يبدو أن عبد الإله ابن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية الأغلبي ورئيس الحكومة السابق، أصيب بنوع من جنون العظمة وهو يصر على التمادي في إشعال الفتن وإثارة الزوابع في فناجين فارغة. إذ رغم مرور خمس سنوات على إقالته، مازال غير قادر على احتواء قوة الضربة الموجعة التي أسقطته من برجه العاجي، وحالت دون استمراره في التربع على كرسي رئاسة الحكومة لولاية ثانية والأمانة العامة للحزب لولاية ثالثة، وساهمت في تلاشي كل أحلامه. وبدا واضحا أن السبعة ملايين سنتيما شهريا لم تكن كافيه في تجفيف دموعه وتضميد جراحه العميقة.
فمشكلة الرجل الذي قادته الصدفة يوما إلى احتلال المرتبة الثانية في هرم السلطة بعد ملك البلاد محمد السادس، أنه استطاب دفء المنصب وامتيازاته إلى الحد الذي صار معه مهووسا بالسلطة، وفي أشد الحاجة إلى الكشف عن حالته النفسية قبل استفحال الأمر. حيث لا يدع فرصة تمر دون الانقضاض عليها، ناسيا أنه حاليا مجرد عضو في المجلس الوطني للحزب وليس أمينه العام ولا رئيسا للحكومة. ومما يؤكد عدم قدرته على استيعاب ما حدث بعد استحقاقات أكثوبر2016 البرلمانية، هو محاولة نسف الحكومة بالهجوم مثلا على وزيري الفلاحة والتعليم عزيز أخنوش وسعيد أمزازي، ثم خلفه في رئاسة الحكومة والأمانة العامة للحزب سعد الدين العثماني، بخصوص تمرير القانون الإطار للتربية والتكوين حول فرنسة المواد العلمية، إذ وجه إليه سهامه المسمومة أمام اللجنة المركزية لشبيبة الحزب بالقول: “إنه يبرر المصادقة على مثل هذه القوانين بدعوى أنها صادرة عن جهات عليا، ثم إنه لا أحد يجبره على البقاء أمينا عاما للحزب ولا رئيسا للحكومة”. ألا يستشف من مثل هذا الغضب الشديد أنه يحمل بركانا من الحقد الدفين في صدره ويريد الانتقام لنفسه؟
وها هو اليوم وبعد أن وجد نفسه محاصرا بكثير من الأسئلة حول موقفه الملتبس من استئناف المغرب لعلاقاته مع اسرائيل، يحاول الهروب إلى الأمام من خلال إثارة زوبعة أخرى تتعلق بمعارضة مقترح قانون تقدم به وزير الداخلية عبد الوفي لفتيت حول “الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي”. وهو مشروع يحدد بشكل خاص شروط زراعة نبتة القنب الهندي المعروفة ب”الكيف” وتسويقها وتصديرها، للاستخدام الحصري في أغراض صناعية وطبية.
فهو يعلم قبل غيره أن المغرب كان عازما على تقنين زراعة نبتة القنب الهندي منذ عام 2008، بهدف تيسير إجراء تجارب على زراعة الكيف الصناعي في مختلف ربوع البلاد وليس فقط في منطقة الريف، من لدن المعهد الوطني للبحث الزراعي ومختبر الأبحاث والتحاليل التقنية والعلمية التابع للدرك الملكي. فضلا عن أن المغرب سبق أن صوت في دجنبر 2020 لصالح إدراج هذه النبتة كمكون علاجي طبي في اجتماع لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة. حيث اعتبر مراقبون أن تصويته لفائدة القرار، ستكون له تداعيات إيجابية على ملف المخدرات، ويعد انتصارا للحركة العالمية المدافعة عن رفع الحظر عن زراعة واستعمال “الكيف” لنفس الأهداف الطبية التي كان معمولا بها عبر التاريخ.
إذ خلافا لتوجه الحكومة نحو المصادقة على مشروع القانون الذي ظل يتأجل لعدة سنوات، ولتراجع حزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي لولايتين متتاليتين عن معارضته لهذا المقترح، المتعلق ليس فقط بزراعة وتصدير وبيع القنب الهندي للاستعمال الطبي والصناعي، بل حتى بتحسين دخل المزارعين الفقراء وحمايتهم من كبار مهربي المخدرات المتحكمين في تجارة الكيف.
وخلافا كذلك لما أبدته “حركة التوحيد والإصلاح” الذراع الدعوية للحزب الأغلبي من مرونة، داعية إلى تضافر الجهود للوقوف على المصالح المفترضة من استخدام القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، دون التورط في أي انعكاسات سلبية على الناشئة والأسرة والمجتمع، والتريث إلى حين التحقق من مدى نجاح التجارب الدولية أو فشلها…
فإن ابن كيران الباحث عن زعامة مفقودة أبى كعادته إلا أن يرفع عقيرته بالتنديد والاستنكار ويشهر ورقة الاستقالة في وجه إخوانه إذا ما تمت المصادقة على مقترح القانون، دون مراعاة ما تتعرض لها قيادة الحزب من ضغوطات جراء تواتر الانتقادات وتقاطر الاستقالات. إذ اعتبر السماح بتمرير المشروع لن يعمل سوى على تعقيد الأمور ويساهم في اتساع رقعة المخدرات وانتشار الجرائم، مشددا على أن الدراسات لا تتحدث عن الاستعمالات المنفعية للنبتة، ومتهما الأصوات المنادية بذلك إلى السعي صوب شرعنة ترويج المخدرات وتدمير أمة بكاملها، وما إلى ذلك من “هذيان”. فعلى أي أساس علمي أو أخلاقي بنى موقفه المعارض، والحال أن مشروع القانون واضح وصريح، ويهدف إلى زراعة حشيشة الكيف وفق كميات محددة سلفا لتلبية حاجات إنتاج المواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية؟ !
إن المغرب لم يعرف من قبل رجل دولة سابق بهذا التهور وهذه الرعونة، رجلا مزاجيا وغرورا، مثلما هو الحال بالنسبة لعبد الإله ابن كيران الذي يعتقد أنه رقم صعب في هذه البلاد، وأنه بدون استشارته في كل كبيرة وصغيرة وإبداء رأيه وموافقته عليها في الحزب أو الحكومة، لا يمكن أن تستقيم الأمور وتمضي في الاتجاه السليم. وإن لا كيف يبيح لنفسه التهديد بالاستقالة واعتزال “السياسة” عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”؟ ثم هل بات قرار تقنين القنب الهندي أخطر على مصالح الحزب والأمة من قرار “التطبيع” الذي تبرأت منه عشيرته داخل الحزب وخارجه؟
اسماعيل الحلوتي