وليد محمد الساسي
شكل تدهور المعيشة في ليبيا وقوداً لاندلاع المظاهرات الغاضبة في مختلف ربوع البلاد منذ ليلة الجمعة الماضية. في زمن تتصارع فيه حكومتان على السلطة، وتهاوي العديد من القطاعات الاقتصادية وتراجع إنتاج النفط وارتفاع الأسعار وزيادة البطالة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة مع تدهور باقي الخدمات.
فشلت الحكومات المتوالية منذ إندلاع ثورة فبراير 2011، في توفير حياة كريمة للمواطن، وسبب جمود مجلسي الدولة والرئاسي وعدم قدرتهما على التوافق، في افشال الإنتخابات التي كان من المزمع إجراؤها أواخر العام الماضي، مما شكل شرارة البدء لمظاهرات واسعة تطالب برحيل جميع هذه الأجسام السياسية، والوصول الى إنتخابات نزيهة.
إلا أنه وفي اليوم الأول للمظاهرات السلمية، قامت بعض العناصر المندسة فيها، بأعمال شغب وحرق وتدمير بعض المقار الحكومية وعلى رأسها مقر مجلس النواب في طبرق، وفق أطراف ليبية.
وبالأمس، أكد ديوان مجلس النواب أن من قام بحرق مقر الديوان متظاهرين مدفوعين من قبل جهات مشبوهة لا تمثل طبرق ولا أهلها.
وأضاف الديوان في بيان له أن الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي حق من حقوق الإنسان، إلا أنه مقيد بالقوانين واللوائح والنظم السارية، وأدان عملية حرق الأرشيف الورقي للمجلس والذي ضم مختلف القوانين واللوائح والمستندات المتعلقة بعمل مجلس النواب بما فيها علاقات بالدول، والتقارير السرية التي ترد إليه من مختلف الأجهزة الأمنية المتعلقة بالأمن القومي الليبي المحلي والدولي، والذي تجمع على مدى الأعوام الثمانية الماضية.
ووفق محللين ومراقبين للوضع الليبي، فإن عمليات سرقة الديوان والتخريب الذي حصل، تقف وراءه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الطامع بمقدرات ليبيا وشعبها. فالغرض من تلويث المظاهرات المحقة بات واضحاً، وسرقة المستندات الحكومية، تنفعهم في خططهم الآتية المبنية على بث الفوضى وإشعال الفتن، لتبقى ليبيا في حالة فوضى وضياع ووهن.
من جهة أخرى، زعم وزير الثقافة الأسبق، الحبيب الأمين، أن إجراء انتخابات برلمانية فقط هي المطلب الأول لأي تظاهر مدني وطني، على حد تعبيره. وقال في تغريدة له، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: “يجب إزاحة المجالس نواب/دولة وبالتالي رحيل الحكومات جميعها وإجراء انتخابات برلمانية فقط”.
وفي سياق موازي، وفي ردود فعل حكومتي الدبيبة وباشاغا ومختلف القوى السياسية، ظهرت بوادر ركوب الأزمة ومحاولات الإستفادة من المظاهرات، عبر التظاهر بالعمل لأجل الوصول الى الإنتخابات، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإستفادة من الوضع الجديد الذي تشكل في البلاد.
وقد قال عضو مجلس الدولة الاستشاري أبو القاسم قزيط، إن ما يجري الترويج له عن قدرة أي حكومة على إجراء الانتخابات هو سياق خاطئ، كونها سلطة تنفيذية وليست تشريعية.
وأوضح أن الانتخابات لن تتم من دون توافق مجلسي النواب والدولة، فهما المسؤولان عن وضع القاعدة القانونية التي تنظم إجراءها، وبالتالي فإن تعهد أي من الحكومتين المتنافستين بتنظيم الانتخابات في أقرب وقت أو في أي تاريخ مستقبلي، هو تعهد بما ليس في استطاعتهما.
كما تابع: “هذه الدعوات هي محاولة إرضاء للرأي العام المحلي والمجتمع الدولي، والدبيبة وباشاغا يدركان أن شريحة واسعة من الليبيين تتطلع بشدة لفتح باب الانتخابات البرلمانية للترشح فيها كبديل للطبقة السياسية الراهنة، لذا يستهدفان تلك الشريحة تحديدًا وتبشيرها بقرب موعد التغيير، كما يغازلان المجتمع الدولي أيضًا بترديد الكلمات السحرية المفضلة لديه وهي الانتخابات والديمقراطية”.
وبالتالي، ليس أمام المتظاهرين، إلا الثبات على ما بدؤوا به، والإلتزام بالسلمية والمسؤولية تجاه وطنهم، وعدم الرضوخ الى عروض هؤلاء الفاسدين والمفسدين من أزلام الدولة، لأن الفرصة كانت سانحة لهم، والوقت كان أكثر من كافي لديهم للعمل على تحقيق طموحات الشعب الليبي، إلا أنهم أثبتوا بأنهم ليسوا أهلاً للثقة الممنوحة لهم، وأنهم يركضون لتحقيق مصالحهم والبقاء على كراسيهم لأطول مدة ممكنة، في ظل معاناة المواطنين وضيق عيشهم، وفقدانهم للأمن والإستقرار.