بقلم: الدكتور إسماعيل شعوف*
ان من يعرف حزبنا بالأمس واليوم لم تتح له فرصة معرفته على صورته الحقيقية ودوره المهم في سياق نشأته وفي السياق الحالي. عند النشأة حجبت أوهام القبيلة (بتعبير فرانسيس بيكون) المتكونة لدى فاعلين سياسيين تقليديين و تقليدانيين لم يرغبوا فيمن يتقاسم معهم الساحة السياسية المهترئة ولم تعد خطاباتهم جذابة للجماهير ولم تعد السياسة بسببهم موضوعا للعامة. ألصقوا بحزب الأصالة والمعاصرة نعوتا سلبية جاهزة وسهلة التأليف وبنوا أوهامهم على فكرة قرنت ظلما بين العودة لعهد بائد للتحكم السياسي والتسلط وبين دينامية سياسية ورجة سياسية جذابة أحدثها الحزب عند أولى تحركاته أفزعت شيوخ السياسة الاعتياديين داخل أحزابهم المتلاشية ذات الخطب التي لا يحاكي العهد الجديد لنظام الحكم بالمغرب ولا تحاكي فكر الشباب المغربي الذي تكونت لديه قناعة قاتلة حول السياسة و لا يراها الا كقوى للشر و مجال للانتهازية و استغلال النفوذ و تبادل المصالح. يجب الاعتراف أنه حتى بعض قادة الأحزاب الذين تنصب لخطبهم المنصات والمسارح كانوا مغرمين بحزب الأصالة والمعاصرة سواء كفكرة أو كفرصة وبالفعل شهدنا تفكيك أحزاب وانهيار بعضها وخوف البعض الاخر على ما تبقى لديها من رأسمال بشري. هذه الحركية بعيوبها وميزاتها جعلت الشعب المغربي يتحدث “السياسة” وهو مطلب حيوي ووطني وصحي للحياة العامة بوطننا المغرب.
في السياق الحالي للحزب يتم الحديث عن اعتلالات الحزب ومشاكله المتعددة كما لو أنها أمور حصرية على حزبنا والحال أن المشاكل مرادف للحركة و نقيض للجمود الذي اعتاده المنزعجون من حزب اختار لنفسه النهل من الماضي و التنظير للمستقبل. تجدر الإشارة في هذا الاطار الى أن عمر الحزب الان خمسة عشر سنة و هو عمر قصير في سياق بناء التنظيمات السياسية و ما يفترضه النضج الكافي للمرور للطاقة القصوى للعطاء الحزبي في سياق سياسي و اجتماعي كالذي نعيشه بالمغرب كدولة اختارت لنفسها الدمقراطية و نهجت حكما مستنيرا تميز بمفاهيم متعددة و حديثة لم تبرز في السابق بشكلها الواضح كالعدالة الاجتماعية و المفهوم الجديد للسلطة و الانصاف و المصالحة و اصلاح الحقل الديني و التنمية البشرية و مشاريع حماية الأسرة كالمدونة و فصل السلط القضائية عن النيابة العامة و كل ما تميز به المغرب في السنوات الأخيرة.
الأعين والأنظار دائما ستكون متجهة للحزب الذي يثير الجدل والوقت حان ليثار الجدل حولنا من خلال استباقنا لمشاريع و مبادرات سياسية لتخليق الحياة السياسية و العامة و المتعلقة بحزبنا داخليا كذلك و بصورته خارجيا و ممارسة نقد ذاتي ناضج و واع بصعوبة السياق الحالي. لن يتأتى ذلك دون قيادة منظومية Leadership Systémique وأخلاقية Ethique خلاقة Créatif. لبلوغ ذلك نحتاج لتجرد تام من كل التأثيرات وكل أشكال المحاباة والمجاملة و لإعمال فكر موضوعي و جرد دقيق للبروفايلات المطروحة لتولي زمام قيادة الحزب في السياق الوطني الحالي الصعب و من خلال تقويم اسهامنا في التدبير الحكومي كذلك. الأكيد أن مسألة التدافع و التنافس مبدأين طبيعيين داخل كل تنظيم سواء كان تنظيما عاديا أو ذو طبيعة سياسية و لكن ما يمر به الحزب حاليا من ظروف صعبة مست بصورته عند المغاربة يجعلنا نتطلع لقيادة تجميع لا تفريق، قيادة سياسية ناجحة في القطاعات الحكومية و التدبيرية و المسؤوليات التي تدبرها، نحتاج لقيادة تمتاز بالتوازن و الحكمة، قيادة التوافقات و التواصل السياسي المحكم، قيادة عايشت نشأة الحزب و عارفة بخباياه تتجلى فيها الشرعية الحزبية، قيادة جريئة بمواقف ثابتة داخل الحزب و مع محاوريها الخارجيين، أو على الأقل قيادة يحترمها الجميع و قادرة على اعادة الاحترام للحزب كحزب يعكس فعليا القوة السياسية الثانية في المغرب و المتشبعة بالثوابت الوطنية للوطن لأن أي تفريط فيما تبقى من منسوب الثقة في حزبنا بخطإ في الاختيارات سيكون ثمنه باهضا و غير قابل للإصلاح في المستقبل. في هذا الإطار وبموضوعية كبيرة وفي احترام تام لمختلف القيادات بحزبنا، فاطمة الزهراء المنصوري هي سيدة المرحلة بكل المقاييس لكل الاعتبارات السابقة وأهمها الاجماع الذي تحضى به بين مختلف مناضلات ومناضلي الحزب وفي مختلف الجهات بالرغم من عدم تعبيرها لحد الان عن رغبتها في تولي زمام القيادة الحزبية. حتى الأمين العام الحالي الأخ عبد اللطيف وهبي الذي نحترم تجربته ينعتها عند الحديث عنها ب “ضمير الحزب” وهي كذلك فعلا من خلال مواقفها الجريئة إضافة لكوننا في حاجة ماسة اليوم لضمير حزبي يخرجنا من عنق زجاجة رافقت النشأة والمسار وظلم حجب عن الناس الجانب المشرق في حزبنا و في عطاء مناضلاته و مناضليه. فلنقيم كذلك حركية قيادي كبير في الحزب و رئيس قطب التنظيم به الاستاذ سمير كودار، هذا الأخير الذي يدري كل فروع الحزب وطنيا و أحدث دينامية جديدة و هيكلة للحزب و تنظيماته الموازية غير مسبوقة. هذا الاخير لا ينفك يشير لدعمه لفاطمة الزهراء المنصوري ليس محاباة و لكن لمعرفته القريبة بكونها انسب قائد للحزب في الظرفية الحالية و كذلك يفعل الوزير مهدي بنسعيد عندما تتناول أطراف الحديث ذكر اسمها.تحذونا الرغبة كذلك في أن يكون لنا شرف رئاسة حزبنا من طرف قيادة نسوية بعد أن كانت أول عمدة بالمغرب في السابق وهي الان أنشط وزير في الحكومة الحالية والأقل انتقادا إعلاميا. طرحنا هنا ليس توجيها أو ورقة تحمل رسائل مشفرة بل تحليلا موضوعيا تمليه علينا الوضعية الحزبية الحالية ومسؤوليتنا كعضو بالمجلس الوطني للحزب وكذلك في خضم استعدادنا للمؤتمر الخامس الذي نعقد عليه امالا كبيرة لتصحيح المسارات ولإعادة الجاذبية للعمل السياسي ولتجنب الموت التنظيمي للحزب الذي يطالب الجميع ظلما برأسه منذ النشأة. الحزب فكرة يتداولها أفراد يصيبون ويخطئون وتجربة يجب أن نسعى ضمنها لخلق مكان لكل من يرغب في العمل ضمن صفوفنا و لا ينبغي أن نتأثر أكثر من اللازم بما يقترفه البعض في سياقات خاصة و شخصية قد تسيء لأنفسهم و لتنظيمهم الحزبي و لننظر للمؤتمر المقبل كفضاء للنقاش و صياغة الضوابط و الورقات السياسية المؤطرة لهويتنا الحزبية و لنشاط عضواتنا و أعضائنا الذين لا تعوزهم الكفاءة و التجربة لإغناء الفضاء العام بمبادرات تنموية و فكرية و سياسية تتماشى و التطورات الوطنية و الدولية.
* أستاذ التعليم العالي
عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة