أمسك به رجال مجهولون ودفعوه في سيارة، واضعين كيسا على رأسه، وألقوه من فوق جسر مرتفع في نهر موسكو. كان يلتسين، في واقع الأمر، في زيارة لعشيقته وفقا للنسخة الأكثر إقناعا وانتشارا، فيما كان آنذاك عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وعضوا في قيادة البرلمان ومنافسا لميخائيل غورباتشوف.
وصل يلتسين إلى قسم الشرطة وهو مبتل ومتّسخ، وبحسب ما ذكره حارسه الشخصي، فقد اشتكى باكيا. في اليوم التالي، جمع غورباتشوف قيادة البرلمان، وتم “جلد” يلتسين علنا، في بث تلفزيوني مباشر، يكلله العار والدمار.
في اليوم التالي، استيقظ يلتسين وقد أصبح السياسي الأكثر شعبية في عموم البلاد، والمناضل من أجل الشعب الروسي البسيط، الذي تعرّض من أجله للقمع من قبل السلطات. لم يصدق الناس، المتذمرون من المشكلات الاقتصادية وقتها، غورباتشوف، وبدأ صعود يلتسين المظفّر إلى ذروة السلطة.
إن أوجه الشبه بين الوضع حول دونالد ترامب ويلتسين واضحة، فيما يأمل كبار الديمقراطيين والدولة العميقة، بمساعدة شهادة ممثلة إباحية وسلطة قضائية تحت السيطرة، في إقصاء ترامب عن المشاركة في الانتخابات العام المقبل. في الوقت نفسه، لا يزال ترامب هو المرشح الأكثر شعبية بين الجمهوريين، ويستمر الاقتصاد في التدهور بسرعة، ما يجعل فوز ترامب حتميا. وهذا لا يترك أمام الديمقراطيين أي خيار سوى الاحتيال والتصعيد، والذي من المرجح ألا يكونوا قادرين على السيطرة عليه قريبا.
ومن المرجح كذلك أن يؤدي الرهان على إساءة استخدام السلطة والقضية الجنائية الملفقة إلى عكس ما كان متوقعا: أن يصبح ترامب أكثر شعبية.
وإذا لم تكن هناك مفاجآت، فسيكون الاقتصاد الأمريكي بحلول صيف عام 2024 في وضع كارثي. فالانهيار المصرفي الذي بدأ الآن والإفلاس اللاحق لنصف الاقتصاد، أو ارتفاع التضخم نتيجة لاستئناف طباعة النقود غير المغطاة، سوف يزعج الجماهير بشكل كبير ويؤدي إلى التطرف.
أعتقد أنه في الصيف المقبل قد نشهد احتجاجات حاشدة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فإن إبعاد دونالد ترامب عن المشاركة في الانتخابات قد يحول العملية برمتها إلى مسار القوة بعيدا عن الدستور. ببساطة، سوف تحطم الحشود الغاضبة السجن، ويحررون ترامب ويحملونه إلى البيت الأبيض على أكتافهم، ويعلقون إدارة بايدن، التي لن يكون لديها الوقت للاختباء، على أعمدة الطريق.
ولكن، ليس كل شيء بالطبع بهذه البساطة. ففي الاتحاد السوفيتي، حدث صدع بين الشعب والسلطة، أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن المجتمع بأسره منقسم على ذاته.
كذلك فإن الوضع الاقتصادي مريع ومستمر في التدهور، وفي عام 2022، واجه الأمريكيون أكبر صدمة أسعار لم يشهدوها منذ جيلين، في الوقت الذي لا يستطيع فيه الرئيس بايدن ربط كلمتين ببعضهما، ولا يدرك مكان وجوده بالأساس، وبشكل عام يسبب الضحك والشفقة. الهروب من أفغانستان، الحرب اليائسة والأقل شعبية مع روسيا على أراضي أوكرانيا، مع احتمال نشوب حرب على جبهتين مع الصين أيضا. ومع ذلك، فإن نسبة تأييد بايدن تبلغ 38%، وهي نسبة مرتفعة بشكل لا يصدق، مع الأخذ في الاعتبار كل هذه الأمور.
لقد رأينا نفس هذه الظاهرة خلال “رشا غيت”، عندما لم يؤد أي نوع من الاتهامات والأدلة المساومة ضد ترامب إلى انخفاض شعبيته بين “نواة جمهوره”. أعتقد أنه حتى الآن سيتجاهل مؤيدو ترامب أي معلومات تشهيرية عن زعيمهم المفضل، تماما كما سيكون المؤيدون الديمقراطيون مستعدين للتصويت لصالح مومياء بايدن عام 2024.
منذ عشرين عاما، كان من الممكن، حال حدوث انهيار في الاقتصاد وهزيمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، توقع انتصار المعارضة على الحزب الحالي الحاكم بسهولة. لكن تدفق الأشخاص الساخطين إلى معسكر ترامب الآن بالكاد يعوّض الانخفاض في قاعدة ترامب الانتخابية جراء انخفاض نسبة السكان البيض بين المواطنين الأمريكيين.
وفي انتخابات 2024، ستأتي الولايات المتحدة مجددا منقسمة تقريبا بنسبة 50/50، فيما سيكون الخصمان عنيدين وعدوانيين، وستدفع إدارة بايدن مسار المواجهة بين الطرفين إلى ما وراء المجال القانوني من خلال إساءة استخدام السلطة.
إن مثل هذا التوازن غير المستقر للقوى خطير للغاية بالنظر إلى تشويه سمعة السلطات والرهانات الكبيرة للغاية. كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضا العدد الهائل من الأسلحة في أيدي السكان.
ومن المحتمل تماما أن تلجأ مجموعة من النخبة أولا، فتتبعها مجموعة ثانية إلى أنصارهم لفرض إرادتهم بالقوة، أو حتى بالوسائل المسلحة. وقد اتخذ ترامب بالفعل خطوة في هذا الاتجاه من خلال الدعوة للاحتجاجات على القضية الجنائية المرفوعة ضده.
هل كانت ستورمي دانيلز تعتقد يوما أنها لا تمسك بين يديها فقط بدونالد ترامب، وإنما بمصير الولايات المتحدة الأمريكية؟ فهي، بطريقة أو بأخرى، بإخلالها بالبقاء صامتة مقابل 130 ألف دولار، تبدأ حربا أهلية وتدمر إمبراطورية عظيمة. لكنها الآن تستطيع وبكل ثقة أن تحتل مكانها الصحيح بين أكثر الأشخاص نفوذا في تاريخ الولايات المتحدة…
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تليغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب