البدالي صافي الدين
أصبحنا نعيش منذ سنوات ظاهرة الساعات الإضافية المؤدى عنها، يقدمها أساتذة في التعليم العمومي و حتى في التعليم الخصوصي في مقامات متعددة، بل حتى في المقاهي أو في مدارس خصوصية او مدارس تعليم الحلاقة او التمريض ، بمعنى أن هناك أبوابا مفتوحة على مصراعيها للريع و الكسب السريع على حساب الأسر و على حساب راحة التلاميذ. و لقد سبق لوزير التعليم الراحل محمد الوفا أن تصدى لهذه الظاهرة بعد أن وقف على مساوئها بنفسه . و تحولت عملية الساعات الإضافية بعده تقدم في السر، حيث يتعاقد التلميذ و الأستاذ عن المكان الذي يكون خارج عيون المراقبين .
فلماذا هذا التهافت على الساعات الإضافية ؟ هل ذلك راجع إلى ضعف التلميذ ؟ أم راجع الى مضامين المراجع و المناهج الدراسية المعتمدة في جميع الأسلاك ؟ أم راجع الى الاستاذ الذي يبحث عن كل السبل غير التربوية من أجل الربح ؟
إنها اسئلة فرضتها ظاهرة الساعات الإضافية المؤدى عنها والتي أصبحت تسيء الى سمعة الاستاذ وإلى القطاع التعليمي بشكل عام بل حتى التعليم الخصوصي .
إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب منا استحضار قواعد المنظومة التعليمية ومدى ملاءمتها مع واقع المنظومة التعليمية في بلادنا . أولا تنبني كل منظومة تعليمية على المكونات التالية :
1 – التلميذ و هو مركز الاهتمام،
2- الأستاذ حامل المشروع التربوي،
3- المنهاج الدراسي،
4 -الأسرة والمحيط الاجتماعي و الثقافي . وكل مكون من هذه المكونات له علاقة جدلية بالمكونات الأخرى ، فإذا فسد احدها فسدت المنظومة ككل ، و إذا كان هناك تفاعل ايجابي بين كل المكونات صلحت المنظومة وتحققت الأهداف المرجوة . فالمغرب لم يستطع
تحقيق هذه المعادلة المتعلقة بالمنظومة التربوية للاسباب التالية: أولا، لأنه لم يجعل من التلميذ مركز اهتمام في المنظومة و ذلك رغم ما قام به من اصلاحات تعليميَّة متتالية على مسَّتوى المناهج والبرامجَ وطرائقَ التدريس و على مستوى التقويم ، و لم يستطع تحقيق رتب متقدمة عالميا . و ظلَّ يُراوح مكانَه في مؤخرة الترتيب بين مصافِّ الدول المتأخرة. لأن
التلميذ ظل عنصرا خارج المنظومة و في وضعية المتلقي وليس كعنصر مشارك من أجل بناء واكتساب المعارف و تقوية قدراته العقلية و الفكرية. بل يجد نفسه تحت وطأة برامج ذات حملات خارج اهتماماته وطموحاته الفكرية و العقلية . بل يجدها غريبة عن محيطه الاجتماعي والثقافي، مما يجعله يصبح عاجزا عن التعلم الذاتي و عن الاكتشاف وإعادة الاكتشاف و عن الاستدلال والتحليل العلمي واستعمال المنطق في حياته اليومية و في علاقته مع المحيط و يصبح في حاجة الى دعم خارجي الذي يتجلى في الساعات المؤدى عنها لعله يتدارك النواقص التي راكمها في المؤسسة التعليمية العمومية أو الخصوصية.
إن اعتبار الطفل خارج مركز اهتمام العملية التعليمية/ التعلمية من الدوافع التي فرضت عليه الساعات المؤدى عنها و التي لا تجعله مفكرا او مبدعا بل ناسخا للدروس و تجعله يتمرن على الاختبارات الافتراضية و على انجاز تمارين لعله يصادفها أو مثلها في الاختبارات المراد اجتيازها .
هذه واحدة من اسباب فشل المنظومة التعليمية في بلادنا.
ثانيا : بالنسبة للأستاذ حامل المشروع التربوي ، فإنه أصبح حبيس مضامين لخدمة أهداف سياسيَّة وأيديولوجيَّة.
و رهين توجيهات و تعليمات لا تساعده على تجاوز ما هو وارد في الكتاب المدرسي بالإضافة إلى عدم توفير الوسائط الديداكتيكية التي هي رافعة أساسية لإنجاح المنظومة التعليمية ولتحقيق الأهداف التعليمية النعلنة و بناء الكفايات لدى المتعلم. ثم إن معضلة التكوين الأساسي للاستاذ و التكوين المستمر ظلت من زمن بعيد تشوبها عدة نواقص و اختلالات مما حول الأستاذ الى ملقن كرها وليس إلى منشط تربوي و مبدع ومؤلف .
3 – اما بالنسبة لمحتوى البرامج فإنها تتغذى من نقل التجارب الفاشلة في دول أجنبية (فرنسا، بلجيكا) و من الاستلاب الفكري و ليس من الإبداع الوطني العلمي, ذلك الإبداع الذي يحرس على الهوية و على الموروث الثقافي و و يساعد الطفل على المبادرة والمشاركة الفعلية في بناء المفاهيم و على الاكتشاف و استثمار المكتسبات في وضعيات مختلفة علمية أو ثقافية او فنية أو رياضية .
رابعا، إن الطفل/ التلميذ يعيش تناقضا بين ما تقدمه المدرسة و ما هو واقع على مستوى الأسرة والمحيط . وهنا يفقد الطفل توازنه المعرفي و الفكري و الثقافي و يصبح يعيش الاستلاب و الأشياء الجاهزة فيصاب بالملل و بالكسل و بالتمرد على الذات وعلى المدرسة.
ذلك هو واقع المنظومة التربوية في علاقتها مع الساعات المؤدى عنها.