عبدالحق عندليب
الرجل المناسب في المكان المناسب، مقولة خفيفة في اللسان ثقيلة في الميزان لطالما رددناها ونرددها باستمرار كلما شعرنا بخطر الابتعاد عن تنزيل معانيها ومضامينها على أرض الواقع.
مناسبة هذا الاستهلال هو ما يطفو على سطح الأحداث بين الفينة والأخرى من بعض الانزلاقات والانحرافات التي تندرج في سياق ما نشاهده من بعض مظاهر الفساد التي تخدش صورة بلادنا وتهدد مصداقية دولتنا وتبخر كل المجهودات المبذولة لشق الطريق نحو الإصلاح الشامل.
إن ما يقوي مثل هذه الهواجس هو أن يصبح الولوج إلى بعض مواقع المسؤوليات وبعض المناصب وبعض المهن بدون استحقاق وبدون شروط موضوعية وضرورية، أي بدون احترام الحد الأدنى من الشروط التي تؤهل صاحب المنصب للنهوض بالمهام والمسؤوليات المنوطة به سواء تعلق الأمر بالعضوية في الحكومة أو في البرلمان أو في الجماعات الترابية أو في الأجهزة القيادية الحزبية أو النقابية أوالجمعوية أو في بعض القطاعات المهنية.
ومن الشروط الأساسية والضرورية لولوج هذه المناصب القيادية لتدبير الشأن العام أو الشأن الحزبي أو الجمعوي أو المهني هي التوفر على التجربة اللازمة والكفاءة الضرورية في تدبير وتسيير القطاع أو المسؤولية التي يتقلدها المكلف أو المسؤول أو القائد بالإضافة إلى امتكلاك القدرة على الابتكار والإبداع في التدبير والتسيير والقيادة بالإضافة إلى خصلة المثابرة والصدق والوفاء والتضحية ونكران الذات والإيمان العميق بالديمقراطية شكلا ومضمونا وبالقيادة الجماعية والتدبير التشاركي.
إن تنصيب وزير لا يتوفر على هذه الصفات ولا يتمثلها ولا يتشربها في سلوكه وممارساته ومواقفه اليومية، وانتخاب برلماني أو مستشار جماعي فقط لأنه “مول الشكارة” أو وضع قائد سياسي على رأس هرم حزب عن طريق الإنزال والإقصاء وصناعة اللوبيات المصلحية، أو تعيين رئيس جمعية فقط لأن له شبكة واسعة من المعارف والعلاقات التي تعوضه عن النقص في كفاءة التسيير والتدبير…
كل هذه الممارسات قد تسببت في الماضي وتتسبب اليوم وستتسبب غدا في إفقاد تدبير شؤون الدولة بمختلف مؤسساتها و شؤون الأحزاب بكل توجهاتها وشؤون الجمعيات بكل اهتماماتها وشؤون المهن بكل تنوعها، مبررات وجودها ومضمونها الأخلاقي وبعدها الديمقراطي والاجتماعي والذي بدونه لا يمكننا أن ننتظر سوى المزيد من تغول الفساد والانحرافات وبالتالي المزيد من الاخفاقات وخراب المؤسسات وإفساد الذمم والقيم المجتمعية.
لدى فإن تخليق تدبير ما يجمعنا من مشترك سواء كان سياسيا أو اجتماعيا أو إقتصاديا أو ثقافيا، يعتبر أولوية الأولويات في تفكيرنا وممارساتنا وبرامجنا كمناضلين وكمثقفين عضويين نتحمل، شئنا أم أبينا، جزء من المسؤولية غير المباشرة في ما يتخلل حياتنا العامة من انزلاقات واختلالات قد تعصف لا قدر الله بكل ما نبذله كمجتمع وكدولة من مجهودات مضنية في مختلف الميادين والمجالات لكي يحقق بلدنا التقدم المنشود في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولكي يرتقي وطننا إلى المكانة التي يستحقها بين الأمم والشعوب المتقدمة.