بقلم: اعتماد سلام
عدت لطنجة،
وتركت قلبي عند أهلنا في المناطق المنكوبة.
عدت محملة بمشاهد الدمار والحزن والألم..
ولكن أيضا، بصور التضامن والإيمان والاحتساب والكرم.
ما رأيته من صبر فاقدين للأنفس والأموال والمأوى أعجز عن وصفه.
ما وقفت عليه من تضامن المغاربة من كل حدب وصوب لا يمكن التعبير عنه.
وما عاينته من نكران ذات وتفان وتضحية من قبل رجال الإنقاذ، فرق الوقاية المدنية، القوات المسلحة الملكية والأطر الطبية ووووو.. أكبر من أن أتحدث عنه.
هذا بلدنا الذي نفرح بشكل جماعي عندما يفرح، ونحزن بشكل جماعي عندما يحزن، بل إن حجم مشاعر الفخر بالانتماء للمغرب ورايتنا ترفرف في المربع الذهبي لكأس العالم بدا ضئيلا جدا أمام مشاعر الفخر بالانتماء لهذا الوطن وهو يواجه فاجعة بحجم زلزال أودى بحياة الآلاف ودمر مناطق شاسعة. وطن لم يضعف ولم يرتبك أمام هول فاجعة كبرى، واجهها ولازال بثبات وإيمان. امتدت الأيادي من كل مكان، بسرعة وعفوية ونية وجدية كذلك، تجند الجميع، كل من موقعه وكل بما استطاع حتى ولو بنصف كيس من الدقيق، حتى لو ذهب لينتظر ساعات في طابور طويل من أجل التبرع بدمه وهو يعرف أنه لن يسمح له لتجاوزه السن المحددة لكنه تمسك بالمحاولة أملا في أن تكسر عزيمته وإنسانيته القواعد الطبية.
أي وحدة وأي تكافل وأي صبر وإيمان وقوة وقناعة ورضا.. رجل فقد والديه وزوجته وأطفاله الثلاثة وأفرادا آخرين من عائلته، تجده صابرا وصامدا يساعد في إرشاد المارين عبر طرقات جبلية وعرة ويوزع عليهم قنينات المياه. عجوز لوحدها في خيمة بعدما خسرت كل شيء وهي في آخر العمر، تردد “الحمد لله على بلادنا وعلى ما قدر الله لنا” وتعتذر لأنها لا تستطيع أن “تقوم بالواجب” وتحضر كأس شاي كما تقتضي قواعد الضيافة المغربية. سيدة تفاجئك بالقول وعيناها تنهمران بالدمع حزنا على أحبة رحلوا فجأة وبيت أصبح ذكرى، “سأجيبك على كل أسئلتك لكن تعالي أولا إلى داخل الخيمة حتى لا تحرقك الشمس”. شخص يخرج من مخيم للمتضررين يحمل في يد كرسيا وفي اليد الأخرى كأس شاي، يقدمهما لي ويقول: ارتاحي قليلا..
وغيرهم كثيرون.. كثيرون جدا وتتزاحم مواقفهم وصور إيثارهم وبساطتهم وقناعتهم في الذاكرة والوجدان..
هؤلاء الناس تحبهم وتحترمهم وتنبهر بهم وتقف لهم إجلالا وكل ذلك قليل في حضرتهم.
شكرا لهم ولكل من يجعلنا ندرك كل يوم أن المغاربة شعب عظيم وأن المغرب وطن عظيم.