بقلم : البراق شادي عبد السلام
بنهاية المقابلة الفاصلة بين أسود الاطلس و ديكة الإيليزيه توقف مؤقتا المسار البطولي المغربي في مونديال قطر بالوصول للمباراة النهائية و التباري على الفوز بالكأس العالمية.
في اللحظة التي صفر فيها الحكم معلنا نهاية المباراة ، إبتدأ الحلم المغربي بتأسيس مدرسة كروية مغربية ببعد عالمي عمادها اللعب النظيف و تطوير المهارات الجماعية العالية للاعبين من العيار الثقيل يمتلكون مهارات فردية خرافية .
رغم الفاجعة التحكيمية التي تعرض لها رجال المغرب من طرف جهة ما !!! يمثلها الطاقم للاتيني لتحكيم المباراة فإن المنتخب المغربي جامعة ملكية و أطر تقنية و لاعبين وجمهور، قدموا درسا عالميا في الاخلاق الرفيعة و إكتشف المغاربة أن لديهم ” وليدات مربيين ” بأخلاق عالية و إحترام كبير للخصم كمغاربة يمثلون الحضارة المغربية و روح تمغربيت .
الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لم تتأخر عن الموعد لتنقل إحتجاج المغاربة على الظلم التحكيمي الذي طالما كان من أعطاب الكرة المغربية و بشكل خاص في إفريقيا .
اليوم للأسف ينتقل هذا الظلم و نراه في محفل مونديالي حقق نجاحا إستثنائيا بكل المقاييس ، سواء في طريقة التنظيم أو نتائجه المفاجأة لكل الدوائر العالمية .
المنتخب المغربي بقتالية لاعبيه و الروح الرياضية التي تميزو بها و إلتزامهم الدائم باللعب النظيف و الإحترام التام لقرارات هيئة التحكيم مما أثار إعجاب العالم و الخصوم قبل الأصدقاء ، ليتحول هذا المنتخب في لحظة معينة إلى صوت الشعوب التي عانت و تعاني من غياب ” العدالة الرياضية ” و ليتحول مسار المنتخب المغربي في كأس العالم إلى حملة تغيير هادئة في العقليات و الممارسات التي طبعت كرة القدم العالمية عبر التاريخ .
الإجماع العالمي على مساندة أسود الاطلس في منافسات كأس العالم يمكن إعتباره نتيجة مباشرة للقوة الناعمة المغربية التي تعتمد على مبادرات جلالة الملك محمد السادس و علاقاته الطيبة الدائمة مع قادة و شعوب العالم و حرصه الدائم على مد جسور التكامل و التضامن و إلتزامه المستمر بدعم القضايا الإنسانية العادلة.
الإلتفاف العالمي حول المنتخب المغربي ليس نتيجة لمسار كروي حافل فقط بل هناك جانب آخر يتمثل في الإستراتجية الديبلوماسية المغربية المبنية على الأمن و السلم و الإحترام المستدام للشعوب و الموقف المبدأي بدعم القضايا العادلة للشعوب وفق الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس ، حيث أن البشرية كلها اليوم تعتبر المغرب بلد الأمن و الأمان و الإستقرار و السلام بعيدا عن المزايدات السياسية أو التدافع الإقليمي لتحقيق مكاسب ظرفية .
العالم كله يتذكر بفخر مشاهد الملك محمد السادس في تونس إلى جانب الشعب التونسي الشقيق بعد مؤامرة إرهابية إستهدفت تدمير إقتصاده بضرب القطاع السياحي المورد الأول للعملة الصعبة و بالتالي يسهل إرتهان القرار السيادي التونسي لقوى إقليمية و إستخدام هذا القرار لمناوئة الوحدة الترابية للمملكة المغربية و تحويل تونس إلى بارشوك جيوسياسي لتحقيق طموحات إقليمية.
العالم كله يتذكر الزياراة الملكية السامية لمختلف أقاليم القارة الإفريقية حاملا لواء التنمية و الإزدهار لشعوبها بخطط تنموية كبرى تستهدف الحفاظ على إستقلال شعوبها و حماية ثرواتها من القوى الإستعمارية .
بالإضافة للتاريخ المغربي العريق والحضارة المغربية الضاربة في عمق الوجدان الإنساني و العلاقات الممتدة عبر الأزمان و العابرة للمسافات و طبيعة علاقة الإنسان المغربي الطيية مع مختلف شعوب العالم .
كل هذه المواقف الإنسانية لجلالة للملك محمد السادس شكلت القوة الناعمة المغربية التي ترجمتها بشكل واضح لا لبس فيه حالة التعاطف الإنساني الكبير و المنقطع النظير من أغلب شعوب العالم التي وثقتها مشاهد و مقاطع فيديو من مختلف بقاع المعمورة .
الجمهور المغربي قدم دروسا جميلة جدا في روح الإنتماء و الدعم اللامحدود للرجال في الميدان ، المشاهد الجميلة من قطر و من مختلف عواصم العالم لإحتفالات و دعم الشعب المغربي و مغاربة العالم كانت حافزا كبيرا للاعبين للإستمرار في الحلم و تحقيق ماكان يظنه الآخرون مستحيلا .
إنخراط كل القوى الحية في المجتمع و على رأسها نساء الوطن و بناته من الماجدات المغربيات اللاتي أظهرن حضورا كبيرا في التشجيع سواء داخل الميدان أو خارجه و أعطى صورة جميلة للمجتمع المغربي المتمسك بعاداته وتقاليده المغربية الأصيلة فطالما كانت المرأة المغربية حاضرة و بقوة في كل الملاحم الوطنية الكبرى التي عرفها تاريخه العريق ومؤشرا على إندماج كل مكوناته بمختلف الذهنيات والتمثلات والقيم في هذا الحدث داخل فسيفساء مغربية خالصة .
المملكة المغربية مرة أخرى تغير الخرائط الكروية العالمية، و تأخذ مكانتها المستحقة بين الكبار نتيجة قرارات شجاعة و مسؤولة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بإختيارها لوليد الركراكي ككفاءة مغربية تمتلك مواصفات قيادية إستطاعت في أقل من ثلاثة أشهر إعادة بناء فريق قوي متكامل حقق نتائج لم يكن يتوقعها أكثر الناس تفاؤلا .
لكن كانت حلما مشروعا و دائما لأكثر من أربعين مليون مغربية و مغربي..
كل التعليقات و التدوينات و ردود الفعل داخل المغرب و خارجه تؤكد على حقيقة واحدة و كأنه صوت جماعي لملايين المغاربة يقولون لأسود الأطلس : كسبتم قلوب العالم باللعب النظيف و الروح الرياضية الأنيقة ، قدمتم عرضا كرويا مبهرا بأداء بطولي و أسلوب لا يتقنه إلا الكبار في كرة القدم العالمية ، اليوم لدينا الحق بأن نفتخر بأن للمغرب فريق عالمي بلاعبين من العيار الثقيل يمتلكون مهارات عالية و ثقة كبيرة في النفس و هذا هو المكسب الحقيقي ، المعركة لم تنتهي بعد لازال أمامنا حظ التباري على المركز الثالث كأحسن فريق في العالم ، الرسالة كانت واضحة أن الحل الحتمي لجميع الأعطاب المغربية يجب أن يكون مغربيا ، النموذج المغربي المتشبع بالروح العبقرية لتمغربيت هو طريقنا الوحيد للمجد .
إنتصرنا على الخطاب الإنهزامي و تجار الإنكسارات، و أعدنا إكتشاف الروح الوطنية الصادقة لأربعين مليون مغربي كلهم تجندوا وراء حلم جميل و طموح مشروع ، كما إكتشفنا أن من بين ظهراننيا فئة قليلة من البؤساء و الأغبياء و المشككين لا يتركون أي فرصة لممارسة طريقتهم في العيش المبنية على الإنتهازية المقيتة المتشبعة بجينات من الخبث المتوارثة عبر أجيال ..من يرون في إنتصار المغرب هزيمة لهم ، من يرون في فرحة المغاربة كساد لبضاعتهم في نشر الخطاب العدمي و التيئيسي ، من لديه يقين أننا وصلنا للمحطة النهائية هو واهم ، اليوم فقط كانت البداية و المسيرة لازالت و ستبقى مستمرة ، النهوض بالرياضة المغربية هو خيار إستىراتيجي للدولة المغربية و كل قواها الحية و إنجاز المنتخب المغربي يعطي دفعة قوية للفاعل المؤسساتي الرياضي بأن يكمل مسار إصلاح القطاع الرياضي مسترشدا بالثقة المولوية في الكفاءات المغربية و بالرؤية الإستباقية للإنجازات الوطنية و أثارها المنتظرة والتي تمت معاينتها بشكل جماعي في هذا المونديال و التوجيهات الملكية السامية التي أكدتها رسالة جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في المناظرة الأولى للرياضة المغربية الصخيرات أكتوبر 2008 قائلا : ” ثقتنا كبيرة في الإمكانيات الكبيرة للرياضة المغربية، ومن هنا لن تألو جهدا من أجل دعم كل المبادرات الحسنة التي تعمل جاهدة على بلوغ هدفها الأسمى المتمثل في جعل الرياضة المغربية نموذجا متميزا ومدرسة حقيقية للحياة وللوطنية والمواطنة وعنصرا للتلاحم الاجتماعي ورافعة الإشعاعنا الجهوي والدولي. ” …///