بقلم عبد العزيز الراشدي
لا نعرف، حتى الآن، من قتل الطفلة نعيمة، هل هو مغتصب مريض لم يرحم ضعفها ومرضها وطفولتها، أم هو مشعوذ مجرم يقتنص الكنوز والدماء! لكننا،في كل الأحوال، نعرف حجم المأساة وخطورة الفعل ودناءة الجريمة وعمق الجرح والمأساة، وسننتظر نتائج التشريح كي نعرف ملابسات القضية. مع ذلك، ينبغي ألا تقودنا بشاعة الجرم إلى تحوير القضية، ومقارنة المأساة بمأساة أخرى، إذ لا مزايدة في الحزن والألم والضرر، فكل الذين فقدوا أحباءهم أو تعرضوا للاغتصاب والمهانة يستحقون الاهتمام والعناية من الإعلام والدولة، ولا ينبغي أن نسقط في التأويلات التي تفرّق بين الناس لأن الحزن مغربي خالص والقضية تحتاج إلى العمل لأجل المستقبل لبناء أدوات الحماية والاستباق.
ما ينبغي فعله، في نظري، هو الانتباه لواقع الطفولة والشباب في المغرب، من زاوية اجتماعية تضع الأولويات؛ فخلال عقدين من الزمن لم يعد من مكان للطفولة والشباب في المغرب. إن حالات الاغتصاب، اليوم، هي نتيجة لتراكمات البؤس السياسي الذي اغتصب حق الأطفال والشباب في هذا الوطن، فلم تعد الأولوية للمدرسة التي تكوّن جيلا قادرا على مواجهة أسئلة الحياة وفهم الأمور، ولم تعد الثقافة تأوي وتوازن وتكوّن وتربّي بعد أن أصبحت دور الشباب مهجورة. لقد أصبح همّ الدولة، لسنوات، دعم الأغنياء وتشجيع المقاولين من أجل بناء شقق ضيّقة تغيب عن محيطها المساحات الخضراء وتغيب عنها الحياة والفرح. لقد غابت الفضاءات الواسعة التي كانت تشكل متنفسا للصغار وكانت بيئة آمنة وأصبح همّ الناس أن يُحشروا وسط صناديق الاسمنت والحديد مع مشاكلهم وآلامهم. هل نسيتم الطفلة التي احترقت قبل وقت وهي تطل من نافذة الحديد؟ . هناك، إذن، رمزية قوية تنبع من صور اغتصاب الأطفال؛ وهي أن الوطن يغتصب المستقبل ولا يأبه له. إن أكثر الفئات تضررا من هذه المرحلة السياسية البائسة هم الأطفال والشباب، حيث تمتلك البلاد فئة عريضة من المواطنين لا تضعها في الحسبان، ولا تفكّر في استثمارها ولا في العناية بها.
نخشى أيضا أن يكون كل هذا الغضب الفايسبوكي مجرد لحظة للتفريغ. فاللافت أن كل قضية من قضايا الاغتصاب تغطي على الأخرى ولا تمنحها الوقت، وهكذا تُطوى ويحلّ محلها الصمت، بينما تعاني العائلات في ظلّ غياب أي عناية أو نقاش عمومي صريح مستمر يصل إلى تحقيق العدالة ويضمن عدم تكرار ما جرى ويتطلع إلى المستقبل لتحقيق الوقاية.
من الواضح أننا سنقرأ ، للأسف، عن حالات كثيرة لاغتصاب الأطفال في المستقبل، فنغضب ويفسد يومنا ثم ننسى الموضوع مع ظهور فضيحة جديدة، وكأننا بالغضب الفايسبوكي والضجة الاعلامية نكون قد قُمنا باللازم وأرحْنا الضمير، وهي الصيغة الجديدة للحياة؛ أن نعيش افتراضيا وننتقد افتراضيا ونموت افتراضيا، بينما يحضن المجروح جرحه في الظلام عندما تنطفيء الأضواء أو تغيب الكونكسيون.