بقلم : البراق شادي عبد السلام
اللقاءات الأخيرة التي عقدها المبعوث الأممي السيد ستيفان ديميستورا مع ممثلين عن المغرب، وجبهة “البوليساريو”، والجزائر، وموريتانيا، وكذلك أعضاء “مجموعة أصدقاء الصحراء المغربية “التي تضم الاتحاد الروسي، وإسبانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة قبل إحاطته نصف السنوية التي سيقدمها أمام مجلس الأمن الدولي في شهر إبريل، تندرج في إطار خطته لإحياء العملية السياسية في ملف الصحراء المغربية الذي تحاول الجزائر من خلال تسخير ميليشيا البوليساريو الإرهابية نسفها و إعادة الملف إلى مربع الصفر لفرض توازنات جديدة تناسب خططها البومدينية و تحقيق حلم هيمنتها الإقليمية على محيطها المباشر آخرها قيام عناصر مسلحة من البوليساريو قبل أيام، بإعتراض قافلة تابعة لبعثة (المينورسو) من الوصول إلى مواقع الفريق الواقعة شرق الجدار الأمني المغربي كانت قد غادرت بداية الأسبوع المنصرم مدينة السمارة .
إستراتيجية ديميستورا لمعالجة إشكاليات هذا الملف تعتمد بشكل أساسي على نهج الموائد المستديرة و الحوار الإستراتيجي المباشر مع جميع الأطراف الفاعلة و المؤثرة خاصة الأطراف الأربعة (المغرب، الجزائر، موريتانيا، جبهة البوليساريو) حيث أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أن ” الغرض من المشاورات الثنائية غير الرسمية هو مناقشة الدروس المستفادة من العملية السياسية؛ تعميق فحص المواقف، ومواصلة البحث عن صيغ مقبولة للطرفين لدفع العملية السياسية قدما ” هذه المشاورات تؤطرها قرارات مجلس الأمن 2602 الصادرة في أكتوبر 2021، و 2654 الصادرة في أكتوبر 2022، التي تدعو إلى “تحقيق حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين، وتثمين المقاربة الواقعية والعقلانية المتمثلة في مبادرة الحكم الذاتية” هو نفس الطرح الذي تلتزم به الديبلوماسية المغربية بتشبثها بالمسلسل السياسي من خلال الإستئناف الفاعل لمسار”الموائد المستديرة” بدون شروط مسبقة ، بالنسبة للمغرب البحث عن حل سياسي نهائي ينبغي أن يندرج في إطار معايير أربعة أساسية:
-أولا: السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه ومبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لحل النزاع المفتعل.
– ثانيا : المشاركة الكاملة لجميع الأطراف الفاعلة في البحث عن حل نهائي لهذا النزاع المفتعل.
-ثالثا : الاحترام التام للمبادئ والمعايير التي كرّسها مجلس الأمن في جميع قراراته منذ 2007 خاصة قرارات مجلس الأمن رقم 2602 و 2654 ، والذي يدعو كل الأطراف إلى التوصل إلى حل سياسي”واقعي، عملي، مستدام، وقائم على التوافق ” للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
-رابعا : رفض أي اقتراح متجاوَز والذي أكد الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ أكثر من عشرين سنة بطلانه وعدم قابليته للتطبيق والهادف إلى إخراج المسلسل السياسي الحالي عن المعايير المرجعية التي حددها مجلس الأمن ( الإستفتاء ).
هذه اللقاءات تأتي في ظل العديد من المتغيرات الإقليمية و الدولية عرفها الملف أهمها :
– السيادة المغربية الكاملة على المعبر الحدودي الدولي الكركرات و مدى تأثيرها على التموقع الجيوسياسي للمغرب في إفريقيا و إزدياد أهميته بالنسبة للمبادلات التجارية الأوربية – الإفريقية و إفشال مخطط الجزائر الرامي لتطويق و محاصرة المغرب جغرافيا و قطع شريانه الإفريقي .
– تراجع مجموعة من القوى الأوروبية عن مواقفها الإستفزازية السابقة من الوحدة الترابية للمملكة المغربية و الإعتراف المباشر و الصريح لها بمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد و أوحد لهذا النزاع المفتعل ، أهمها الموقف الإسباني بعد زيارات رئيس الحكومة الإسباني للرباط و الموقف الألماني كنتيجية لعودة التنسيق بين محور برلين / الرباط بعد أزمة سياسية إمتدت لشهور و هولندا التي إعتبرت المقترح المغربي “مساهمة جادة وذات مصداقية ” ثم تأكيد الموقف الفرنسي الكلاسيكي رغم الازمة الديبلوماسية بين الرباط و باريس مع تسجيل إنفتاح مجموعة من القوى الأوروبية وإهتمامها بالمقترح المغربي الجدي و الواقعي من بينها البرتغال، وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا و أحزاب و منظمات و هيئات أوروبية فاعلة .
– عزلة الجزائر الدولية بسبب سياساتها العدائية ضد المغرب و فشل طموحاتها في الهيمنة الإقليمية بمحاولاتها بسط أجندتها التوسعية على محيطها المباشر وفشلها في إقناع المجتمع الدولي بحربها السريالية و دعاياتها الكوبلزية في الصحراء المغربية رغم مئات البلاغات الوهمية حول عمليات عسكرية وهمية قامت بها الميليشيا الإرهابية البوليساريو في الصحراء المغربية ،كما أن الوضع الهيتشكوكي الذي تعرفه مخيمات الذل و المهانة من صراعات قبلية و إقتتال داخلي و إنتشار مخيف للفكر المتطرف بين المحتجزين نتيجة فشل إجتماعها السادس عشر في تثبيت التوازنات السابقة المتعلقة بالحفاظ على مصالحها الذاتية و فشل آخر مرتبط في عدم قدرتها على تطوير حرب إقليمية في المنطقة مما يحولها إلى عامل عدم إستقرار في المنطقة يهدد الأمن و الإستقرار الإقليمي و الدولي.
– التوازن الذي تميز به الموقف المغربي من الحرب الروسية الأوكرانية و نجاح جهاز الديبلوماسية المغربية في تحييد ملف الصحراء المغربية عن الصراع الجيوسياسي العالمي الذي كرسته الحرب في أوكرانيا خاصة و أن كل مناطق التماس الجيوسياسي في العالم تعرف حالة إستنفار تمهيدا لإستخدامها في حروب إستنزاف تستهدف القوى المتصارعة فيما بينها ، الموقف المغربي من الحرب الروسية الاوكرانية يجعل وضعه الديبلوماسي مريحا أكثر و يوفر له مساحات كبيرة للتحرك و المناورة بين المحاور الدولية بهدف الحفاظ على المصالح العليا و الأمن القومي للمملكة المغربية ، و هذا التوازن سينعكس بشكل إيجابي و لن يؤثر على الموقف الروسي من الإحاطة الأممية خاصة التي ستطرح للمناقشة في مجلس الأمن بعد أيام و أن روسيا تترأس مجلس الأمن في دورته الحالية.
– نجاح النسخة 22 من مناورات الأسد الإفريقي التي تعتبر الأضخم عسكريا و أمنيا في قارة إفريقيا و التي تنظمها القوات المسلحة الملكية و الجيش الأمريكي بشكل مشترك بمشاركة أكثر من 7500 عسكري من عدة بلدان إفريقية و دولية مثل السنغال وتشاد والبرازيل وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة و مراقبون عسكريون من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الإفريقي ونحو 30 بلدا شريكا (بينها إسرائيل لأول مرة) هذه المناورات اليوم تعتبر صمام أمان للأمن الإقليمي و الدولي في منطقة غرب المتوسط و غرب إفريقيا في مواجهة تحديات أمنية و عسكرية متعددة كالإرهاب و التطرف و الجريمة العابرة للقارات و المرتزقة الأجانب و خطاب الهيمنة الإقليمية عن طريق إجراء عدد من المناورات العسكرية برية وجوية وبحرية، وتمارين للتطهير البيولوجي والإشعاعي والنووي والكيميائي، بالإضافة إلى تداريب في الإسعاف الطبي والتدخل لأغراض إنسانية.
– الزخم الديبلوماسي الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية نتيجة نجاح إستراتيجية القنصليات كفلسفة دبلوماسية وتنموية جديدة تنتهجها المملكة المغربية لترسيخ “سيادتها” على الإقاليم الجنوبية ، بهدف اكتساب دعم إقليمي ودولي يقوي طرحها للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كمقدمة للحسم السياسي للملف بعد الحسم العسكري الذي حققه أسود و أبطال القوات المسلحة المغربية في حرب الصحراء المقدسة ( 1975-1991) ، ديبلوماسية القنصليات طرح يتماشى مع التوجه الدولي الجديد الذي يعتمد على الديبلوماسية متعددة الأطراف كحل للتعافي من جائحة كورونا لحل النزاعات السياسية بأبعاد إقتصادية وتنموية، و محاولة تجاوز الحلول العسكرية قدر الإمكان ، هذا الزخم تجلى في إحتضان مدينة العيون سابقا لأشغال الجلسة العامة للبرلمان الأنديني (منظمة برلمانية تجمع دول الأنديز بوليفيا وكولومبيا والإكوادور والبيرو والشيلي) ، وهي أول جلسة تعقد خارج نطاق الدول الأعضاء بهذه المنظمة.
– الدينامية السياسية التي تعرفها الصحراء المغربية المتمثلة في المشاركة الشعبية المرتفعة في الإستحقاقات الإنتخابية 2021 و إنخراط النخبة السياسية بشكل جدي و مسؤول في تنزيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي يشكل دعامة لترسيخ إدماجها في الوطن الواحد، وتعزيز مكانتها وإشعاعها كمركز اقتصادي دولي حضاري وإقليمي، وذلك وفق مقاربة تنموية شاملة ترتكز على حقوق الإنسان بأبعاد متعددة تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
– الموقف المغربي الصارم و الغير قابل للمناقشة من وحدته الترابية و سيادته على الأقاليم الجنوبية بإعتبار إن ” ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات” حسب تعبير جلالة الملك محمد السادس حيث طالب “شركاء المغرب التقليديين والجدد، والتي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.فالمملكة المغربية كقوة إقليمية في منطقة غرب المتوسط و شمال غرب إفريقيا و الساحل وكشريك أساسي في الحفاظ على الأمن الإقليمي بتعدد المخاطر و التحديات تفرض رؤيتها الخاصة المرتبطة بسيادتها الكاملة و بأمنها القومي و الأمن الإقليمي ، و لن تسمح لأي جهة بالعبث معها أو التلاعب بموقفها من الصحراء المغربية لإبتزاز المغرب و فرض أجندتها الخاصة عليه .
من ناحية أخرى ستيفان ديميستورا كديبلوماسي رفيع المستوى راكم مسيرة متميزة لأكثر من 40 سنة في مناصب قيادية بمنظومة الأمم المتحدة ثم وزير للخارجية الإيطالية و مبعوث أممي سابق إشتغل على الملف السوري بتعقيداته الإقليمية والدولية أكيد سيضع أمامه مجموعة من العوامل و المعطيات التي راكمها ملف الوحدة الترابية تجعله متأكدا من جدية و وضوح الموقف المغربي الملتزم بالمبادئ المكرّسة في ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بمبدأ التسوية السلمية للنزاعات، واحترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية.