عبد الرحيم الضاقية
شهدت كلية الأداب والعلوم الانسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش يوم الثلاثاء 6 دجنبر 2022 مناقشة أطروحة دكتوراه في التاريخ المعاصر تقدم بها الطالب الباحث مولاي عبد الحكيم الزاوي جامعية في بعنوان: «الماء في الاستوغرافيا الأجنبية، مجال الأطلس الكبير 1792-1956، محاولة في التركيب . وقد تالفت لجنة المناقشة العلمية من كل د. محمد توفيق لقبايبي رئيسا، و د. خالد الرامي عضوا، و د.ة خديجة الزاهي عضوا، و د.هشام الركيك عضوا، و د.ة عائشة كنتوري مشرفا .
كان منطلق البحث راهني بالتحديد؛ مُحاولة استقراء مستويات الأزمة المائية في مدار جغرافيا قاسية تشوفت إليها بصائر السلطة باستمرار. كان التفكير إقامة سفر في الزمان والمكان، و أن يكون الحاضر صدى للماضي من خلال الوقوف على تحليل العطاء الاستوغرافي الأجنبي. وبين ما حدث بالأمس القريب وما يحدث اليوم من ثورات العطش في عموم البلاد قد يتحدث البعض عن أزمة مائية تلوح في الأفق. يجيب المؤرخ، الأمر لا يعدو أن يكون مشهدا تكرر دوما في تاريخ المغرب ظل يخنق كل تطور حادث.
أشتغلت الأطروحة على منهج خاص بها حيث انتظمت الفصول والمباحث وفق تصميم هندسي مفتوح. يبدأ بالمنهج وينتهي إليه، في توافق مع المقولة الشهيرة: “الموضوع هو من يستدعي المنهج وليس العكس”. تبعا لهذا الاختيار، لم تشأ الأطروحة أن تتوقف عند وقائع بعينها، بل عند تحولات حاسمة كان الماء أحد أطرافها.وقد كانت الأطروحة محاولة تتبع النقاشات الاستوغرافية التي واكبت رحلة الماء في تاريخ المغرب المعاصر، وتخصيصا في تاريخ الأطلس الكبير. وعبر هذا التتبع توقفت عند الماء ليس بوصفه حدثا شاهدا، بل بوصفه عنصر تفسير وتحليل يدخل ضمن فهم منحنيات البنية العامة لتاريخ المغرب، من حيث الانتظامات والانكسارات، ومن حيث التغير والثبات….
والحال، رافق الماء كل التحولات الكبرى التي بصمت تاريخ المغرب، وتاريخ الأطلس الكبير على وجه التحديد سواء من حيث لحظات الوفرة، أو من حيث لحظات الندرة، مسجلا حضوره الدائم في كل التحولات التي جرت في الأطلس الكبير، من حيث التراتب الاجتماعي، توزيع السلطة، نمط الإنتاج، والبنية الذهنية…
وقد، جاء الاهتمام بالنص الأجنبي – حسب الباحث – بحكم مركزيته في كتابة تاريخ المغرب، إذ لا يزال النص الأجنبي يفتح قارات جديدة في ورشات الكتابة التاريخية…كما لا يزال الموقف العلمي مطبوع بالحذر والتهيب. لهذا، تحاول الأطروحة الانتقال من جدلية الرد المتشنج إلى منهجية المحاورة الهادئة .
هنا في هذا الجبل أيضا، جُربت رؤى واستراتيجيات من طرف كل الدول التي تعاقبت على حكم البلاد. جرَّب المخزن المرابطي استراتيجية الضبط عبر القلاع والحصون، وفوض الموحدون وبعدهم المرينيون والوطاسيون للقبائل الجيَّاشة مراقبة الجبال، وتبعهم في ذلك السعديون والعلويون…كلَّ الدول التي تعاقبت على المغرب بحتت عن حلول مؤقتة لمشاكل مزمنة. وحتى حينما كان القرار المركزي يغيب عن الأطلس، كانت الانقسامية تتعمق، والولاءات تتعدد…الأطلس بالنهاية مجال دوراني في تاريخ البلاد، نسيج يُبنى ويُفَكَّ، وعمران يُشيد ويُخرب، وزروع تُسقى وتُتلف…وكأن قدره الجغرافي أن يبدأ من جديد ويستأنف مسيرته مع كل وافد جديد على السلطة.
انتصرت الأطروحة بالنهاية إلى اعتبار الهامشية ثروة متنقلة، كانت تُساق إلى المناطق والآفاق التي لا تطالها الأحكام، ولا تمتد إليها مؤسسات المخزن…الهامشية استثمار مستمر في الحركة، وتوظيف ذكي واستراتيجي لخصائص المجال من أجل تأمين ثلاثية العيش: الماء، الكلأ والأمن…جُل الدول التي تعاقبت على تاريخ المغرب لم تجد حلولا لأزمة الهامشية، ما دامت نظيمة الدولة كانت ترث كل شيء، حتى الأمراض المزمنة والهيكلية. فكلما وهنت السلطة المركزية وبدت أعراضها، تعمقت الهامشية في الأطراف، وترسخت الانقسامية بين مكونات المجتمع، وظهرت مخادع جديدة تأوي العصاة والمنشقين. من هنا قد نتفهم عقيدة التخريب التي طالت العُمران المائي في تاريخ المغرب، كما نتفهم الإهمال المزمن للجبل والإحجام عن خوض حروب قاسية لإخضاعه من طرف السلطة.
وبعد مداولات لجنة المناقشة حصل الطالب الباحث مولاي عبد الحكيم الزاوي على ميزة مشرف جدا، مع التوصية بالطبع مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي وجهتها اللجنة العلمية المناقشة للعمل.ويذكر أن الدكتور الزاوي أستاذ لمادة التاريخ بالثانوي التأهيلي وباحث نشيط و منشغل بموضوع الثقافة بشكل عام وبتفكيك الخطابات ذات البعد التاريخي والانتربولوجي بشكل خاص . يبرز ذلك الانهمام من خلال كتابات قلقة تثير الكثير من القضايا ذات البعد الكوني في مضمونها دون التفريط في المحلي والوطني في روحها . ومن المؤكد أن الأطروحة بعد طبعها وانتشارها ستكون إسهاما متميزا في كتابة تاريخ المغرب المعاصر بمنهجية محاورة للنصوص ومركبة لها دون نقض جاهز ومسبق وهذا من شيم الباحثين ذووا بعد رصين في قراءة الوقائع التاريخية ..