هل تجبر أزمة دول الساحل والصحراء الجزائر على إنهاء القطيعة مع المغرب و إعادة فتح الحدود؟

هل تجبر أزمة دول الساحل والصحراء الجزائر على إنهاء القطيعة مع المغرب و إعادة فتح الحدود؟

- ‎فيرأي, في الواجهة
492
6

د/كريم القرقوري 

تشهد  منطقة الساحل والصحراء، تطورات متسارعة على خلفية   الانقلاب الذي أطاح برئيس النيجر محمد بازوم، وما تلاه من ردود فعل إقليمية ودولية متباينة و”ملغومة”، و تفاعلات “مبهمة” صدرت من مجموعة الإيكواس، وخاصة   مالي وبوركينافاسو، باتت تنذر بقرع طبول حرب قد تكون  مدمرة،  سترخي بظلالها على بعض دول الجوار، و في مقدمتها الجزائر التي أعلنت بشكل حازم أنها ترفض أي تدخل عسكري، وهو ما يعني إغلاق مجالها الجوي، وإعاقة أي تدخل عسكري فرنسي في النيجر، وهو  الاختبار الديبلوماسي الصعب للجارة الشرقية،  جاء بعد ضياع أبرز حلفائها (الرئيس محمد بازوم الموالي لفرنسا)،  وهو ذات الوضع في معادلة التوفيق في التوازن بين حليفها التاريخي فرنسا وحليفها الاستراتيجيي روسيا.

ولأن انقلاب النيجر،  وما له من رمزية نهاية النفوذ الفرنسي في المنطقة، فإنه يؤشر على تحول مفصلي يترجم بتنامي الشعور المضاد لفرنسا، والذي يولد مطالب شعبية عارمة يعتبرونها «التحرر من الهيمنة الفرنسية» على المقدرات والثروات الإفريقية،  وهو واقع يجعل روسيا المستفيد الأكبر من هذا الانقلاب الذي قالت أنه يمثل صدى الصوت الإفريقي المتحرر من النفوذ الفرنسي، ولاسيما بعد خروج تظاهرات تحمل الأعلام الروسية وصور بوتين وشعارات مؤيدة للشراكة مع روسيا.

وتبدو فرنسا  الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، ذلك انها عجزت عن تبني الخيار العسكري لإعادة الرئيس السابق محمد بازوم إلى السلطة، كما فشلت في إقناع الإيكواس في القيام بالمهمة بدلا عنها، وهي تترقب الموقف الأمريكي البراغماتي، الذي يسعى إلى أن يحول المكاسب الفرنسية في النيجر لصالحه، وفي الوقت ذاته، يناور مع الجزائر بالملف الأمني، لحملها على تعزيز الشراكة الأمنية، والابتعاد عن المحور الروسي.

ياتي هذا في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة الأمريكية، عن الخيارات التي تخدم أجندتها  في المنطقة، حيث تبذل مجهودات تتماشى مع أهدافها النفعية  البراغماتية، وهو ما عجل بلقاء  جمع وزير خارجيتها  بنظيره الجزائري  أحمد عطاف، تطرق للحوار السياسي والعلاقات الاقتصادية، أعرب خلاله وزير الخارجية الأمريكي  عن أمله في أن تتقدم العلاقات الجزائرية الأمريكية إلى آفاق أخرى، بينما كان بلينكن أكثر وضوحا، بأن تحدث عن المصالح المشتركة بين الطرفين في منطقة الساحل و الصحراء، ومنها قضايا الإرهاب و الامن والسلام  في المنطقة، وهو ما يؤكد إمساكه  بالمسمار المدقوق في خاصرة الجزائر، والذي دفع المؤسسة العسكرية للخروج بتصريحات قوية تتحدث عن قوة الجيش وجاهزيته لحماية الحدود.

يأتي هذا في وقت تعيش فيه مجموعة الإيكواس،  حالة من  التردد بسبب  التدخل العسكري، وصل إلى حد الانقسام الداخلي  بسبب الضغوط الفرنسية التي تتوخى القيام  بتدخل عسكري يعيد الرئيس المنقلب عليه  إلى الحكم  بالنيجر.

هذه التطورات -وغيرها-، جعلت الجزائر تعيش  اليوم حالة عزلة دولية  تكرست بعد إخفاقاتها   السياسية و الاقتصادية و الديبلوماسية المتوالية، ذلك أنها لم تنجح في تطوير علاقاتها المتدبدة مع  فرنسا، ولا في الضغط  في على إسبانيا باستعمال ورقة أنبوب الغاز، خاصة  بعد  اعترافها بمقترح الحكم الذاتي لطي نزاع الصحراء،  كما لم تنجح في الدفاع عن قبولها في مجموعة البريكس، وهو ما يعني  ضعف وهشاشة تحالفها مع روسيا،   ينضاف هذا إلى فشلها عربيا في الكثير من المحطات لعل آخرها، المطالبة بإرجاع سوريا للجامعة العربية، بالإضافة إلى فشلها في  توحيد الفصائل الفلسطينية.

وتتخوف الجارة الجزائر من اشتعال  الحرب على حدودها الجنوبية، لكونها ستشكل لا محالة، تهديدا أمنيا خطيرا على حدودها، وسيفتح الباب واسعا للأنشطة الإرهابية، وهو  ما قد تتخذه  واشنطن دريعة  للتدخل العسكري  المباشر  بالمنطقة بمبرر محاربة الإرهاب، وهو ما سيشكل إحراجا للجزائر  مع روسيا التي توسعت أطماعها بالمنطقة.

إن امتداد الحدود النيجرية الجزائرية  على طول  الف كيلومتر،    يجعل من أي تدخل عسكري، تهديدا حقيقيا للجارة الشرقية،  وخطرا امنيا وإرهابيا كبيرا عليها، بالاضافة إلى هجرات ونزوح جماعي متوقع للفارين من الحرب، ستؤدي معه البلاد فاتورة باهظة، هذا  علاوة على تضرر المصالح الاقتصادية والاتفاقيات التجارية التي تربط الجزائر بدول الساحل والصحراء وخاصة النيجر ومالي.

عمليا، يمكننا القول اليوم بأن الوضع الاستراتيجي للجزائر في منطقة الساحل و الصحراء، قد تراجع بشكل كبير، فلا هي استمرت في التنسيق مع الفرنسيين، ولا هي أصلحت وطورت علاقاتها   مع دول الجوار، ولا هي ساندت موسكو في حربها الاستراتيجية مع أمريكا في القارة الإفريقية، بسبب خشيتها من أن يكون ذلك سببا في جرها إلى خصومة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

و تبدو الجزائر اليوم أكثر من أي وقت مضى، في عزلة  عن كل جيرانها الحدوديين “تونس و ليبيا و النيجر”، و مهددة في أمنها واستقرارها السياسي، بفعل ما بات يصطلح عليه اليوم   ب” القنبلة الموقوتة الطوارق “، وهو الوضع الذي يجعل من  المغرب طوق نجاة الجزائر الوحيد.

ولجسامة هذه التحولات، وتقديرا للإحراج الذي يحشر مسؤولي قصر المرادية في الزاوية، يواصلون”بلع لسانهم” والتريث عن أي تعليق على  دعوة جلالة الملك محمد السادس باستئناف العلاقات البينية، وإعادة فتح الحدود الى سابق عهدها،  وهي دعوة غير معتادة ومختلفة عن مواقفهم الصدامية السابقة، سيما وأنها جاءت في سياق زمني يضيق من خيارات الجزائر، بعد اقتراب التهديد الأمني والعسكري من منظومة أمنها القومي (حدودها مع النجير).

ويبقى الإحراج الدبلوماسي مرتبكا للنظام الجزائري في علاقته الملتبسة مع روسيا من جهة، ومع فرنسا من جهة ثانية، وخاصة بعد التلويح بالخيار العسكري لحل الأزمة وما سيعقبه من تطورات ستفرض عليها التضحية بأحد حليفيها التقليديين، وهو ما يفرض عليها التفكير بجدية في توسيع  خياراتها هذه المرة، ومراجعة مواقفها الديبلوماسية السابقة مع المغرب، والتي تكلفها (حكومة وشعبا) فاتورة باهظة.

* باحث في العلوم السياسية والإعلام

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

إحداث محطات جديدة بمختلف أقاليم جهة مراكش لقياس مؤشرات جودة الهواء

كلامكم في إطار البرنامج الوطني للهواء في أفق