.محمد مقصيدي.
عادة، عندما نسمع مدينة “الصويرة”، فأول ما يتبادر إلى الأذهان الحركية الثقافية والفنية لهذه المدينة، فلماذا، رغم ما قام به المشرفون على معارض الكتاب على المستوى المركزي، في وزارة الثقافة، لإنجاح هذه التظاهرة، كانت الحصيلة إقليميا وجهويا، تحت الصفر؟ هل هو فشل للكتاب والثقافة في الصويرة أم تم إفشاله بسوء التدبير الإقليمي والجهوي؟ أم كانت هناك خبايا أخرى ساهمت بخيوط خفية في تهميش الكتاب والكتابة؟؟؟
قبل أن نتطرق لنماذج من ارتجالية وعبثية وسوريالية منظمي معرض الكتاب إقليميا، نشير فقط أن الصورتين هما في وقت لا بد أن يبلغ فيه عدد زوار المعرض ذروته ( حوالي السادسة واربع وأربعين دقيقة مساء )، وكان هذا حال المعرض طيلة الأسبوع، باستثناء الأصدقاء الذين يحضرون خصيصا أو المهتمين الذين اكتشفوا وجود المعرض صدفة وجاؤوا لاقتناء بعض الكتب.
من مئات النماذج لفشل المعرض نقدم عينات قليلا:
1- معرض كتاب بلا افتتاح: في كل المعارض، سواء مغربيا أو عربيا أو عالميا، أول مرة هناك معرض كتاب بدون افتتاح. في الوقت الذي نرى في البرنامج افتتاح معرض الكتاب، وفي المعتاد أن يحضر بعض مسؤولي المدينة كالمجلس البلدي مثلا ( حضر رئيس المجلس البلدي في أنشطة كثيرة قبل هذا المعرض، وحضر أيضا يوم زيارة عامل الإقليم للمعرض، وحضر أنشطة في أماكن أخرى، لكنه لم يحضر يوم الافتتاح ولم يكلف شخصا آخر عن الأنشطة الثقافية للمجلس بالحضور، ولم يحضر دعما للكتاب والكتابة)، الأمر ذاته، ينطبق على ممثلي المؤسسات الوازنة، فبعد وقت طويل من انتظار الافتتاح وانتظار المسؤولين، كان المدير الجهوي للثقافة والمديرة الإقليمية للثقافة فقط من يتحدثان مع العارضين والناشطين في جولة كاريكاتيرية للافتتاح، حتى أنه بعد فراغ القاعة وذهابهم، سألني أحد العارضين متى الافتتاح؟ فأخبرته ضاحكا: لقد انتهى حفل الافتتاح الذي لم يكن.
2- أنشطة معرض الكتاب التي أعدمت معرض الكتاب: في معارض الكتاب في المغرب والعالم، (طبعا إلا في الصويرة) تقام كما هو معروف أنشطة ثقافية موازية في المعرض من أجل خلق حركية بين الكتاب والقراء، وبين الكتاب والكتاب، ومن أجل احتفالية بالكتابة وخلق أجواء ثقافية، لكن عبقرية المسؤولين الإقليمية والجهوية تفتقت من أجل إفشال المعرض، حيث نظموا جل أنشطة المعرض في أماكن لا علاقة لها بالمعرض ( دار الصويري، بيت الذاكرة، فضاءات في الهواء الطلق بعيدا عن المعرض..). وهكذا الحاضرون والكتاب يوجدون في أي مكان في أنشطة داخل المدينة إلا في معرض الكتاب . وحقا، لا اعتقد أنه إن كان لشخص او مؤسسة إرادة في إعدام المعرض وإفشاله أن يأتي بفكرة أحسن من هذه الفكرة. فالكتاب والضيوف والمهتمون بالكتاب والحضور عموما دائما في أمكنة بعيدة عن المعرض، باستثناء أنشطة الأطفال. لو أرادت المديرة الإقليمية للثقافة أو المدير الجهوي أو المنظمون على المستوى المحلي أن يقوموا بأنشطة للمدينة ولدار الصويري ولبيت الذاكرة، فلديهم العام كله للقيام بأسبوع ثقافي، أو كان بالإمكان أن تستغني المديرة الإقليمية للثقافة عن معرض الكتاب وتكتفي بتلك الأنشطة البعيدة كليا عن أروقة المعرض… لكنها، هي وهم طبعا، فضلوا إعدام المعرض والقيام بتلك الأنشطة باسم المعرض.
3- اللامبالاة المطلقة بالكتاب: تعامل المسؤولون، وعلى رأسهم المديرة الإقليمية ( بحكم أنه معرض إقليمي وهي المسؤولة الأولى عن التنظيم وإنجاح هذه المحطة الثقافية) بكل لامبالاة مطلقة مع الناشرين والعارضين. إذ لم تكن تحضر أساسا إلا لدقائق عند حضور أحد المسؤولين، فطيلة أيام المعرض، كان الناشرون والعارضون وحدهم، من يتواجد في الأروقة، إلا طبعا لدقائق، تحضر ويحضر آخرون، من أجل أخذ الصور لنشرها في الإعلام وللحديث عن معرض كتاب وهمي، كل أنشطته لا علاقة لها به.
4- في معرض الكتاب بالصويرة: لا فرق بين معرض الكتاب ومعرض ادوات المطبخ أو سوق الخضر : لا أغرب من أن تجد مسؤولا ثقافيا يدير أنشطة الثقافة ويدير مديرية للثقافة، ويتعامل مع الناشرين كأنهم يبيعون البطاطس أو النعناع -مع كل احترامي وتقديري لبائعي البطاطس والنعناع-، في تقدير مثل هذه العقليات: الناشر أو العارض جاء ليبيع سلعته ويربح فلوسا ويذهب، وماذا يبيع أصلا؟ أوراقا لا تصلح لشيء: هكذا ينظرون للأمر.
هذه العقليات الاحتقارية للناشر والكاتب هي التي تسيء وتعرقل وتفشل كل مجهودات وزارة الثقافة من أجل دعم الكتاب وخلق دينامية في الوسط الثقافي. بل، أنهم يعتقدون، بل يؤمنون، أن توفير الأكل والإقامة طيلة أيام العرض فضل كبير يجاد به على محتاجين… إذا كان هذا هو موقف أكبر المسؤولين الإقليميين والمحليين والجهويين، عن قطاع الثقافة، فلن نلوم موقف ونظرة العامة للكتاب والكتابة.
5- هل يصلح العطار ما أفسدته المديرة الإقليمية للصويرة؟ : قبل أن أنهي، ولي عودة للموضوع في مقالات مفصلة، لأنني اردت فقط أن أشارك الأصدقاء والصديقات بعض الأفكار عن معرض الكتاب بالصويرة، ونحن ذاهبون الآن لمعرض الكتاب بمراكش، لا بد أن أشير إلى جدية وعمل المسؤولين الدؤوب على المستوى المركزي، وأشيد بها، وعلى أيضا مواكبتهم المستمرة وحرصهم على إنجاح معرض الصويرة والمعارض الجهوية والإقليمية في كل ربوع المملكة، لكن اليد الواحدة لا تصفق، وهل يصلح العطار ما أفسدته المديرية الإقليمية للصويرة وكذا من نظم ونسق وأفسد الحفل معها جهويا وإقليميا؟
– فقط من أجل الضحك:
من طرائف وقفشات المعرض الكثيرة: بحكم فشل المعرض على كل المستويات، أخبرتنا المسؤولة الإقليمية وبعض المنظمين أنهم عملوا على التواصل مع العمالة ومع الجهات التي تدعم الثقافة في الصويرة من أجل اقتناء كتب (دعم للناشرين ودعم للثقافة والخزانات في الصويرة)، وطلبوا منا إعداد لوائح العناوين. وبعد مقدمة طللية تشيد بإحدى المؤسسات الراعية للثقافة التي جاءت لمعرض الكتاب لتدعم الثقافة في الصويرة وتدعمنا كناشرين وعارضين، وتكيل المديح لعملهم العميق، وعلى مسمع ومرأى من المديرة الإقليمية، تقدم المسؤول عنهم لشراء ما قيمته 180 درهما ( 18 دولار ) وطلب مني أن أقوم له بتخفيضات. ندمت أنني لم اقل له: أنا أعطيك 180 درهما، فقط لا تزرني مرة أخرى في الرواق..