بدا صوت الخطيب خافتا وكأنه يتحسس الطريق ، مترددا فاقدا للقوة.طريقته بالكاد تسمع من خلالها كلمات مفككة دون ان تقف لها على المعنى.لم يكن في الوقت متسع.بعدمارفع الآذان فجاءت الخطبة مفرغة من لمسةإبداع ولا اجتهاد سوى التركيز على المشهور من الأقوال في مضمون الكلام ، دون أن يوسع الطرح في بناء شمولي يدعو لتنمية الشعور بفضاء أرحب اسمه الأمة.ساق كلاما في الصدقة وفصل في مزايا البذل ودقق في عقاب البخل وبين جزاء العطاء.وكيف نعيش أجواء شهر فضيل كله مغفرة وعتق من النار.المصلون الذين غصت بهم فضاءات المسجد وجنباته حتى غلقت الشوارع المحادية له يستمعون لكلام الخطيب الذي حثهم على الالتفات للمحرومين. وأنها فرصة قد لاندركها .فكثير منا غادر الحياة دون ان يبلغ أجر هذا الشهر والصدقة وفعل الخير . عزز شرحه بكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لعلها تصيب الهدف في التبليغ والتأثير .
كنت انتظرفي الخطبةادراجاخفيفا لطيفاولو من باب الاهتمام بالعنوان الأشمل أننا امة الاسلام نهتم بأمور اخواننا في جميع اصقاع العالم وعلى رأسهم اهل غزة الذين فقدوا شروط العيش في حرب مستعرة همجية فاقدة لكل الأخلاق والابعاد الانسانية كان علينا ان نطرح مأساتهم بما يعزز الاحساس والشعور بالانتماء .وكيف يستقيم العيش لنا جميعا واخوة لنا تحت الة القصف والقهر .كيف حوصروا من كل جانب دون أن نجد لهم منفذا يستطيعون من خلاله انقاذ ارواح بريئة.كل هذه الصور التي تصلنا تباعا وهي تنقل لنا حياة بدائية قل فيها الطعام والجميع تحت الركام وهي ادانةصريحةلنا جميعا بعدما لذنا جميعا بالصمت فيما يشبه الى حد بعيد التواطؤ وكأننا ننتظر ابادة جماعية ومسحا جغرافيا من الخريطة لغزة في خطة لم يعرف التاريخ مثيلا لها من قبل .
ختم الامام خطبته بالدعاء بذكر غزة مرة واحدة وفلسطين دون ان يذكرالمعتدي بالاسم ولا باوصافه المعروفة .فتسأءلت مع نفسي هل لهذه الدرجة اصبحنا من الخذلان حتى في خطبنا لم نعد قادرين على تسمية الأشياء بمسمياتها. نعطف على ضمير الغائب المستتر كثير من الافعال دون ذكر الفاعل الرئيسي ولا حتى الاشارة لإدانته بما يترجم غضب الشارع. ابلغت بنا درجة التطبيع أن نتخلى حتى عن الكلام والتعبير ؟ لكن ليس صدفة مادمنا نسمع بمنع مبادرة بانعقادندوة القدس شمالابكليةتطوان وغيرهامن التضييقات على الأصوات الحرة التي اصبحت خارج اسوار الخطاب الرسمي للحكومة ، بل هناك محاكمات في حق نشيطين رفعوا شعار المقاطعة في وجه كل الشركات الداعمة للكيان الصهيوني وضد اي سلوك يداهن المغتصب .
لقد صرنا نضمر الاحتجاج في دواخلنا من هذا التبرم الذي يمارس في فضاءاتنا الروحية التي كانت الى عهد قريب متنفسا لنا للتعبير عن استنكارنا لكل السلوكات المنافية للاخلاق والمبادئ. أمام وضعية نشاز ساد الصمت فيهاوطبعنا معه دون تسجيل موقف سلمي امام هذا الكم من الظلم المسلط على رقاب شعب اعزل مستضعف، صمنا عن الكلام واستسلمنا لواقع الحال حين وجدنا أنفسنا امام الحديث الشريف في حضرة الخطيب (ومن لغا فلاجمعة له).
ذ .ادريس المغلشي .