كان الله في عون الشعب الجزائري الشقيق الذي ما انفك يبحث لنفسه عن مخرج من محنته، والانفلات من قبضة النظام العسكري الفاسد، الذي لا يتورع عن خلق أعداء خارجيين وفي مقدمتهم المغرب حيث لا يكف عن مهاجمة مصالحه بدعوى أنه المسؤول عن كل أزماته ومشاكله الداخلية، ولا يحسن من أسلوب عدا التهديد والوعيد وإجهاض أي محاولة للتظاهر مهما كانت سلمية، مستعملا لذلك مختلف وسائل الترهيب والقمع والاعتقالات والمحاكمات للحيلولة دون تحقيق حلم الدولة المدنية…
فكابرانات قصر المرادية يكادون لا يتوقفون عن تبديد ملايير الدولارات من عائدات النفط والغاز في صفقات الأسلحة وحفظها داخل الثكنات إلى حين يعلوها الصدأ وتتآكل، وعلى دعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية. تاركين المواطنات والمواطنين الجزائريين عرضة لضربات الشمس وقسوة البرد، حيث يقضون الساعات الطوال في الطوابير التي تتجدد يوميا أمام المحلات التجارية أو داخل الأسواق من أجل اقتناء بعض ما تيسر لهم من مواد غذائية كالحليب والزيت والسميد واللحوم وغيرها، في ظل ما تعرفه البلاد من أزمة حقيقية في ندرة هذه المواد الأساسية.
بيد أنه في المقابل ورغم حملات القمع وهدر المال العام في تمديد عمر حكم النظام العسكري الجائر، والرهان على عديد القضايا الخاسرة وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، فإنه لم يفتأ يتلقى الصفعات الدبلوماسية الموجعة، ولعل آخرها تلك التي وجهتا له السعودية بفعل تجاهلها للجزائر وعدم استدعائها في اجتماع جدة التشاوري حول التحضير لإعادة سوريا إلى الصف العربي، علما أن الجزائر هي من ترأس حاليا القمة العربية، وتقدم نفسها على أنها الناطقة العربية باسم النظام السوري. مما جعل الكابرانات يستنكرون بشدة تغييب بلادهم ومحاولة السعودية الانفراد بهذه المهمة، ناسين أنه نفس الدور الذي ناوروا من أجل أن يلعبوه في قمة “تشتيت الشمل العربي” المنعقدة فوق أراضيها يومي 1 و2 نونبر 2022، دون أن يفلحوا في ذلك بسبب غياب الحماس لدى عدد من الدول العربية وخاصة دول الخليج.
وبتزامن مع صفعة السعودية تلقى الكابرانات صفعة أخرى لا تقل قساوة من سابقتها، وتتمثل في تعيين الدبلوماسية المغربية أمينة سلمان ممثلة دائمة لمنظمة اتحاد المغرب العربي لدى الاتحاد الإفريقي، وهو التعيين الذي فشلت في منعه كل المناورات الجزائرية الدنيئة، إذ أصيبوا بالسعار وشرعوا في إطلاق النار على رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي والأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش. وقد سارعت الخارجية الجزائرية إلى إصدار بيان لها يوم الأحد 17 أبريل 2023 تشجب بواسطته قرار اعتمادها، معتبرة أنه قرار “غير مسؤول وغير مقبول”، وأضاف ذات البيان “تعرب الجزائر عن استغرابها العميق إزاء القرار المتهور والطائش لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى محمد فقي، بقبول ما يسمى ب”أوراق اعتماد” من دبلوماسية مغربية تقدم نفسها زورا على أنها الممثلة الدائمة لاتحاد المغرب العربي لدى الاتحاد الإفريقي”. فهل من الدبلوماسية إصدار الخارجية الجزائرية لهكذا بيانات تفتقر إلى أبسط شروط الاحترام والأخلاق الدبلوماسية والإنسانية، ومليئة بالحقد والكراهية ضد شخصية مرموقة، ليس لها من ذنب سوى أنها تنتمي إلى المغرب؟
وجدير بالذكر أن كابرانات الجزائر الذين يرفضون مصافحة اليد الممدودة من قبل العاهل المغربي محمد الساس ولا يريدون العودة إلى جادة الصواب، طالما تعرضوا للكثير من السخرية والانتقادات اللاذعة من قبل مواطنين جزائريين في عديد المواقف، بسبب ما باتوا يراكمون من هزائم وصفعات دبلوماسية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: – اعتراف أمريكا القوة العالمية الأكبر سياسيا واقتصاديا وعسكريا في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب يوم 10 دجنبر 2020 بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو الانفصالية المدعومة من النظام العسكري الجزائري. ولقطع الشك باليقين تجدد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في عهد الرئيس الديمقراطي “جو بايدن” إثر تبني الكونغرس عام 2022 قانون مالية ينص على منح مساعدات للملكة المغربية تشمل حتى الصحراء المغربية…
ثم جاءت صفعة اعتراف اسبانيا المستعمر السابق للصحراء بمغربيتها، دون أن يثنيها عن ذلك الإمداد الجزائري السخي لها بالغاز، إذ أكد رئيس الحكومة الإسبانية “بيدرو سانشيز” في رسالة موجهة للعاهل المغربي محمد السادس يقول فيها بأن “إسبانيا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف المفتعل المتعلق بالصحراء”. وهو الاعتراف الذي أصاب الكابرانات في مقتل وشكل لهم صدمة قوية هزت أركان قصر المرادية، مما أدى إلى استدعاء سفير الجزائر في مدريد على وجه السرعة للتشاور، وصدور بيان للخارجية الجزائرية يقول: “تفاجأت السلطات الجزائرية بشدة من التصريحات الأخيرة للسلطات الإسبانية” وأضاف بأن “الجزائر تستغرب للانقلاب الإسباني المفاجئ في ملف القضية الصحراوية”
إنه من الغباء بمكان تمادي الكابرانات في تلقي الصفعات الدبلوماسية القاسية بسبب تعنتهم وتكريس عقيدة العداء والكراهية لبلد ظل عاهله يمد يده البيضاء لهم، من أجل طي صفحة الخلافات والانخراط في بناء المستقبل المشترك على أسس جديدة، تقوم على الاحترام المتبادل والحوار الجاد والمسؤول وحسن الجوار، بدل الاستمرار في تعليق كل الأزمات والمشاكل الداخلية على المشجب المغربي، قهر الشعب الجزائري وتبديد ثروات بلاده على حلم بعيد المنال، اعتقادا منهم أنهم يحسنون صنعا، بينما هم لا يعملون سوى على تعميق عزلتهم وحفر قبورهم بأيديهم.
اسماعيل الحلوتي