فلكي تظهر الأضحية سمينة مغرية أمام المشتري، لا يتردد هؤلاء الغشاشة في البحث عن أي طريقة غير طبيعية تجعل الشخص يجر الأضحية نحو أسرته ظانا أنها بالفعل سمينة وليست منفوخة بفعل فاعل.
هذه الممارسات لم يكن أحد ينتبه إليها قبل أن تثير انتباه المصالح المعنية، بخاصة المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، في سنة 2017، بعد تسجيل اخضرار في لحوم أضاحي مواطنين.
وقد جاء ذلك بعد تنبيهات سابقة للجامعة الوطنية لحماية المستهلك، كما أكد على ذلك رئيسها بوعزة الخراطي الذي كشف عن هذه المعلومة في حديثه مع SNRTnews.
في تلك السنة، كشف المكتب أن بعض تلك الأضاحي المغشوشة أكلت فضلات الدجاج. وتوضحت الرؤية أكثر بعد ذلك سنة 2019 حين أمر الوزير السابق للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، عزيز أخنوش، بإجراء دراسة من قبل مكتب دراسات ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة. وقد أكدت فعلا أن هذه الفضلات تُستعمل لتسمين الأضحية لاحتوائها على نسبة بروتينات عالية.
ويؤكد الخراطي أن عمليات مراقبة شحنات روث الدواجن ارتفعت وتيرتها منذ سنة 2019، إذ يلزم ترخيص من مكتب أونسا، بتنسيق مع وزارة الفلاحة، قبل إخراجها من “كوري الدجاج”، لكي تُـستعمل هذه الفضلات لأغراض فلاحية فقط.
خصائص هذه الفضلات
من المعروف أن فضلات الدجاج يمكن أن تصبح سمادا ممتازا للخضروات والأعشاب والأشجار والمحاصيل الأخرى، لتوفرها على النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، كما أنها تُحسّن التربة لأنها تحتوي على نسبة منخفضة من “الأمونيا” التي تحرق النباتات.
لذلك تجد مربي الدواجن “أصحاب الكوريات” يزودون فلاحين بشحنات من هذه الفضلات، لاستعمالها في الحرث والزرع لتحسين مردودية محاصيلهم. وتتم عملية تزويدهم بهذه الفضلات تحت مراقبة مكتب “أونسا”، حيث تُنجز محاضر وتقارير عن كل شحنة لمعرفة مسارها واستعمالاتها.
غير أن القوانين لا يلتزم بها الجميع، لأن هناك من رأوا أن هذه الفضلات، ونظرا لمكوناتها، تستحق أن تكون وجبة للمواشي المعدة لعيد الأضحى، بحثا عن ربح سريع.
يحكي صاحب ضيعة في بوزنيقة لـSNRTnews أن أحد الكسابة لمّا استورد كمية من هذه الفضلات في إحدى “كوريات” بنسليمان، وضعها جانبا في انتظار أن يُسمّد بها الأرض التي حرث، إلا أنه لم ينتبه إلى أن ماشيته أكلت من هذه الكمية حتى شبعت، وفي الغد وجدها نافقة وهي منتفخة بشكل غير طبيعي.
وشدد على أن إخراج هذه الفضلات من “الكوري” يتم تحت مراقبة صارمة، غير أنه لا يمكن ضبط أولئك الذين يبيعونها إلى بعض الكسابة، لأنها عملية تجارية مربحة بالنسبة لهم، تجعلهم يتخلصون من هذه الفضلات وتنقية “الكوري”.
كيف تتم العملية؟
هناك من يترك هذه الفضلات تحت الشمس إلى أن تجف ليسهل عليه تحويلها إلى مسحوق، أو يضعها تحت غطاء بلاستيكي كي لا تتعرض للهواء إلى أن تصبح شبه لزجة، بهدف أن تصبح في الأخير سهلة للهضم بعد مزجها بمكونات غذائية أخرى خاصة بالمواشي.
بروتينات هذه الفضلات تساعد في تسمين الأضحية فعلا، لكن ليست تلك السمنة الطبيعية، بل تصبح منفوخة فقط. كما أن لحم الأضحية يصبح محتويا على ميكروبات وبكتيريا ملوثة تهدد صحة من يتناوله.
ويشرح الخراطي في تصريحه، وهو طبيب بيطري، أن هذه الفضلات غنية بمادة الآزوت التي تحتوي على البروتينات، لكن إذا فاقت نسبة الآزوت نسبة 3 في المائة في اللحم تصبح مادة قاتلة، وهو ما حصل مع مواشي نفقت بعد أكل كمية كبيرة منها.
عمليات مراقبة دائمة
ونحن على مقربة من عيد الأضحى، تردد خبر توقيف أشخاص متورطين في استغلال هذه الفضلات. والمثير أن الكميات المحجوزة تقدر بالأطنان. إذ استطاع درك إقليم إفران حجز كمية كبيرة قاربت 12 طنا تستعمل في تغذية الأغنام المعدة لعيد الأضحى لدى أحد المربين.
كما ضبطت المصالح البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) بجهة الدار البيضاء السطات، ما يفوق 232 طنا من مخلفات الدجاج لدى أحد المربين بمديونة النواصر.
وقد أتلفت اللجنة المحلية المختلطة التي تضم ممثلي السلطات المحلية والمصالح البيطرية لأونسا هذه الكمية من المخلفات.
وحسب المعلومات المتوفرة إلى غاية الآن، حجزت اللجنة مئات رؤوس الأغنام في عدة مناطق، وسحب الحلقات الصفراء كي لا يتم تسويقها، وإحالة ملف الكساب المخالف على النيابة العامة طبقا للإجراءات القانونية الجاري بها العمل.
ويكثف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية مع اقتراب عيد الأضحى عمليات المراقبة بضيعات تربية الأغنام للوقوف على جودة مياه شرب الأضاحي وأعلاف الماشية والأدوية المستعملة في الضيعات ووحدات التسمين.
ووفق معلومات كشفها وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، في 5 يونيو 2023 بمجلس النواب، تم تسجيل 214 ألف وحدة وضيعة لإعداد الأضاحي، وإنجاز 1300 مهمة ميدانية للمراقبة وإصدار 500 جواز مرور فضلات الدواجن.
وأفاد الوزير أن عمليات المراقبة التي تقوم بها اللجان المحلية المشتركة مكّنت من تحرير ستة محاضر مخالفة بعد ضبط وإتلاف أدوية بيطرية غير مرخصة في عدة أقاليم، كما تم تحرير مخالفتين لاستعمال مخلفات الدجاج في الأعلاف، إذ تم تطبيق المسطرة القانونية في حق المخالفين.
عن موقع snrtnews