“دولة الفرّاشة”

“دولة الفرّاشة”

- ‎فيرأي, في الواجهة
810
التعليقات على “دولة الفرّاشة” مغلقة

بقلم: عبد الدين حمروش

تبدو الظاهرة عامة في جميع مدن المغرب. ظاهرة الفرّاشة، التي عجزت السلطات المحلية عن وضع حل لها، صارت موجودة، اليوم، في أكثر من شارع وساحة. وإن لم يكن لها وقت محدد، حيث يعرض الفرّاشة مفروشاتهم، الا ان بدايتها الرسمية تنطلق مع ساعات ما بعد الزوال، ثم لا تنتهي إلا عند منتصف الليل.

ظاهرة الفرّاشة قديمة في المدن المغربية، لولا أنها باتت تبدو، في الوقت الحالي، أكثر اتساعا وانتظاما. في أكثر من نقطة، تتحول الشوارع والساحات إلى أماكن مزدحمة بالسلع المعروضة للبيع، من مختلف الأنواع والاستعمالات. هكذا، يلتقي بيع الملابس مع بيع الاحذية، اواني الطبخ مع بعض أدوات النجارة والميكانيك، وهلم جرا. غير ان السمة الموحدة لتلك المعروضات، هي أنها تكون، في معظمها، قديمة، أي سابقة الاستعمال.

وإن كانت الأشياء المعروضة على جنبات الشوارع قديمة، في الأغلب الاعم، الا أنها تحظى بقدر من الإقبال. اجتماع المعروضات، من مختلف الأنواع والاستعمال، في مكان واحد، يغري المتسوقين، الباحثين عن النادر من السلع، ولو أنها مستعملة. وان كانت ظاهرة الفرّاشة موجودة في غير قليل من الدول الأوروبية، الا أنها أكثر تنظيما هناك، بالمقارنة مع العشوائية التي تبدو عليها عندنا.

ومظاهر العشوائية، التي نلاحظها في مدننا، تنتج عنها آثار سلبية كثيرة، منها: احتلال الملك العمومي، خلق الازدحام في الشوارع العامة، حيث يحتشد الفرّاشة، عدم استفادة الخزانة العامة من جبايات البيع والشراء، انتشار الازبال والمخلفات…

هكذا، تتحول الشوارع العامة، التي تشهد إقبال المتجولين، إلى أماكن تجارية، على الرغم من أنف السلطات. كل المحاولات، التي شرعت من اجل تنظيم التجارة العشوائية، باءت بالفشل حتى الان. وأبرز مظهر للفشل، انه بمجرد ان تنتهي حملات تخليص الملك العمومي، حتى يعود الفرّاشة وأرباب المقاهي وبائعو الخضر على العربات المجرورة إلى عهدهم السابق. وفي سياق تعيين السيد محمد امهيدية واليا على مدينة الدار البيضاء، بات الحديث عن ضرورة تهيئة العاصمة الاقتصادية، بحيث تصير جديرة بهذا التوصيف. وبالطبع، فإن الهدف الأول، في هذا الاطار، هو إيقاف زحف القرية نحو المدينة، أو إيقاف ما سمي ظاهرة “ترييف المدن”.

ما من شك في ان الوضع الاجتماعي آخذ في الانحدار، ما يدفع إلى ظهور مظاهر العشوائية في مدننا. ولذلك، فإن أية مقاربة سليمة ينبغي ان تكون مندمجة شاملة، بحيث تأخذ بعين الاعتبار اهمية تقليص اتساع مظاهر الفقر والهشاشة. ما نريد التعبير عنه هاهنا، هو أنه لا يمكن مقاربة ظاهرة الفرّاشة، وهي في صلب موضوعنا، اليوم، مقاربة أمنية تحكمية بالأساس.
المحاولات السابقة، سي امهيدية، ناطقة بالفشل. والدار البيضاء ليست هي طنجة أو وجدة او الصخيرات.

يمكنك ايضا ان تقرأ

جمعيات حقوقية تؤسس لتحالف من أجل تعزيز قيم المواطنة واحترام حقوق الإنسان

كلامكم أعلنت التنسيقية الوطنية لعدد من جمعيات المجتمع