بقلم الحسين يزي
من أهم المدارس التي استفدت منها الكثير والكثير، خاصة مسألة فهم كواليس أي حدث سياسي، ناتج عن تحركات أصحاب القرار، أو ردة فعل حزب أو أحزاب تجاه هذا القرار أو مناوشة حزب لحزب.
كواليس أي حدث تشريعي برلماني، منطلقاته، مساره، رسائله، أهدافه، كانت مدرسة المرحوم عبد العزيز المسيوي، المدرسة التوثيقية بامتياز.
كان يختزن في ذاكرته الكثير من أسرار قرارات أهل القرار، الكثير من النوادر السياسية ، الكثير من الحياة التشريعية في البرلمان وكان فاعلا فيها، وهو صاحب قانون منع التدخين، وهو القانون الذي رفض الحسن الثاني رحمه الله إحالته على البرلمان لأسباب كان كشفها لي سي عبد العزيز في إحدى جلساتي معه.
قال لي إن الملك الراحل سأل أحد مستشاريه : واش مول هذا مشروع قانون مدخن؟ .بعد حين جاءته الإجابة بنعم، فتبسم الحسن الثاني فاطال مدة حجز مشروع قانون التدخين. هذا علاوة على الحرب التي شنتها شركة التبغ على المسيوي وبعض مالكي الجرائد، الذين كانت تهمهم عائدات إشهار التبغ.
بقي الأمر معلقا إلى حدود سنة 1996، حيث عاد الملك من رحلة إلى أمريكا، وقبل أن يعطي موافقته بتفعيل القانون، تأكد من أن عبد العزيز المسيوي انقطع عن التدخين.
المرحوم المسيوي كان شغوفا بالتوثيق: جمع القوانين، جمع أهم الأحداث في الصحافة المكتوبة، جمع الصور والمعلومات الدقيقة.
شغفه هذا سيتسبب لي في تعب وبحث استمر ثلاثة أسابيع، ذلك أنه كلفني بجمع الكثير من وثائق تتعلق بحزب الاتحاد الدستوري، حين تم القذف بي /بفعل فاعل/ من هيأة تحرير رسالة الأمة، خلال سنة 1998، لإسقاطي تماما بمكتب المرحوم عبد اللطيف السملالي، الأمين العام للحزب، وأصبحت بعدها كاتبه الخاص وموثق أنشطة الحزب.
كان الهدف من إبعادي عن هيئة التحرير، هو التخلص مني بذكاء، بمعنى أن الأمين العام سيتخلى عني في حينه، وإذا ما احتجت النقابة الوطنية للصحافة، سيقال لها إنه حين طرد كان مكلفا بمهمة لدى مكتب الأمين العام للحزب، ولم تطرده إدارة الجريدة.
كان عبد العزيز المسيوي وقتها، أمين مال الحزب. وحين أتى المقر طلبني. خلال حديثه معي أكد علي حفظ مكانة وأسرار الأمين العام. قال لي أيضا إنه سيخصص ميزانية بملبغ بعينه تحت إسم “ميزانية مكتب الأمين العام”.
طلب مني بصيغة الأمر أن أعد له كل نهاية الشهر، لائحة مصاريف تلك الميزانية. كانت ميزانية تخص كل طلبات الأمين العام، بما في ذلك “إكراميات تسلم لصحافيين يجرون حوارات مع السيد عبد اللطيف السملالي”. كنت أسلمها لهؤلاء بيدي، ولأنهم كانوا من “علية القوم بهذه المهنة”، لم ينتبهوا إلي بصفتي صحافي مبتدئ.
طبعا هذه أسرار اؤتمنت عليها، ولن أكشف تفاصيلها في جميع الأحوال والظروف، فقط أشير إلى أن أحد صحافيي يومية “الأحداث المغربية” رفض بغضب تسلم مقابلا لحواره الحقيقي مع المرحوم السملالي.
من نوادر سي عبد العزيز المسيوي، أنه أصر على أن تكون أول هيأة تحرير يحصل صحافيوها على الهواتف المحمولة، هي هيأة تحرير رسالة الأمة، طبعا بدون احتساب هيأة تحرير ليكونومست، التي كان صحافيوها يسبقون الجميع بسنة ضوئية خلال سنة 1998 (كان عندهوم حتى ليكارت كيشي). كان هدف سي عبد العزيز هو الضبط والربط، وممنوع إسكات الهاتف حتى ينتصف الليل.
عبد العزيز المسيوي وجه رياضي مؤثر، ترأس البعثات الرسمية للمتخبات الوطنية في كرة القدم مرارا وتكرارا، له من الوثائق والصور ما يثير شهية كل باحث عن المعلومة الموثقة.
حين كنت صحافيا بيومية الصباح، وفي سياق إعداد ما يعرف بمواد الصيف، اقترحت على رئيس التحرير الزميل حسن العاطفي أن أجري دردشة مع السيد عبد العزيز المسيوي حول نوادر سياسية نادرة، وافق حسن على الفكرة. اتصلت بسي عبد العزيز فطلب مني أن ألحق به بمقر حزب الاتحاد الدستوري. هناك أخبرته بالفكرة. تبسم كثيرا وقال لي دعك من هذا ساعطيك شيئا أكثر أهمية من السياسة، ساعطيك نوادر وطرائف وصور تتعلق بالمنتخبات الوطنية في كرة القدم ولاعبيها وشخصياتها.
في اليوم الموالي سالتحق بسي عبد العزيز بمنزله، وهناك وعلى مدى عشرة أيام استخرحت حلقات غير مسبوقة فعلا. ومن النوادر التي حدثت بيني وبين سي عبد العزيز خلال إعداد تلك الحلقات أنه تحدث لي عن والدة الحارس بادو الزاكي، حين جاءته بقنينة ماء وطلبت منه أن يتم رشها بداخل مرمى ابنها في مباراة جمعت المنتخب المغربي ونظيره النيجيري. في تلك الحلقة كتبت على لسان المسيوي : “والدة الحارس الكبير بادو الزاكي “. كانت الحلقات تصدر بشكل يومي. في اليوم الموالي وجدت سي عبد العزيز غضبانا ورفض إتمام الحلقات.
سألته عن السبب؟ أجابني: واش أنا قلت الحارس الكبير ؟ قلت له : فين كاين المشكل راه الزاكي هاداك. ثم اعتذرت، فالرجل كان رجاويا قحا، وما كان علي أن أتصرف في كلامه.
صفحة بن يزي بالفايسبوك