منذ قبل الاستقلال و مدينة قلعة السراغنة تعرف التهميش على مستوى التعليم منذ سنة 1947 وبالضبط لما تقرر تأسيس مؤسسة التعليم الثانوي بسيدي رحال فاتح أكتوبر (1958)، اصطلح على تسميتها ابن الحجاج ،لتكون بذلك أول إعدادية تأسست بدائرة القلعة زمران، لما اعترض على تأسيسها بمركز قلعة السراغنة قبل هذا التاريخ، أي في فترة الاستعمار من طرف أحد قياد الاستعمار بالمنطقة و معه بعض الأعيان بدعوى حماية أبناء القلعة من “الفرنسيين”، و ظل أبناء القلعة الذين يحصلون على الشهادة الابتدائية لا يستطيعون متابعة دراستهم بثانوية ابن حجاج بسيدي رحال لظروف اجتماعية . و كانوا يقبلون على العمل في الإدارة كأعوان مؤقتين بدون ترتيب في سلم الوظيفة، و منهم من ظل على ذلك الحال حتى السبعينات من القرن الماضي حيث ترقى الى درجة خليفة قائد وقليل منهم ممن استطاع متابعة دراسته بثانوية ابن الحجاج collège ibn) Hajjaj ). و هكذا ظل أبناء قلعة السراغنة ينتظرون حقهم في التعليم الإعدادي ببناء مؤسسة لهذا الغرض .و سيستمر الوضع على ماهو عليه ، مما تسبب في الانقطاع عن الدراسة و الهجرة لبعض المدن حيث إمكانية الاستقرار لمتابعة الدراسة الثانوية ، كمراكش والدار البيضاء أو الرباط. و قليل من هؤلاء الذين هاجروا من استطاع الاستمرار في التحصيل العلمي. لا أحد سيرفع عن القلعة الحصار المعرفي من سلطات وأعيان حتى بعد الاستقلال سنة 1956 خاصة و أن القلعة كانت تحت نفوذ إقليم مراكش، الى أن تم تأسيس عمالة قلعة السراغنة سنة 1973.لم يكن للقلعة حظ من المدارس الإعدادية ( collèges ) أو مدارس ثانوية ( lycées ) مما ضاعف من ظاهرة الانقطاع عن الدراسة كرها أو لجوء بعض التلاميذ إلى مدارس التكوين ، كمدرسة الفوارات لتربية الخيول أو مدرسة البحرية أو مركز ابن أحمد للفلاحة، سيرا على نهج الجنرال ليوطي من خلال مذكرته المشؤومة الصادرة في أكتوبر سنة 1912 التي تنص على توجيه أبناء الفقراء ” les indigènes” الكادحين إلى المدارس التكوينية للقيام بالأعمال المهنية و الولوج الى سوق الشغل ، و بالمقابل تنص على توجيه أبناء الوجهاء والأعيان
الى التعليم العالي ليحتلوا المناصب العليا في الإدارة و التجارة . إن هذه السياسة التعليمية اتجاه قلعة السراغنة كانت لها خلفيات استعمارية، الهدف منها إقصاء أبناء السراغنة من تعليم عالي حتى لا ينفذوا إلى مراكز القرار و حتى لا يشيع الوعي لدى شباب المدينة و نواحيها، و هو الوعي الذي كان يخاف منه قياد الاستعمار و ذلك لما كان يعرف عن أبناء القلعة من نباهة و من ذكاء و من تشبعهم بالقيم الوطنية و الدينية و من حفظهم للقرآن الكريم و انخراطهم القوي في صفوف المقاومة و جيش التحرير ضد الاستعمار و تمردهم على قيادية و محاولة اغتيال بعضهم. كما عرفوا بتشبعهم بالروح الوطنية و بسرعة تكيفهم مع التحولات التي تعرفها الساحة السياسية ، وهو ما جعل الاستعمار يقسم المنطقة إلى عدة قيادات قصد التحكم والحصار،نذكر منها قيادة الدشرة و قيادة القلعة زمران ، قيادة سيدي أحمد، لكن كان لشباب المدينة رأي آخر ، إذ أخدوا يتحدون الحصار و يتحملون عبء الدراسة في مراكش بمدرسة ابن يوسف (دار البارود) أو بأحد المعاهد بالدار البيضاء. و ظل الانقطاع عن الدراسة كرها لعدد هائل من التلاميذ إلى حدود السنة الدراسية 1962- 1963 ،حيث تم تخصيص قاعة بمقر القوات المساعدة بشارع محمد الخامس قبالة الدائرة سابقا.و كان بعض التلاميذ الناجحين في نهاية الابتدائي يتلقون دروسهم في وضعية لا تربوية حيث تنعدم أبسط الشروط للدراسة من حيث الأساتذة ( معلمون منتدبون ) و أساتذة أجانب في إطار الخدمة المدنية لبلدانهم و دون عتاد ديداكتيكي ولا فضاء تربوي مناسب. وهي وضعية كمثل وضعية اللاجئين. في حين استفاد شباب زمران و النواحي من ثانوية ابن الحجاج و استطاعوا الولوج الى التعليم الثانوي بمراكش ثم التعليم الجامعي. و في السنة الدراسية 1963 /1964 تقدمنا، نحن مجموعة من التلاميذ إلى البرلماني آنذاك الراحل مبارك بن خالق بطلب الدفاع عنا من أجل بناء إعدادية بالقلعة على غرار ثانوية ابن الحجاج بسيدي رحال. و للتاريخ فإنه تفهم الوضع و وعدنا أن يقوم بالمطلوب. و بالفعل تم اتخاذ مدرسة اليهود بالقلعة الراشية مع إضافة قاعات أخرى على حساب ميزانية الإنعاش الوطني و سميت هذه المؤسسة رغم تواضعها بثانوية مولاي اسماعيل، ولو أنها لا ترقى إلى مستوى الثانويات بمدن أخرى. وكانت ثانوية بصفة مؤقتة حيث تم نقلها الى المدرسة المركزية الابتدائية من السنة الدراسية 1965 – 1966 حتى حدود 1977- 1978 ، ليتم نقلها إلى البناية الجديدةالحالية. و رغم ذلك كانت هناك مقاومة من بعض الأطراف ضد التعليم الثانوي بهذه المؤسسة حتى تظل إعدادية فقط ،لكن مجموعة من الأساتذة،أغلبهم من أبناء القلعة، كرسوا جهودهم من أجل التصدي للعقلية المخزنية التي كانت نستهدف تقدم التعليم بالقلعة حتى لا يكون متكامل الأسلاك من الابتدائي إلى التعليم الثانوي . وقد برهن الأساتذة و التلاميذ على النتائج المحققة في امتحانات الباكلوريا حيث كانوا يتبوأون المراتب الأولى مما فرض على الوزارة ترسيم التعليم الثانوي بمؤسسة م.إسماعيل و أيضاً برمجة ثانوية تساوت للتعليم الثانوي كذلك و ثانوية التعليم الأصيل بعد لجوء المجلس البلدي آنذاك سنة 1978 الى الراحل العلامة ذ الرحالي الفاروقي الذي تدخل من جانبه من أجل إنقاذ التلاميذ الذين لم يتمكنوا من متابعة دراستهم في التعليم الثانوي المزدوج . ظلت العقلية الاقصائية لتقدم التعليم بالقلعة حتى يرقى إلى التعليم الجامعي تطارد شباب المدينة، رغم العدد الهائل من التلاميذ الذين يحصلون شهادة البكالوريا كل سنة. و ظل الانتظار و الأمل سيد الموقف في انتظار تحقيق ما وعد به عدد من المسؤولين، لكن كان موقف الوزير الأسبق أحمد اخشيشن مخيبا للأمل لما اعترض على تأسيس كلية بالقلعة، و تم الاقتصار على مركز جامعي مؤقتا فقط إلى حين.
البدالي صافي الدين