بقلم : البدالي صافي الدين
طرح علي هذه الأيام أحد الأصدقاء سؤالا مفاده “ما رأيك في ما تعرفه مدينة قلعة السراغنة من مظاهر عمرانية عبارة عن أكوام من الاسمنت المسلح لا طعم لها و لا منظر جميل.؟ ” لم أستطع الإجابة على سؤاله في الحين.لكن ظل سؤاله يشغل بالي خاصة فيما وصفه بـ” التشوه العمراني” .
و في الحقيقة كنت قد أشرت في تدوينات لي سابقا عن الامتداد العمراني لمدينة قلعة السراغنة في غياب نسق حضاري يغري المشاهد .
و بالعودة إلى واقع التعمير بقلعة السراغنة لا بد من استحضار حقائق ظلت ضاءعة أو غائبة في مسار التعمير بقلعة السراغنة.
و لذلك لا بد من العودة إلى ذاكرة هذه المدينة التي تظل حية و مؤلفه إلى حد ما.
أولا :الحقيقة الضائعة الأولى:
لما كانت مدينة قلعة السراغنة مركزا مستقلا و دائرة القلعة زمران قبل 1973 تاريخ تحويلها الى عمالة، امتدت إليها أيادي الغدر بعد الاستقلال( 1956) ، لتدمير سورها التاريخي، و هو سور كان ضخما ،يصل سمكه إلى أزيد من أربعة أمتار، لقد كان يحيط بالمدينة غربا حيث يمتد من مدخلها الغربي إلى حي الملاح ، و بقي جزء منه يشهد على تاريخه بمدرسة بن سليمان .
أما ما تبقى منه فقد غمرته منازل بنيت عليه في الملاح و جزء منه في العوينة . و عمد المسؤولون في وزارة التهيئة العمرانية والسكنى سنة 1957 إلى إنشاء تجزئة سكنية مكانه ، و هي تجزئة سكنية دون بنية تحتية تستجيب لسياسة التمدن ، ولم يستفد منها إلا أعيان المدينة و أعوان السلطة و بعض الموظفين من رجال التعليم.
تأسست هذه التجزئة لطمس معالم الجريمة التاريخية في حق مدينة لها جذورها في التاريخ ،حيث كتب عنها J.PEGHRIER “يرجع تاريخ القلعة إلى عهد المولى إسماعيل 1672-1727” و ما يدعم رأيه هو ما تبقى من صور القلعة الراشية التي يعتبرها النواة الأولى للمدينة . و هناك آراء أخرى ترجع تأسيس هذه المدينة إلى عهد المرابطين .
و قد أعطاها الدكتور شوقي السرغيني (أستاذ التاريخ ) أهمية خاصة من أجل التعريف بالجذور التاريخية لها . لكن رغم ما لهذه المدينة من أصول تاريخية لم تشفع لها عند أعداء الحضارة الإنسانية و العمرانية و الثراتية ، شأنهم في ذلك شأن “الوندال” ، من اغتصاب تاريخها و و تعرضها لجريمة تاريخية من طرف أيدي المسؤولين مع مجيء الاستقلال لتكون خارج المنظومة السياحية التاريخية.
إن ما وقع للسور التاريخي من دمار و لدار الزليج من إتلاف لمعالمها كلية هو مقدمة لفصل مدينة القلعة عن تاريخها العريق الذي يعتبر حلقة من حلقات تاريخ البلاد.
ثانيا : الحقيقة الضائعة الثانية :
فهي تتجلى في ظروف تأسيس تجزئة “كاستور ” المعروفة ب”ببلوك الحرشة” التي جاءت في سياق سياسة الإسكان التي اتخذتها حكومة عبد الله إبراهيم ، من أجل تلبية حاجيات السكان من الفئة المتوسطة من المجتمع و من تجار و أعيان و رجال سلطة. وهي تجزئة لم تكن تحمل أي طابع عمراني يشكل مشروع نواة قطب حضاري. و لم تستجيب لحاجيات الطبقة الهشة التي ستضطر إلى اللجوء للبناء السري و العشوائي في دوار المرس و جنان بكار و جنان الشعيبي ،ليشكل هذا البناء، حزام بؤس للمدينة وعرقلة لأي امتداد عمراني و تمدن سليمين، و سيشكل بؤرا للمضاربات العقارية خارج الضوابط القانونية، حتى تحول هذا الحزام العشوائي إلى بنايات هجينة تزحف على المدينة و مجالا للاغتناء غير المشروع .
الحقيقة الضائعة الثالثة:
تتجلى في تجزئة البهجة التي جاءت محادية لتجزئة “كاستور” بتصاميم منقولة عن تجزئة بمراكش و لم تكن تعرف أي انسجام من حيث التصاميم التي لا تعكس الفن المعماري و المد التمدني .
لقد أريد لها أن تكون كمثيلاتها دون تجهيز طرقي و لا مساحات خضراء و لا شوارع مندمجة، مما يوحي بأنها كانت تعرف تبديدا للمال العام على حساب الساكنة .
الحقيقة الضائعة الرابعة :
تجزئة القدس
التي تم وضعها من طرف السكنى و التعمير لتكون امتدادا لحي امليل مكونة من 300 بقعة ارضية في إطار توفير السكن اللائق بالمدينة ، لكن سرعان ما تحول عدد القطع الأرضية إلى ما يزيد على 1050 قطعة بفعل تدخل باشا المدينة و أعوانه و مسؤول عن السكنى و التعمير و بعض المنتخبين و التقنيين ، حيث قام هؤلاء بإضافة قطع بمقابل مادي مهم لكل قطعه ، لما لوحظ تزايد عدد الطلبات على السكن ، خاصة من لدن الجالية المغربية بالخارج . بالإضافة إلى حل مشكل تهيئة دوار المرس على حساب هذه التجزئة بالإجهاز على الفضاءات التي كانت مخصصة للمرافق الاجتماعية و الحدائق و المغروسات ،حتى أن بعض القطع تم وضعها دون اعتبار شبكة الماء الصالح للشرب أو شبكة الصرف الصحي .
و بهذا الفعل الذي تم به تشويه حي القدس تكون جريمة تشويه الجانب العمراني للمدينة قد قطعت أشواطا لتنتهي بالاحزمة التي جاء بها العامل فؤاد الرايس على واجهة القدس شرقا للقضاء على المنتزه الذي كان مقررا في تلك الواجهة التي تمتد من فندق الحمادي إلى سوق الجملة وذلك دون أية دراسة أو احترام للتصميم المعماري لمدينة القلعة المصادق عليه في بداية الثمانينات من طرف السلطات العليا المختصة .
و تكتمل الصورة المشوهة للامتداد العمراني لما تسلط مهندسون معماريون ليجعلوا من شارع مايات( الجيش الملكي ) سلسلة من العمارات لا طعم لها و لا ذوق يغري المشاهد و يستقطب الزاءر . تلك حقائق تشهد عليها ذاكرة المدينة ويشهد عليها مهندسون شرفاء عانوا من بطش المسؤولين من سلطات ومنتخبين.
لكن رغم ذلك فإن مدينة القلعة تظل تحتفظ بجاذبيتها الخلاقة ، لأنها شريفة بأهلها الصادقين رغم خدوش الأعداء و الناهبي لخيراتها .