عن الزلزال.. كأنه العشاء الأخير.

عن الزلزال.. كأنه العشاء الأخير.

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
406
6

بقلم: محمد آيت لعميم

قبل أسبوعين كنت اقضي عطلتي في الرباط ، تواعدت وصديقي الناقد خالد بلقاسم في مقهى متحف الرباط للفنون، تجاذبنا اطراف الحديث في مواضيع شتى ، حتى طلب مني مقالة لمجلة بيت الشعر ،فقلت له لدي نص قوي ترجمته تحت عنوان ” خراب الخراب” اعجب بالعنوان ، واردفت قائلا ، أن المقالة تفتتح بجملة لجاك دريدا يقول فيها: ” في البدء كان الخراب” ، واستمر الحديث فأشرت إلى فكرة عنت لي من خلال المقالة أن الشعر العربي دشن القصيدة بعنصر يحيل إلى الخراب في مقدماته الطللية ، وقلت له سأعيد قراءة هذه المقدمات من خلال هذه البدئية الخرابية، لم أكن أعرف أن هذا الحديث سيتحقق بعد مضي اسبوعين في تلك الليلة الرهيبة ، التي لم يسبق لنا أن عشنا مثلها من قبل ، رغم اننا ادركنا زلزالا في زمن السبعينيات في ايام عيد الاضحى، لكنه لم يكن بهذا العنف والرعب. ليلة الزلزال ، حتى حدود الساعة الحادية عشرة ليلا يوم الجمعة ،8، شتنبر 2023، كانت الأجواء هادئة ، قضيت اليوم في هناء وسرور ، تلك الليلة ، كنت في مقهى اقرأ في كتاب، مع العاشرة والربع ، قمت من المقهى ، وتوجهت إلى منزلنا بحي كاسطور ، عند والدتي، دخلت المنزل وبعد قليل خرجت لاتناول عشائي بمطعم يوجد في الطابق الارضي من منزلنا ، كان الناس متحلقين وجالسين في المطعم، مع ابنائهم ، فرحين والجو كان جميلا، اقتعدت طاولة قرب الرصيف، انتظر عشائي، كان عبارة عن كبد مشوي ، بدات في تناول كبد لذيذ، والجو هادئ وجميل ، لاشيء ينذر بشيء، آخر لقمة ذهبت بها الى فمي ، لا أعرف إلى حدود الآن هل وصلت إلى فمي أم ارجعتها إلى الصحن ، كان هاتفي على الطاولة ، فسمعت صوتا رهيبا اصطكت له اذني ، فاعتقدت أن طائرة ارتطمت ببيتنا ، صوت كأن وحشا اسطوريا انبعث من تحت الارض ، توقف ذهني ، ونهضت مسرعا ، وجدتني في الضفة الاخرى من الشارع ، والتفت وجدت الناس مذهولين ،هناك من بقي في مكانه لايعرف ما يفعل ، بدأت أنظر إلى بيتنا والبيوت المجاورة تهتز وتترنح أدركت أنه الزلزال ، مرت في ذهني أفكار سوداء ، أمي في فراشها تستعد للنوم ، كان معها أخي ، هي اعتقدت أن آلة الغسيل اشتغلت ، أخي عرف أنه الزلزال ،فخطفها وخرج بها مسرعا إلى الخارج ، حين نهضت بدأت ابحث عن مكان منعزل عن البيوت خشيت أن تنهار ، وانا اسرع الخطى على الاسفلت احسست كانني امشي على سجاد متحرك ، كدت افقد توازني، ظل الصوت المرعب يتردد صداه في أذني ، وشعرت كأنني في سكر ، الغريب انني اعتقدت أن الزلزال ضرب بيتنا والمنازل المجاورة ، اتصلت بابنائي وزوجتي، كان الخط مقطوعا، طلبت من أخي أن يوصلني إلى بيتي ، في الطريق رأيت الناس مذعورين يفرون من منازلهم ، اذاك فهمت أن الأمر أصاب الكل ، حين وصلت إلى بيتي في حي سكوما ، وجدت الناس مجمهرين ، وكل يحكي قصته، والرعب الذي أصابه، وجدت بنتي قد خرجتا من المنزل ، زوجتي كانت مع اسرتها في احدى المطاعم ، وقد حكت لي فيما بعد الهول الذي عاشوه اثناء الهزة الارضية العنيقة ، حيث انقطعت الكهرباء والناس تجري في اتجاهات مختلفة وصراخ وهلع للاطفال. كانت ليلة رهيبة ،في ثوان معدودات تغيرت الأمور ، كانت الرجة القوية سببا في رجة نفسية وذهنية ، في تلك الليلة لم نعد قادرين على الدخول الى دفئ المأوى ، تحولت المنازل الى أمكنة معادية ، أحوجتنا الى المبيت في العراء ، من حسن حظي أن بيتي يوجد في ضيعة ، امامه هناك فراغات وشجر ، بدأ ساكنة الحي واناس من احياء أخرى يتقاطرون على هذا المكان باغطيتهم ليفترشوا الارض تحت سماء بلا نجوم، بت الليلة في هذا المكان مع اسرتي ، فضلت ان انام في سيارتي، لم نر النوم تلك الليلة ، لان الهاتف لم يتوقف ابنائي في اوربا كانوا خائفين فباتوا معنا في الهاتف يطمئنون عنا ، كانت الاخبار تأتي تباعا عن طبيعة الزلزال وقوته ، وعن بؤرته في منطقة جبلية ، هي التي تضررت بشكل كبير ، هناك ضحايا وشهداء وجرحى ومصابين كثر ، وانا اتابع لحظات ماخلف الزلزال بكيت على ضحاياه، وبكيت لما شاهدت في فيديو صومعة الكتبية المسجد الموحدي القديم تترنح يمينا وشمالا. ليلة رهيبة ، اسكرتني، فتذكرت الاية ” وترى الناس سكارى وما هم بسكارى”، ليلة جعلتني اتامل في وجود الانسان الذي يعيش على حافة الخطر ، وانشدت في خاطري ” انما الناس سطور كتبت لكن بماء” هناك هشاشة في الوجود ، يمكن ان يطوى في اي لحظة ومن دون انذار . اذا كانت الكوارث في ظاهرها نقم ، فانها يبدو أنها تنطوي على شيء قد يعود بالايجاب ، أعحبني تضامن الشعب ، والجوهر النقي للنفوس التي هبت للانقاذ والمساعدة ، وهذا أمر ايجابي أن يهب الانسان لانقاذ الانسان ، ولابد ايضا من انقاذ الحجر ، في إعادة اعمار للمنازل المتضررة بالمدينة وبالحوز في الجبل بمعايير ضد الزلازل . وبفك العزلة عن المناطق الوعرة في الجبال. وخلاصة القول هانحن في ظرف وجيز عشنا كارثتين ، احداهما الزمتنا البيوت وأخرى أخرجتنا منها ، فبين الحجر والهجر ستتغير نظرتنا للوجود وللعالم وللعلاقات الاجتماعية واستخلاص دروس حقيقية من هذه العلامات القاسية.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو. الاحتجاجات تتصاعد في جماعة حربيل تامنصورت: مهرجان التبوريدة في مواجهة أزمة النظافة

طارق أعراب في مشهد يعكس توترًا اجتماعيًا عميقًا،