بوبكري عبدالحفيط
بعد تنازل المغرب للجزائر عن عمق وامتداد أراضي واحة فجيج وخيرة بساتينها جنوبا في ستينات القرن الماضي، جرى أيضا اغتصاب أراضي العرجة بضاحية الواحة من الجهة الشرقية الشمالية؛ وهي أراض مملوكة لمواطنين أفنوا فيها زهرة شبابهم وأضاعوا بسببها كل مدخراتهم، ها هي ساكنة مدينة فجيج تدخل حاليا دوامة غير مسبوقة من الحيرة والترقب، إذ أصبح كل شيء هناك ينذر بالمصير المجهول، ويدفع إلى الهجرة والرحيل، كأن مصالح الدولة المغربية بوزاراتها المختلفة تجاهد من أجل دفع أهالي فجيج المغلوبين على أمرهم إلى التخلي نهائيا عن كل شيء في هذه الأرض الطيبة وشد الرحال إلى المجهول، بحثًا عن التطبيب أو التعليم أو فرص تشغيل الأبناء !.. وإلا ما معنى أن تبقى مدينة ذات العشرة آلاف نسمة تقريبًا، والتي قدمت كل التضحيات عبر تاريخ المغرب، بدون طبيب عمومي لمدة طويلة؟ وما معنى أن تتنصل وزارة الصحة من مسؤوليتها وتترك الساكنة تستجدي مبادرات الخواص والجمعيات، كما هو شأن المبادرة المشكورة التي قام بها القطب الصحي لتوفير طبيبة غير رسمية قد تغادر المدينة لأي سبب؟
إن هذا الوضع “المؤقت” لا يعفي بالطبع الوزارة الوصية من تعيين طبيب عمومي رسمي في أقرب أجل، غوض أن تبقى المدينة التي أعطت الكثير من التضحيات وكانت وراء الكثير من الملاحم الوطنية، عرضة للمجهول ورهينة بالمؤقت وسجينة لـ “التدبير بالبريكولوج”.
لقد كانت مدينة فجيج ، وما تزال، نموذجا لن يتكرر في النضال والتضحية والوطنية الحقة وتحصين الثغور والحدود، وكان لأبنائها يد طولى ومشهود بها في بناء المغرب الحديث، فهل جزاؤها هو التهميش والنكران والتخلي والضياع والحرمان من الغطاء الصحي والاجتماعي…
لقد سبق لجلالة الملك محمد السادس أن خص الواحة في بداية اعتلائه العرش بزيارة مولوية أرسى فيها قواعد وأسس التنمية بالمنطقة، إلا أن الظاهر هو أن المسؤولين المتعاقبين على الإقليم لم يقرؤوا جيدا رسالة الزيارة الميمونة، فتركوا كل شيء ينهار في المدينة، بل إن كل المشاريع الآن متوقفة، وكأن المدينة تقع خارج الزمن المغربي، بل خارج خارطة “النموذج التنموي الجديد”، حتى ليحسب الزائر للمدينة أن ساكنتها تتعرض لعقاب جماعي، والدليل عل ذلك أنهم يواجهون يوميا مشاكل على مستوى الصرف الصحي، غياب التجهيزات الأساسية بالأحياء (الترصيف، الإنارة العمومية، التشجير، التشوير، النظافة..إلخ)، بل حتى المقابر تنتهك حرمتها دون حسيب ولا رقيب. أما المستشفى المحلي، فلا ندري متى سينتهي بناؤه الذي أستغرق عدة سنوات!؟ (ربما علينا أن ننتظر سنوات أخرى حتى يكتمل البنيان، وأخرى حتى تأتي التجهيزات الطبية، وأخرى حتى توفر الدولة الموارد البشرية من أطباء وممرضين وتقنيين وإداريين).
أكثر من ذلك، فقد نبهنا من قبل، وغير ما مرة، إلى خطورة الاستمرار في الأثقاب المائية في الواحة، ورغم التنبيهات الملكية في خطاب العرش حول الموضوع، يبدو أن المسؤولين غير معنيين لمنع عمليات الحفر واستغلال الآبار بطريقة غير قانونية، إلى جانب استغلال المياه الجوفية مما قد يعرض الواحة لعطش غير مسبوق.
فهل معنى كل ذلك أن الدولة المغربية استغنت عن هذه الربوع من البلاد، وأن على سكانها أن يواجهوا مصيرهم والرحيل بعيدا نحو أراض أخرى غير التي نشؤوا فيها وترعرعوا وخاضوا معارك كثيرة من أجل الحفاظ عليها وإبقاء الراية الوطنية مرفوعة، كما رفعها عاليا أسلافهم وبللوا بها دماءهم في سبيل مغرب كريم وحر؟