقين والمسفرين والمذهبين وحرف الكتاب من كتبيين ومكتبيين إجمالا. ويكشف عن زقاق الكتبيين الأثري المعروف والموجود تحت أرضية الباحة. ويقترح أن يقام المعرض الجهوي للكتاب الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل سنويا في نفس توقيت معرض ديوان الكتبية هذا الاقتراح الثقافي الكبير. 

 

يمكنك ايضا ان تقرأ

مشروع القطار السريع بين مراكش وأكادير: خطوة جديدة عبر دراسة التربة بجنان أبريكة

نورالدين بازين شهدت منطقة سيدي غانم بمراكش، صباح