بقلم : البراق شادي عبد السلام
قرار إلغاء حفل الإفطار الباذخ على شرف السياسة في الوطن كان أول قرار سياسي ملموس و مباشر يسبق إجتماع أقطاب الأغلبية و قياداتها السياسية والبرلمانية زائد الإتحاد الدستوري في المسامرة الرمضانية التي خصصت لتدارس تطورات الموقف السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي على المستوى الوطني و تقديم رسالة إلى من يهمه الأمر بأن الأغلبية العددية لحكومة 8 شتنبر هي في إنسجام تام و توافق مستمر و أن الحكومة تعيش في تناغم هيكلي و قادرة على تأمين تمرير القوانين بشكل نمطي و بالتالي فالسياسة في هذا الوطن تمارس بشكل جيد و المجهود الحكومي لتدبير الأزمات المفتعلة و إدارة المخاطر المرتبطة بها يسير بشكل روتيني و عادي كما أن هذا الإجتماع أظهر أن بعض الأصوات البرلمانية النشاز التي إنبعثت من العدم مؤخرا في المشهد الإعلامي و ما فتئت تدافع عن الحكومة و أوراشها و برامجها هي مجرد أصوات نشاز و أعطاب إندفاعية ضرورية داخل الحزب فقط ، ربما كانت تتعلم “الحسانة في ريوس اليتامى” مقابل راتب شهري يناهز 36 ألف درهم شهريا و تعويضات أخرى يؤديها دافع الضرائب من جيبه من أجل خروج بعض الكائنات السياسية في وسائل الإعلام و صفحات الفايسبوك لترويج خطاب متهالك يعلو فوقه قاموس غبي من السب و الشتم و كيل الإتهامات المجانية للمعارضة ولكل مواطن يعبر عن إختلافه أو تضايقه مع سياسات الحكومة وإعتبار المواضيع التي إجتمعت عليها رئاسة الأغلبية مجرد ” نقاش هامشي” و دعوة المغاربة إلى التركيز أكثر على الأوراش الكبرى و تتبع نسبة الإنجاز فيها بدل تتبع مؤشر المازوت في محطات البنزين و أثمنة المواد الإستهلاكية والغذائية التي تهم قفتهم اليومية و مائدتهم الرمضانية .
إجتماع الأغلبية يأتي بعد تراجع ملحوظ لأثمنة مجموعة الخضروات الضرورية في قفة الأسرة المغربية و مواد أساسية في المائدة الرمضانية كما أن دخول البقر البرازيلي إلى الأسواق بهدف سد الخصاص الذي يعرفه الطلب الوطني من اللحوم الحمراء قد شكل إنفراجا لتجاوز هذا الخصاص الذي كان سببا مباشرا في زيادة الأثمنة و وصولها إلى مستويات قياسية لا يمكن للمواطن المغربي أن يتحملها مما يؤشر على أن الوقت عامل حاسم أمام الجميع و التفاعل الإيجابي في الوقت المناسب للرد على تساؤلات المواطنين هي ديناميكية مفتقدة من طرف قيادات الأغلبية بدل ترك المهمة لبروفيلات قزمية ضعيفة جدا في تواصلها و غير قادرة على إقناع نفسها بما تردده من ” سكريبت ” أو ” تدوينات ” و مقالات ” منحولة مؤدى عنها “لتبرير سياسات عمومية و إجراءات قطاعية تتطلب الكثير من الحكمة والخطابة لإقناع المواطن المغربي بطبيعة التحديات وصعوبة المرحلة وجسامة الإنتظارات بلغة طيبة تحترم ذكاء الإنسان المغربي المتشبع بتمغربيت و كذا لقطع الطريق أمام الخطاب التيئيسي العدمي و تجار الأزمات بالجملة .
إجتماع الأغلبية الأخير يعقد في ظل أرقام صادمة أفرجت عنها مؤسسة دستورية هي المندوبية السامية للتخطيط التي تمثلت في نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر الذي كشف أن مستوى ثقة الأسر تابع منحاه التناقصي خلال الفصل الأول من سنة 2023 مسجلا أدنى مستوى له منذ انطلاق هذا البحث سنة 2008 حيث أن الأسر المغربية تتوقع المزيد من تدهور المعيشة مستقبلا كما أن مستوى ثقتها يواصل التقهقر بسبب تفاقم الإحساس بالتدهور الحاد في مستوى المعيشة وتوقع إرتفاع مستوى البطالة وصعوبة إقتناء السلع المستديمة فضلا عن تدهور وضعيتها المالية و عدم القدرة على الإدخار التقرير أكد أنه خلال الفصل الأول من سنة 2023 بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة %85,3 فيما إعتبرت %10,9 منها إستقراره و 8,3% تحسنه وبخصوص تطور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة، تتوقع %50,7 من الأسر تدهوره و تتوقع %37,4 من الأسر إستقراره في حين ترجح %11,9 تحسنه و بحسب مندوبية التخطيط لا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من إدخار جزء من مداخيلها 3,4% و أشارت إلى أن 51,2% من الأسر صرحت خلال الفصل الأول من سنة 2023 أن مداخيلها تغطي مصاريفها فيما استنزفت 45,4% مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض أما تطور الوضعية المالية للأسر خلال 12 شهرا الماضية، فقد صرحت 61,2 % من الأسر بتدهوره كما أن غالبية الأسر 98,7% صرحت بأن أسعار المواد الغذائية عرفت إرتفاعا خلال 12 شهرا الأخيرة، وذلك خلال الفصل الأول من سنة 2023.
في أرقام أخرى جد مهمة و لها علاقة بما سبق أكد الناطق الرسمي بإسم الحكومة أنها أجابت عن 8873 سؤالا كتابيا تقدم به مجلسا البرلمان من 8 أكتوبر 2021 إلى غاية 10 أبريل 2023 و ذلك من أصل 11 ألفا و847 سؤالا أي بنسبة 74,89 في المائة فعلى على مستوى مجلس النواب تم طرح 8531 سؤالا كتابيا، أجابت الحكومة عن 6712 منها أي بنسبة إجابة بلغت 78,67 في المائة، فيما تقدم مجلس المستشارين بـ 3316 سؤالا كتابيا، أجابت الحكومة عن 2161 منها، بنسبة 65,16 في المائة، شخصيا كمتابع للشأن السياسي بدون إنتماء سياسي هذه الأرقام زادت من سعادتي و شعرت بالفرح الشديد .
إجتماع الأغلبية يوم الخميس الماضي كان على وقع إضراب صيادلة المغرب المطالبين بتحصين الأرباح اللاأخلاقية التي تحصدها قانونيا الصيدليات طوال عقود على حساب “صحة الدرويش المغربي” وإعتبار الحفاظ على الوضع “الشبه البرجوازي” لممتهني الصيدلة بالمغرب هو قدر مكتوب على المغاربة ط التأقلم معه وتحمله مدى الدهور و أن كل المجهودات التي تبذل في الورش الملكي لخدمة الصحة العمومية من أجل توفير “الدواء العمومي” بثمن يراعي القدرة الشرائية للمواطن يجب التراجع عنها وتكييفها مع أرباحهم وأقساطهم و أن هدف السيادة الصحية بالمغرب لا يجب أن يكون مقترنا بصناعة دوائية وطنية تقدم أدوية أثمنتها في متناول المواطن البسيط و تحافظ على جيبه المثقوب أساسا جراء التضخم و نسبة الفائدة المرتفعة والغلاء و إنعكاسات الحرب الأوكرانية الروسية و تداعيات جائحة كورونا و أشياء أخرى.
في تصريح ملئه التفاؤل و بنبرة مسؤولة أمام وسائل الإعلام أكد السيد رئيس الحكومة بأن حكومته متماسكة و الأغلبية البرلمانية متكاتفة والفرق البرلمانية على قلب رجل واحد من أجل تمرير مشاريع القوانين المزمع تقديمها في الدورة الربيعية أهمها القوانين المرتبطة بإصلاح منظومة العدالة كمشروع المراجعة الشاملة والمتكاملة لمجموعة القانون الجنائي حيث يبدو من خلال ردود الفعل المتباينة التي تخلفها تصريحات متواترة للسيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن ملامح معركة سياسية و قانونية حامية الوطيس قادمة ، و ما النقاش الذي عرفه مشروع القانون الجديد المنظم لهيئة المحاماة ثم اللغط الذي أثاره إمتحان الأهلية لولوج المهنة ماهو إلا العرض السياسي ما قبل الأول لها لكن من خلال الثبات الإنفعالي و روح المبادرة التي أظهرها الأمين العام لحزب الأصالة و المعاصرة أمام الموجات المصطنعة العاتية والثقة العالية التي يتحدث بها في أغلب خرجاته الإعلامية يظهر أن مشاريع القوانين ستمر بالسلاسة المطلوبة و إجراء تعديل موسع في القانون المغربي بكل فروعه هو إختيار مجتمعي متوافق عليه وضرورة مجتمعية لا يمكن التراجع عنها أو إبطاؤها بأي حال من الأحوال .
السيد رئيس الحكومة يؤكد بنبرة تفاؤلية أن جهود التعافي تبذل على جميع المستويات من أجل إنجاز الأهداف المسطرة في البرنامج الحكومي وأن الحكومة قادرة على مواجهة الأزمات التي تواجها وحتى الأزمات المفتعلة التي قد تؤدي إلى زعزعة الإستقرار الحكومي أو تؤدي إلى إنزلاقات في الخطاب الذي يروجه بعض رموز الأغلبية في السر و العلن .
في الجانب الآخر من القصة المعارضة بتشكيلاتها الإيديولوجية المتباينة تستعد الأسبوع المقبل لعقد ندوة مماثلة للرد على دفوعات الحكومة وتصريحات الأغلبية قد يسبقها حفل إفطار تنديدي و هنا سنتوقف قليلا لنحاول توقع الفندق المصنف الذي سيعقد فيه هذا الإفطار الذي سيتم فيه التنديد بغلاء الأسعار و عجز الحكومة عن مواجهة المضاربين و قصة المازوت الروسي أم ستتوجه قياداتها و عجزتها و يتامى الريع الإنتخابي بها لعقد إفطار سياسي في أحد دور الأيتام أو دور العجزة أو قد تفضل أن تعقد إفطارا في أحد موائد الرحمان مع تلاوة اللطيف و القيام بأنشطة الحنة الرمضانية مع موسيقى الآلة ؟!
المعارضة اليوم بعلاتها هي الأخرى تحاول أن ترفع السقف عاليا أمام الأغلبية العددية و تعمل جاهدة على خلق نقاش سياسي حول العديد من المواضيع المستهلكة التي أصبحت جزءا من الفكر اليومي و التي طبع معها المغاربة و أصبحت لا تهمهم نتائجهاذ بسبب الطريقة المعيبة التي تتناول بها هذه المعارضة قضايا مهمة و مصيرية تهم المواطن المغربي حيث نلاحظ غياب طول النفس النضالي في مواكبة الملفات التي تطرحها المعارضة للنقاش لتظهر كأنها مجرد فقاعات هواء أو قذائف سياسية صوتية تطلقها أثناء ترافعها ربما لتحصين مكتسب خبزي ما أو الدفاع عن تموقع معين أو البحث على توافق مستقبلي مرتقب حيث أصبح التعديل الحكومي المفترى عليه وسيلة لتحقيق مكاسب ذاتية أكثر مما هو غاية لتحقيق أهداف سياسية و هنا يمكن لنا إدراج “الصمت الإستراتيجي” لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في هذا الوقت المفصلي من الولاية التشريعية بعلاتها وأزماتها و تحدياتها .
في ظل الأرقام المحبطة للمندوبية السامية للتخطيط و كذا الأرقام الحكومية المفرحة حول الأنشطة البرلمانية و عنتريات و جذبات المعارضة و لطميات تجار الأزمات بالجملة تظل البهجة الوحيدة التي أحسسنا بها كمغاربة خلال شهر رمضان الأبرك هي الإطلالة الملكية البهية أثناء ترؤس أمير المؤمنين للدروس الحسنية كتقليد روحاني رمضاني لأمة ضاربة جذورها في عمق التاريخ الإنساني و كذا لقاءات سيدنا العفوية التي وثقتها الكاميرات مع المواطنين و المواطنات بروح أبوية و عطف إنساني كبير أثناء تدشين عدد من المشاريع الاجتماعية الجديدة لفائدة فئات هشة و الحملة التضامنية الوطنية الواسعة لفائدة مليون أسرة لتخفيف أعباءها المعيشية أظهرت أن الثقة اللامتناهية في المؤسسة الملكية هي صمام الأمان الوحيد اليوم أمامنا كشعب مؤمن بالإنتصارات و هي سبيلنا الأوحد لمواجهة التحديات الداخلية و الخارجية ، يحدث هذا في غياب كارتيلات الإنتخابات المحلية و جمعياتها الخبزية و حفلاتها التنكرية و أقلامها الصحفية الجافة المرتعشة و بيادقها و سماسرتها من مروجي الوعود السياسوية المنتهية الصلاحية و القفف الإنتخابوية البئيسة وتخلفها الواضح و المتعمد عن حملاتها التضامنية الموسمية لدعم و مساندة الفئات الهشة التي تسبق عادة الإستحقاقات الإنتخابية ؛ أكتب هذا و بين مسامعي خطاب جلالة الملك محمد السادس حين أكد أعزه الله في لحظة مكاشفة حقيقية صادقة حين توجه بشكل مباشر إلى كل مسؤول عديم ضمير و فاقد للشرف بخطاب الصرامة قائلا ” أنا لا أفهم كَيْف يَسْتَطيع أي مَسؤول ،لا يَقُوم بواجبه، أن يَخرُج من بَيته، ويَسْتَقِّل سَيَّارته، ويَقف في الضَّوء الأحمَر ويَنْظُر إلى النَّاس، دون خَجَل ولا حَيَاء، وهو يَعلَم بأَنَّهم يَعرفون بأنَّه لَيس لَه ضَمير ، ألا يَخجَلُ هؤلاء من أنْفُسهم، رغم أَنَّهم يُؤَدون القَسَم أمام الله والوطن والملك، ولا يقومون بواجبهم؟ ألا يَجْدُر أن تتم مُحَاسبة أو إقالة أي مَسؤول، إذا ثَبَت في حَقِّه تَقصير أو إخلال في النُّهوض بِمَهامه ؟ ” ../