جوائز وحواجز

جوائز وحواجز

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
284
التعليقات على جوائز وحواجز مغلقة
نورالدين بازين
أي قيمة إضافية تجسدها الجوائز الثقافية في خضم الفقر الإبداعي الطاغي؟ هل الأدب والإبداع يحتاجان لجائزة من أجل أن يثبتا قيمتهما في الواقع؟ وما جدوى الجائزة حين تصبح ملاذاً للنهاية الإبداعية للكاتب وقبراً لمسيرته؟ وما معنى الفوز بجائزة ما، أصلاً؟ وكيف يمكننا أن نعتبر الجائزة شيطاناً يمشي كما وصفها الروائي الليبي إبراهيم الكوني، مع مفارقة عظيمة، حين اعتبر في حوار له مع تركي الدخيل (أن من يترشح للجائزة العربية خصوصاً هو من يمتلك الحظ والحظ وحده المسؤول عن الفوز بها، مبرزاً أن اللجان العربية المهتمة بهذا الشأن لايهمها سوى التعاطف مع هذا الاسم أو ذاك لاعتبارات وجدانية، مؤكداً أن من له نصيب بها يقع اسمه تحت خيمة هذه المشاعر لينالها عن طيب خاطر)؟. وما هي أوجه المفارقة بين الجائزة الرسمية التي تمنحها الدولة وبين الجائزة غير الحكومية التي تمنحها منظمات ثقافية؟ وهل للحراك الاجتماعي الأخير الذي نجم عنه ما سمي بالربيع العربي له تأثير على بعض هذه الجوائز؟
خلف مفهوم معنى الجائزة في الثقافة المغربية، مدخلاً لمعرفة الفكر المغربي والعقلية المغربية، من خلال نظريتين متباعدتين في استيعاب مفهوم الجائزة لدى فريقين من المبدعين والكتاب، ففريق يتماهى مع إحداث الجوائز باعتبارها مقياساً للجودة ورفعة للإبداع وسموه وتطوره نحو العالمية، وفريق ضد مفهوم جائزة عربية، مبرراً ذلك بتكريس قالب واحد يجعل الكاتب والمبدع يكتب تحت الطلب وما تشترطه إدارة الجائزة، وبالتالي طرح معه سؤال ما الجدوى من إبراز هذه الكلمة (الجائزة)، خصوصاً وأن الجوائز لم تظهر إلا في نهاية القرن الماضي بالمغرب.
وقد كرست الجوائز مفهوم الطبقية لدى العديد من الكتاب والمبدعين. فهناك جوائز غنية حيث تصل قيمتها إلى الملايين من الدولارات، وهناك جوائز فقيرة لا تتعدى ملايين معدودة، ومن هنا فإن هذه الطبقية تعطي انطباعاً بأن الجائزة تحدد مصير الأدب والأديب في المغرب رغم تفاهة بعض الجوائز مثل جائزة القصة. كما أن العادة جرت في جائزة المغرب للكتاب، أن الكاتب الفائز بالجائزة لن يقرأ له بعد الفوز بالجائزة، علماً أن الجوائز بالمغرب لا تثير نقاشاً عمومياً لا من قبل ولا من بعد، إضافة إلى أنها لا تلتزم بالأدبيات الخاصة بالجائزة الدولية. وتمر في ظروف غامضة مثل الهجرة السرية وبالتالي لا يرتقبها أحد من الكتاب المغاربة، إلى جانب أن الفوز بجائزة في المغرب تحكم على الكتاب الذي يمنح الجائزة، أن يبقى حبيساً في لغته ولا تضيفه لغات أخرى، مما يعني ذلك أنها ليست جائزة بل هي حاجزة، بدليل أنه لا يصدر عقب الإعلان عن الجائزة أي بيان أو تقرير يبين لنا لماذا فاز الكاتب بالجائزة التي تكون قيمتها هزيلة وتكون مناصفة تعبر عن تحقير الكاتب، وقد تأتي أحياناً في خريف الكاتب وهي لا تجازي عمله بقدر ما تجازي شيبته.
إن الحديث عن وجود أزمة إبداع في الأدب المغربي هو تعليل واه وخال من الصحة، وهو أيضاً مبرر ضعيف لإضفاء شرعية تاريخية وقيمة عالية على الجوائز، ولعل لهذا الاستنتاج التاريخي المتناقض مع مرحلة وجود جوائز في الأدب المغربي مصادفة مع بروز أسماء يعتبرها البعض وازنة اليوم في أدبنا المغربي، وهي الأسماء نفسها التي كانت ولازالت تتحكم في لعبة النشر عبر المجلات والملاحق الثقافية للجرائد، وتفرض طوقاً على بعض الأقلام الشابة التي حاولت أن تخرج من شرنقة هؤلاء في فترة معينة من تاريخ الأدب المغربي، إلا أن خاصية الأبوة في أدبنا ظلت حاضرة بقوة حتى في الكواليس المنوطة بمنح الجائزة. وهو ما يتطلب توفر مواصفات في اختيار لجان التحكيم وكيفية تشكيلها وعلى أي أساس تمنح الجوائز، خصوصاً أن عنصر تغييب السلطة التحكيمية التي تشكلها سلطة النص تكون هي السلطة الغالبة. فبطبيعة الحال لا يمكن التغاضي عن أسماء تميزت حقيقة بعطائها الإبداعي والفكري في المغرب، في القرن الماضي. وازنت بين التراث المحلي والانفتاح على الآخر، وهي الإشكالية التي نجم عنها ما نعيشه اليوم من معرفة وثقافة تحقق ولو بنسبة قليلة، النظريات المشروعة في الأدب المغربي الذي يعيش هو أصلاً إشكاليات أزمة الخطاب واستيعاب الآخر المكون للمجتمع. غير أن هذه الموازنة، إن هي استثمرت بشكل فعال فلابد أن تكشف عن إبداع وفكر سالمين متكاملين.
إن السياقات المتعددة لحضور الأدب والفكر ضمن منظومة الجوائز في المغرب، قد كشفت عن واقع لا يخلو من إكراه. أولاً: غياب دار نشر خاصة بالإبداع والفكر في المغرب تحذو حذو دور النشر الأكثر بروزاً في الشرق، تجمع بين وظيفة النشر والتوزيع والمشاركة في الجوائز. ثانياً: خضوع الجوائز في المغرب على هزالة قيمتها إلى اعتبارات انتمائية أو شخصية، مع انفلاتات قليلة تتوج التتويج الأليق من بذلوا مجهوداً جباراً في الحقلين الإبداعي والفكري. وعن أحقية بعض المبدعين والمفكرين في الحصول على الجوائز، فقد أكد الدكتور رمسيس عوض، (أن الجوائز تعطى على نحو مرتجل وبدون فحص أعمال المرشحين لمعرفة مقدار إسهامهم في المجالات الثقافية المختلفة، وإنها تمنح على أساس شهرة المرشح أو انتمائه إلى شلة!! وهي سياسة هدامة جعلت الأكاديميين يهينون أنفسهم ويلهثون وراء أجهزة الإعلام).

يمكنك ايضا ان تقرأ

مشروع القطار السريع بين مراكش وأكادير: خطوة جديدة عبر دراسة التربة بجنان أبريكة

نورالدين بازين شهدت منطقة سيدي غانم بمراكش، صباح