الرباط: جمال مغربي
قال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة ، اليوم الاثنين، إن السياسة الثقافية هي البنية التحتية التي تشيد عليها كافة السياسات العمومية، لذلك فإن تحقيق المواطنة الكاملة واستكمال صرح الدولة الإجتماعية بمواصفاتها الاجتماعية والمدنية والحقوقية، لا يرتبط فقط بمسلسل تطور المجتمع ونمائه الاقتصادي، بقدر ما يرتبط بالمنظور الثقافي والاستثمار في التنوع الثقافي الذي يزخر به المغرب.
وأضاف أخنوش، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب، أنه بالنظر للقيمة السامية والمكانة الرفيعة التي تحتلها السياسات الثقافية، فقد شدد دستور المملكة على أولوية البعد الثقافي القائم على تعدد روافده.
وأكد أخنوش أن تخصيص جلسة دستورية بمجلس النواب، للحديث عن السياسة الثقافية ودورها في الاقتصاد والإشعاع المغربيين، ليس ترفا فكريا أو جلسة خطابية، ولا هي هوامش زائدة لتأثيث أنشطة الحكومة والبرلمان، بل لأن السياسة الثقافية ضرورة أساسية لضمان شروط نجاح التنمية.
وأوضح أن للثقافة أهمية بالغة على مستوى التنشئة الاجتماعية للمواطنات والمواطنين، ولها أيضا عائدات اقتصادية وتنموية من خلال الاستثمار في الرأسمال اللامادي.
وأبرز أخنوش أن لا أحد ينكر التطور الملحوظ في السياسات والتدابير المتعلقة بتثمين الرأسمال الثقافي خلال العقدين الأخيرين، في المقابل، لا زالت هناك مواطن تقصير وأوجه قصور، تتطلب منا كحكومة العمل على إصلاحها وتجاوزها، خصوصا على المستوى المؤسساتي والتنظيمي، وكذا العمل على تقوية دعامة إلتقائية السياسات القطاعية القائمة على استحضار الذاكرة المشتركة، لتصب في سياسات عمومية تتسم بالنجاعة والفعالية والتكامل، ولا سيما في مجالات اقتصاديات الثقافة.
وأشار رئيس الحكومة إلى أنه سبق للجنة الملكية للنموذج التنموي أن وقفت على مجموعة من الاختلالات الفارقة التي تطبع السياسة الثقافية في المجتمع المغربي، منطلقة من تسجيل ضعف ثقافة الحوار وندرة فضاءات الإبداع والمشاركة في الفضاء العمومي، فضلا عن تبخيس صورة الفنانين والمبدعين كوسطاء ومنشئين للرابط الإجتماعي داخل المجتمع، ونقص إمكانيات التكوين والمعاهد والمؤسسات المرتبطة بالنشاط الثقافي.
وشدد أخنوش أنه وعيا من الحكومة بالنقص المسجل في هذا المجال، يسعى البرنامج الحكومي إلى وضع لبنات سياسة ثقافية مندمجة كرافعة للتنمية ومنصة لخلق فرص الشغل وإعادة الإعتبار لمختلف التعابير الفنية والثقافية، هدفها الأساس المحافظة على هويتنا الجامعة والتشبث بقيمنا الوطنية.
في السياق نفسه، أكد رئيس الحكومة أنه لا يمكن الحديث عن سياسة ثقافية ناجحة تتوخى خلق الثروة المادية، دون ربطها بالمنظومة التعليمية، فمصير أحدهما مرتبط بالآخر.
وأشار ، في هذا الصدد، إلى أن الرغبة التي تحذو الحكومة في تعزيز الاهتمام بالميدان الثقافي والنهوض به، وفي دمقرطة الثقافة وتطوير اقتصاداتها، تقتضي العمل على تعزيز قيم ومبادئ المشروع الثقافي الوطني داخل المنظومة التعليمية، خاصة من خلال:
-إدماج عنصر الثقافة في مختلف المؤسسات التعليمية بكل أسلاكها، وجعل المنظومة التربوية إطارا لتعزيز الوحدة الثقافية، وجامعة لكل روافدها؛
-جعل الفضاءات المدرسية منصة رئيسية لتلقين التلاميذ، في سن مبكرة، مضامين معززة بالفضول المعرفي حول تاريخهم وهويتهم الوطنية وتنوعهم الثقافي وتشجيعهم على الانفتاح والتواصل والإبتكار؛
-إبراز الميولات والطاقات الإبداعية لدى المتعلمين، وتشجيعهم على بناء قدراتهم الفردية والجماعية، في أفق تحسين طرق استعمالهم للمنتوجات الثقافية.
وأوضح أخنوش أن المنظور الحكومي الجديد للسياسة الثقافية يقوم على تشجيع الابتكار وحرية الإبداع والإنتاج، ودمج الثقافة في المناهج التعليمية لتنشئة أجيال تعي أهميتها، والانكباب على خلق فرص العمل من خلال إحياء المهن والحرف التقليدية، فضلا عن تأهيل بنية تحتية ثقافية جاذبة للمبدعين ورواد الأعمال والمستثمرين في القطاع الإبداعي من جميع أنحاء العالم،
وقال إن الحكومة عازمة على إعطاء نفس جديد للمجال الثقافي والإبداعي، وإحياء مقومات الإبداع الفني التي تم طمسها بفعل غياب سياسة إرادية للنهوض بها، وتفاقمت مؤخرا جراء تداعيات جائحة كوفيد-19 وآثارها على بلادنا، حيث سنعمل على مواكبة سياسة افتتاح المسارح الكبرى التي يشرف عليها جلالة الملك. فبفضله تحتضن بلادنا اليوم، مسارح من الطراز العالمي “كالمسرح الكبير للرباط” و”المسرح الكبير للدار البيضاء” و”المسرح الملكي بمراكش” وغيرها التي تعتبر أيقونات دولية.
وفي نفس السياق، يواصل أخنوش، تشتغل الحكومة حاليا على تصور جديد وطموح لإحداث مسارح جهوية وإقليمية وفتح قاعات سينمائية لتعزيز العدالة المجالية فيما يخص البنيات التحتية للعرض المسرحي والسينمائي ببلادنا، وذلك من خلال استغلال 150 من دور الشباب ودور الثقافة.