عبد الواحد الطالبي
كان عبد الله الحلوي قصير القامة خفيف الحركة سريع اللسان خبيرا بعلمه الذي لم يعلمه سواه بمستواه، أتقن الصنعة التي أبدع فيها وبرع وكان هو مع العدسة وحده جنس، متفوقا على زملائه يوثق ما تنفذ إليه بصيرته قبل عينيه. وفي كل ما التقطه من مشاهد تحدثت الصورة لديه ببلاغة فريدة غاصت من خلالها الأيقونات في غور الحدث واتت بالخبر يقينا يغني دليله عن كل تعليق.
تواجد عبد الله الحلوي في كل مكان هو وطيفه سيان، كان عجولا لا يفوته خبر مثل الظل مثل الحرور، حريصا على السبق بتميزٍ شِدَّةَ حرصه على الأناقة في اللباس والحركة والحديث وفي كل شيء يصنع فيه الممكن من المستحيل…
إذا ما لانت الحياة انساب معها الحلوي انسياب الغدير، وإذا ما اشتدت وعصت كان كصياد القصبة صبورا على السمكة تحت الماء في قبضة الصنارة تتلوى حتى تتعب وتستسلم، لم يتزود في عمره الذي ما يزال فيه بقية من سنين سوى الوفاء والثقة والعمل المخلص وحب الناس وكثيرا من اللباقة والكياسة.
حيثما يكون الخبر فثمة عبد الله الحلوي متسللا او جسورا، إن لم يكن بذاته فبطيفه لا يفوته حدث إلا وثقه بالبصمة ذات الأثر، ولكل صورة من عدسة الحلوي أثر وأي أثر.
كصورة المسؤول يطارد طفلا في ملعب كرة، وكمسؤول آخر انحنى يحزم رباط حذاء لمصور يحمل كاميرا في موقف مهيب، وكذات مرة حلت لجنة من الإدارة العامة في مهمة سرية لمصلحة الشرطة القضائية، وكاليوم المشهود لتدشين معهد سيرفانتيس في مراكش ومثل آلاف المشاهد الموثقة والمسجلة بالعدسة في ظروف يستحيل على المصور العادي أن يلتقطها من دون شدة النباهة ويقظة الوعي وسرعة البديهة وفطنة الذكاء وإتقان الحرفة والعلم بالصنعة…
عبد الله الحلوي أزرى بعلو المنصب وأهان كرسي المسؤولية وحط من الموسوط بسلطة الواسط وأعلى بالصورة شان صاحبة الجلالة…
صنع لنفسه اسما في عالم الأخبار وصار شيئا مذكورا تتهيبه الأحداث والوقائع وهو في موضعها محل تهافت لكنه لم يكن يرضى سوى بالصفحة الأولى وبالمانشيت العريض، صوره تتصدر الجرائد والمجلات والصحف…
لم يثبت في عمل مثلما لم يثبت في هيأة أو على حال، يدور في كل الاتجاهات لأنه يرفض الملل ويكره السكون والثبات، فنانٌ يحمل قلبا كبيرا وعقلا وفيرا لم يسعفهما الجسم النحيل في قامة قصيرة لكنه مددها بدهاء حين يلبس تقليديا ويتزي عصريا ويتحدث بروية ويجالس الأعيان ويحادث الكبار وحين يتقمص الأدوار ويجعل بين ثلاث أثافي من أنامل يده الصغيرة سيجارا يحترق بأنفاس يعرف كيف ينفثها وكيف يمسك بلفافة الهافانا من نوعية كوهيبا الطويلة قدر دراعه.
عبد الله الحلوي صناعة ذاتية، ليس لاحد فضل تكوينه ولا إعداده وتأهيله سواه…تتلمذ لمن سبقه إلى حرفة التصوير الرسمي من القيدومين لكن تفوق بقدراته وبذكاء فطري واستعداد للمغامرة فأصبح صنديدا.
وعرفته محبا ودودا خدوما، وفضوله من فضول المهنة التي عشقها ومارسها وشغف بها مع زملائه الصحفيين والإعلاميين متقاسما معهم متاعبها…
ما التقيته إلا كان أنيقا مؤدبا أنسى اسمي في حديثي معه لكثرة ما يناديني بالأستاذ وبالصحفي الكبير وبغيرها من الصفات التي تخجل تواضعي، وما عدا الصفات التي يدعوني بها أكاد لا ألملم الكلمات في حديثه باسترسال…
عرفته لا يفوت مناسبات المؤازرة في مأثم والتبريك في فرح، مساندا في مواقف الدعم والحاجة الى التعضيد، صديقا وزميلا ورفيقا وأخا شيمته الوفاء والإخلاص والصدق غضبه سريع إنما ذاكرة تخزين الحنق في قلبه أو ذهنه ضعيفة…
عرفت عبد الله الحلوي الإنسان البسيط الشعبي الفائر بالأماني الصادق في مشاعرة ابن البلد او ولد الحومة (العزاوي) في قاموس أهل مراكش ومع ذلك لم أكن أعرفه كما هو سوى هذا اليوم عندما ودعناه في قبره.
هذا اليوم فقط عرفت من خلال الحشود في جنازته من رجال الأعمال والمسؤولين الإداريين والأمنيين والصحفيين والاعلاميين ونشطاء المجتمع المدني ومنتخبين وأشخاص ذاتيين، أن المرحوم عبد الله الحلوي كان غنيا ثريا وخلف ثروة من ذكريات لاشك أنها منحوتة موشومة بجميل الخصال وحميد الأفعال لدى كل هؤلاء العشرات الذين شيعوا جثمانه إلى مثواه الأخير بمقبرة باب اغمات بلا محاباة أو ترضية لأحد إلا إخلاصا لذكرى ووفاء لصديق وعرفانا لزميل وخطوة لوجه الله وشهادة تشفع للفقيد يوم الحساب.
وفي المقبرة أدركت أن قصور البصر لدي فاته النظر إلى قامة عبد الله الحقيقية التي لم تكن قصيرة بالقدر الذي رأيته فيها ولكنه هرم بحجم ذاك الوفاء الذي عبر عنه لشخص محبوب لديه سبقت الموت إليه قبل عام وأوصى أن يدفن جنبه ويكون قبره إلى جوار عمر الجزولي رحمهما الله
فاللهم اغفر له وارحمه وارحمنا اذا صرنا الى ما صار إليه وارزقه الفردوس الأعلى من الجنة.