وداعا صاحب برنامج “أسئلة كورونا”..

وداعا صاحب برنامج “أسئلة كورونا”..

- ‎فيرأي, في الواجهة
175
0

 

      علمتنا الحياة أن الموت من بين أفظع الأشياء التي يمكن أن يواجهها الإنسان في رحلته الدنيوية، لأنه من جهة لا يستطيع أن يتصور استكمال العيش سعيدا بدون أصدقائه وأحبائه، ولأن الموت من جهة ثانية هي تلك الحقيقة الوحيدة التي لا يقدر أحد مهما بلغ من الدهاء والجبروت على حجبها أو طمسها. وتزداد وضوحا كلما امتدت يدها إلى اختطاف شخص عزيز من الجيران أو الأقارب أو الأصدقاء. مما يستدعي أن نكون على استعداد دائم لاستقبالها، ليس فقط على المستوى النفسي، بل كذلك بصالح أعمالنا.

      فخير الأعمال هي ما يجعل موت بعض الأشخاص يتركون خلفهم صدى طيبا، وتظل أسماءهم وأعمالهم خالدة بيننا وراسخة في أذهاننا، كما هو الحال بالنسبة للإعلامي المتميز صلاح الدين الغماري، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته إلى جوار الصديقين والشهداء.

      ذلك أن الله جل جلاله قدر الموت على جميع عباده بدون استثناء، إذ يحضر الموت في عديد السور القرآنية، ومنها قوله تعالى في سورة الرحمان (الآية: 26-27): “كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”. فالموت إذن قدر إلهي محتوم، يسوي بين الخلق كلهم، لا فرق بين كبير وصغير، ولا بين ذكر وأنثى، ولا بين قوي وضعيف ولا بين غني وفقير…

      فعن عمر يناهز الخمسين سنة وعلى إثر تعرضه المباغت إلى سكتة قلبية ليلة الخميس وصباح يوم الجمعة 10-11 دجنبر 2020، أسلم الروح إلى بارئها ليفارقنا إلى الأبد في عز العطاء المتواصل، ذلكم هو الإعلامي والوجه التلفزيوني المقتدر صلاح الدين الغماري. الذي شكلت وفاته صدمة قوية في أوساط المغاربة قاطبة. ولا أدل على ذلك أكثر من أنه رغم الظروف الصعبة التي تجتازها بلادنا بسبب تفشي جائحة كورونا، وفي خضم الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها السلطات العمومية من تباعد جسدي وعدم التجمهر وغيره، حفاظا على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين، أبى المغاربة إلا أن يتحللوا من كل التزام صحي ويهبوا عن بكرة أبيهم صباح يوم الجمعة 11 دجنبر 2020 لتشييع جنازته إلى متواه الأخير في موكب مهيب، لا يليق إلا بكبار الشخصيات المحترمة وشرفاء الوطن…

      وكان من الطبيعي جدا أن يتأثر الكثيرون لهذا المصاب الجلل وتنتشر صورة الفقيد صفحات التواصل الاجتماعي مرفوقة بأصدق عبارات العزاء والرثاء. إذ كيف لا وقد خلف انطفاء نجمه في سماء الإعلام الجاد صعقة موجعة وسط قاعدة شعبية عريضة من بنات وأبناء الوطن، وخاصة بين زملائه في القناة الثانية وخارجها وعديد المثقفين والفنانين والرياضيين… وهو الذي عرف بدماثة أخلاقه وطيبته ولباقته وإنسانيته ونكران الذات ومساره المهني الحافل بالعطاءات المثمرة؟ 

      وفضلا عن ذلك كله، فقد تضاعفت شعبيته بوصول صوته الصادق إبان فترة الحجر الصحي الشامل إلى أقصى النقط النائية عبر برنامجه الشهير “أسئلة كورونا”، الذي كان للمغاربة موعد معه مساء كل يوم في القناة التلفزيونية الثانية، وهو البرنامج الاجتماعي الذي كان يسجل نسبة عالية من المشاهدة، حيث ظل يعرض من خلاله أهم المستجدات عن الوضع الوبائي بالبلاد بلغة عامية بسيطة، قصد إيصال رسائله التحسيسية والتوعوية حول خطورة فيروس كورنا المستجد أو “كوفيد -19” إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين، إذ لم يكن يتأخر في الرد على ما يرد البرنامج من استفسارات المواطنين أو يترك موضوعا يهم حياتهم من تعليم وصحة وغيرهما دون التطرق إليه بمساعدة أهل الاختصاص، ولاسيما ما يتعلق بالاستفادة من دعم “صندوق كورونا”، بالنسبة للأسر المتضررة من الجائحة من حاملي بطاقة “راميد” وكذلك العاملين بالقطاع غير المهيكل…

      فبقدرما خلف رحيل من اشتهر بلازمته التي كان ينهي بها مواعيد مواده الإخبارية بالقناة الثانية: “نهاية النشرة.. إلى اللقاء”، حزنا عميقا في نفوس ملايين المشاهدين. بقدر ما كشف لنا عن أصالة معدنه وعمقه الإنساني وسلط الأضواء على عدة جوانب لم نكن نعلم عنها أي شيء، حيث يجمع جل معارفه  وزملائه الذين عملوا إلى جانبه على مدى عقدين من الزمن، أنه بالإضافة إلى كونه إنسانا خلوقا وأبا حنونا وابنا بارا، كان يمثل عملة نادرة لما يتميز به من خصال حميدة من حيث الصبر والأمانة والصدق والإخلاص والوفاء والسخاء والروح الوطنية العالية والحس بالمسؤولية، المثابرة والتفاني في العمل… 

      إن رحيل الإعلامي الوديع صلاح الدين الغماري الذي عرف بعصاميته في مختلف أطوار دراسته داخل الوطن وخارجه، وبتميزه الإعلامي ميدانيا وأكاديميا، لم يشكل فقط صدمة حقيقية للذين استقبلوا الخبر بذهول كبير لحظة نعيه، ولم يصدقوا هول الفاجعة التي ألمت بهم في وقت كانوا يترقبون فيه بشوق ولهفة انطلاق موعد برنامجه الجديد “صوتكم” والحملة الوطنية للتلقيح ضد الوباء القاتل، بل كذلك خسارة كبرى للمشاهدين والقناة الثانية وللمشهد الإعلامي الوطني ككل. 

      وداعا صلاح رمز الجد والفلاح، الرجل المناضل الفاضل، ويكفي عائلتك فخرا وشرفا تلك التعزية الطيبة التي بعث بها ملك البلاد محمد السادس لأسرتك الكريمة، والحشود الهائلة من المغاربة الذين رافقوك في ظرف استثنائي إلى مثواك الأخير بقلوب خاشعة وعيون دامعة في موكب جنائزي فريد ومهيب، يؤكد على أنك كنت إنسانا مختلفا بصورة إيجابية، وتستحق منهم كل الحب والوفاء عرفانا بما قدمته من أعمال جليلة خدمة للوطن وأبنائه طوال مشوارك المهني المتميز.

اسماعيل الحلوتي

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت