بقلم: الكاتب و الصحفي محمد حفيظ
صدر للكاتب و الصحفي محمد حفيظ مقالا يجيب فيه عن تساؤلات حارقة حول “استقالة المثقف” أو ابتعاده عن هموم الناس ومشاغلهم في ظل الأزمات التي يعرفها مجتمعنا. و نظرا لأهمية المقال و رغبة منا في تعميق النقاش حول هذا الموضوع، نعيد نشره بالكامل.
بين الحين والآخر، وحين يريد البعض أن يبرر بؤس الواقع القائم، يلجأ إلى ترديد تلك المقولة الشائعة، فيتحدث عن “غياب المثقف” أو “استقالة المثقف“… فما على الآخرين “غير المثقفين“، حين يعلمون بأن المثقف غاب أو استقال، هو الذي يحظى بسلاح الثقافة وسلطة المعرفة، إلا أن يطمئنوا إلى حالهم الانتظاري وإلى سلوكهم السلبي!
لا أطمئن إلى مثل هذه المقولات الساذجة، التي لا تختلف عن الشائعات التي يُرمَى بها لأهداف مُبَيَّتَة. ولذلك، لا يمكن أن أجزم بغياب المثقف في الواقع المغربي، إلا في حالة ما إذا كان للبعض تصور لمثقف غير موجود، أو لنموذج لا يمكن أن يوجد.
نحن باستمرار نقرأ ما يُكتَب عن قضايا مجتمعنا المختلفة، في صحف ومواقع ومجلات، ونتابع ما يُقَدَّم ويُعرَض في ندوات ومحاضرات… وكثير من الكتاب والمتحدثين يكتبون ويتحدثون عن قضايا نعيشها ونحياها. ومنهم من يتفاعل مع ما يجري في الواقع، ويُسهم في صناعة رأي عام. بل ومنهم من ينخرط ميدانيا في عدد من المبادرات، فينتقل من إبداء الرأي إلى ممارسة الموقف. ومعلوم أن كثيرا من المواقف التي تبنتها فئات مجتمعية كان فيها الفضل لبعض هؤلاء المثقفين.
المثقف ليس حركة أو تنظيما أو حزبا، بل هو فرد، ولا يمكن أن يكون إلا فردا، ولكنه فرد فاعل في مجتمعه.
لا ينبغي أن يتحول المثقفون إلى حزب أو حركة، وإلا سنقيد حريتهم. فالمثقف هو الحرية، هو تكسير القيود، وهدم الأصنام، واختراق الطابوهات. المثقف هو الجرأة، هو النقد. فلا مثقف بدون حرية، ولا مثقف بدون حس نقدي.
إن المشكلة تقع حين يتخلى المثقف عن حريته ويفرط في الحس النقدي.
المشكلة التي ينبغي أن نشير إليها في هذا الصدد هي حين يتقمص البعض دور المثقف أو الباحث، ليخدم السلطة ويبارك كل ما يصدر عنها، ويتحول إلى مجرد “مكبر صوت” لخطاباتها ومواقفها.
لقد تحول البعض من هؤلاء، باسم صفاتهم العلمية أو الأكاديمية، إلى أبواق للسلطة؛ يباركون ما تقوله ويزكون ما تقوم به، ويناهضون ما تناهضه ويحاربون ما تحاربه.
ما حدث لجزء من النخبة السياسية، التي رهنت موقفها بموقف السلطة، يحدث اليوم لأشخاص ينتسبون إلى فئة الباحثين، حينما لا يتكلمون إلا بما تتكلم به السلطة.
ولذلك، لا يمكن لهؤلاء أن يُدرَجوا ضمن المثقفين. ويحسن لهم وللناس أن يغيبوا ويستقيلوا.
فالمثقف ينحاز دائما إلى الحقوق والحريات. المثقف يتجه دائما إلى المستقبل وينبذ النكوص إلى الخلف أو التراجع إلى الوراء. المثقف ينتفض ضد كل الأصنام ويشكك في كل ما يتحول إلى بديهيات أو مسلمات.
المثقف لا يخضع للتوجيهات أو التعليمات، ولا يقبل أن يتحول إلى خادم لجهة ما أو متسول لمنفعة ما.
المثقف يحتكم إلى ضميره الحي وإلى حاسته النقدية.
ولحسن الحظ، مازال في المغرب كثير من هؤلاء، نقرأ ما يكتبون، ونتابع ما يعرضون، ونجدهم في الميدان إلى جانب الناس. فلا هم غابوا، ولا هم استقالوا.. ولا هم استقطبتهم السلطة، ولا هم فرطوا في استقلاليتهم